Share Button

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام هو أحد الأنبياء والرسل الكرام الذين أخبر الله عنهم في القرءان الكريم، وقد ذكره الله تعالى في بضعة مواطن من سور القرءان، وهو ممن يجب الإيمان والاعتقاد بنبوته ورسالته على سبيل القطع والجزم، وقد وصفه الله تعالى في القرءان الكريم بالنبوة والصدّيقية ، وقد اختلف في نسبه وأشهر ما قيل هو إدريس بن يرد بن مهلاييل، ويسمى أيضًا أخَنوخ، وينتهي نسبه عليه السلام إلى نبي الله شيث بن آدم عليهم الصلاة والسلام.

وسيدنا إدريس عليه السلام نبي كريم من أنبياء الله عز وجل ذكره الله في القرآن الكريم مرتين دون أن يحكي لنا قصته أو قصة القوم الذين أُرسل إليهم، قال تعالى: ( وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين) وقال تعالى: ( واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقًا نبيًّا . ورفعناه مكانًا عليًّا ) وقد مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإدريس ليلة الإسراء والمعراج، وهو في السماء الرابعة، فسلَّم عليه فقال صلى الله عليه وسلم “فأتيتُ على إدريس فسلمتُ، فقال: مرحبًا بك من أخ ونبي ” البخاري .

وقيل سمي إدريس بهذا الاسم لأنه مشتق من الدراسة، وذلك لكثرة درسه الصحف التي أنزلت على سيدنا آدم وابنه شيث عليهم الصلاة والسلام ، وقيل إن إدريس هو أول من خطّ بعد آدم عليه السلام وقطع الثياب وخاطها، وينسب إلى هذا النبي الكريم أشياء كثيرة مما هي كذب وافتراء ، وسيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام وهو ثالث الأنبياء بعد أبونا آدم وشيث عليهم السلام، ولقد اختلف العلماء في مولده ونشأته فقال بعضهم إن إدريس ولد ببابل مدينة في العراق، وقال آخرون إنه ولد بمصر والصحيح أنه ولد بالعراق في مدينة بابل.

ورُوي أن سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام جاءه مرة إبليس في صورة إنسان وكان سيدنا إدريس يخيط وفي كل دخلة وخرجة يقول سبحان الله والحمد لله، فجاءه إبليس اللعين بقشرة وقال له: الله تعالى يقدر أن يجعل الدنيا في هذه القشرة؟ فقال له سيدنا إدريس: الله تعالى قادر أن يجعل الدنيا في سَمّ هذه الإبرة أي ثقبها، ونخس بالإبرة في إحدى عينيه وجعله أعور، وهذا ليس ثابتا من حيث الاسناد ، وأما قول سيدنا إدريس عليه السلام: الله تعالى قادر أن يجعل الدنيا في سم هذه الإبرة، أراد به أن الله تبارك وتعالى قادرٌ أن يصوّر الدنيا أصغر من سم الأبرة ويجعلها فيه، أو يجعل سم الأبرة أكبر من الدنيا فيجعلها أي الدنيا في سم الإبرة، لأن الله تبارك وتعالى على كل شىء قدير، وإنما لم يفصل له سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام الجوابَ لأنّه معاند، ولهذا عاقبه على هذا السؤال بنخس العين.

وقد أخذ إدريس عليه السلام في أول عمره بعلم شيث بن آدم عليهما السلام، ولما كبر آتاه الله النبوة والرسالة وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة كما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه الذي رواه ابن حبان، فصار عليه السلام يدعو إلى تطبيق شريعة الله المبنية على دين الإسلام الذي أساسه إفراد الله تعالى بالعبادة، واعتقاد أنّه لا أحد يستحقّ العبادة إلاّ الله، وأن اللهَ خالق كلّ شىء ومالك كل شىء وقادر على كل شىء، وأن كل شىء في هذا العالم يحصل بمشيئة الله وإرادته وأن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئًا من مخلوقاته، ولا يشبهه شىء من خلقه.

فعاش سيدنا إدريس عليه السلام يعلّم الناس شريعة الإسلام وأحكام دين الله، مع أن الناس الذين كانوا في زمانه كانوا مسلمين مؤمنين يعبدون اللهَ تعالى وحده ولا يشركون به شيئًا، واستمرّ الأمر على هذه الحال إلى أن ظهر إبليس اللعين للناس في صورة إنسان ليفتنهم عن دين الإسلام، وأمرهم أن يعملوا صورًا وتماثيل لخمسة من الصالحين كانوا معروفين بين قومهم بالمنزلة والقدْر والصلاح.

وكان في شرع إدريس جواز عمل تماثيل للأشخاص ثم نسخ ذلك، فأطاعوه وعملوا لهم صورًا وتماثيل، ثم لما طالت الأيام ظهر لهم مرة أخرى في وقت كثر فيه الجهل والفساد في الأرض، وأمرهم أن يعبدوا هذه التماثيل والأصنام الخمسة، فأطاعوه وعبدوهم واتخذوهم ءالهةً من دون الله فصاروا كافرين مشركين، وكان ذلك بعد وفاة نبي الله إدريس عليه السلام بمدة ولم يكن في ذلك الوقت نبيّ.

وسيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام عاش بعد سيدنا ءادم على الإسلام هو ومن اتبعه ومن كان معه، يدعو المسلمين الذين كانوا في زمانه إلى تطبيق شريعة الله وأداء الواجبات واجتناب المحرمات، وأخذ ينهى عن مخالفة شريعة الإسلام، فأطاعه بعضهم وخالفه بعض، فنوى أن يرحل فأمر من معه أن يرحلوا معه عن وطنهم العراق فثقل على هؤلاء الرحيل عن وطنهم، فقالوا له: وأين نجد مثل بابل إذا رحلنا؟ وبابل بالسريانية النهر، كأنهم عنوا بذلك دجلة والفرات، فقال لهم: إذا هاجرنا لله رزقنا غيره (أي بلدًا غيره) فلما خرج سيدنا إدريس عليه السلام ومن معه من العراق ساروا إلى أن وافوا هذا الإقليم الذي يسمى بابليون، فرأوا النيل ورأوا واديًا خاليًا فوقف سيدنا إدريس على النيل، وأخذ يتفكر في عظيم قدرة الله سبحانه ويسبح الله سبحانه وتعالى.

وأقام سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام ومن معه في مصر يدعو الناس للالتزام بشريعة الله وكانت مدة إقامته في الأرض كما قيل اثنتين وثمانين سنة ثم رفعه الله إلى السماء ثم توفاه على هذه الأرض، وكون وفاته على الأرض هو الصحيح ، وسيدنا إدريس عليه السلام مواعظ وآداب اشتهر بها بين قومه وأهل ملته، فقد دعا سيدنا إدريس عليه السلام إلى دين الله وإخلاص العبادة له، وإلى الالتزام بالشريعة وإلى تخليص النفوس من العذاب في الآخرة بالعمل الصالح ، وحضّ على الزهد في هذه الدنيا الفانية الزائلة والعمل بالعدل وعدم الظلم، وأمرهم بالصلاة وبينها لهم وأمرهم بصيام أيام معينة من كل شهر، وأمرهم بزكاة الأموال معونة للفقراء، وشدّد عليهم في الطهارة من الجنابة، وحرّم عليهم الخمر والمسكر من كل شىء من المشروبات وشدد فيه تشديدًا عظيمًا.

وقيل جعل لقومه أعيادًا كثيرة في أوقات معروفة، وقيل كان في زمانه اثنان وسبعون لغة يتكلم الناس بها وقد علمه الله تعالى لغاتهم جميعها ليعلم كل فرقة من قومه بلغتهم كما قال الله تعالى:( وَمَاأَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) سورة إبراهيم ، وقيل إنّه علّم قومه العلوم، وإنه أول من استخرج الحكمة وعلم النجوم فإن الله سبحانه وتعالى أفهمه أسرار الفلك وتركيبه، وأفهمه عدد السنين والحساب، وقيل إنه أول من نظر في علم الطب، وأول من أنذر بالطوفان، وأول من رسم لقومه قواعد تمدين المدن ، وأقام للأمم في زمانه سنَنًا في كل إقليم سنّةً تليق بأهله.

قد أثنى الله سبحانه وتعالى على إدريس عليه السلام ووصفه بالنبوة والصديقية، أي بليغ التصديق بما يجب لله من الوحدانية والتنزيه ،ويذكر ابن كثير بأنه: خنوخ، وهو في عمود نسب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، على ما ذكره غير واحد من علماء النسب، وكان أول نبي أعطاه الله عز وجل النبوة بعد آدم وابنه شيت عليهما السلام، وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم، وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة وثماني سنوات.

وقوله تعالى: (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو في السماء الرابعة، وتفسر بأنها شرف النبوة والزلفى عند الله تعالى ، وذلك كما ذكر فى رحلة الإسراء والمعراج والذى رواه البخارى ومسلم ،وقد أقام سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام في العراق وفي مصر يدعو إلى دين الإسلام، وجاهد في سبيل الله، وصبر في الدعوة إلى الله الصبر الجميل، وتحمل من قومه الكثير وهو يدعوهم إلى الالتزام بالشريعة وبطاعة المولى سبحانه وتعالى وعدم معصيته ، ثم رفعه الله تبارك وتعالى إلى السماء كما قال الله تعالى في حق إدريس عليه الصلاة والسلام .

وقد اختلف المؤرخون في السماء التي رفع إليها سيدنا إدريس عليه السلام، فقد روي عن ابن عباس أنه قال في تفسير الآية: إن الله رفعه إلى السماء السادسة فمات بها، وروي عن مجاهد في قوله تعالى: ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيًّا ) وقال السماء الرابعة، والصواب أنه عليه الصلاة والسلام مات على هذه الأرض كما تقدم. وأما أنه لم يزل في السماء السادسة فغير معتمد، وذلك لقول الله تعالى: ( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ) فأخبر أن الإنسان خُلق من هذه الأرض وتكون نهايته بعد الممات إليها ومنها يبعث يوم القيامة.

وأنه من أنبياء بني إسرائيل من بعد سليمان عليه السلام، وأنه يسمى في التوراة إيليا، أرسله الله تعالى لما انتشرت الوثنية في بني إسرائيل، وساعد على انتشارها بينهم ملوكهم، وبنوا لها المذابح وعبدوها من دون الله تعالى ، ونبذوا أحكام التوراة ظهريًا، فقام إلياس عليه السلام يوبخهم على ضلالهم، ويدعوهم إلى التوحيد، وحذّرهم من عذاب الله ونقمته، وأنكر عليهم أن يعبدوا صنمهم الذي يسمى بعلاً، أو يطلبوا منه الخير، وهو صنم من أصنام الفينيقيين .

وأقاموا له ولغيره من الأوثان معابد ومذابح وكهنة يعظمون من شأنهم، ويقيمون لهم المآدب والأعياد الحافلة، ويقدمون لهم ضحايا بشرية، ويتركون عبادة الله أحسن الخالقين، ربهم ورب آبائهم الأولين، فكذبه قومه فقال الله: (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) في العذاب، إلا من آمن به واتبعه، وجعل الله له ذكرًا في الأمم التالية، وسيجازيه الله أحسن الجزاء لأنه من المحسنين، وأنه من عباد الله المؤمنين، وهو على هذا القول إلياس غير إدريس ، عليهما السلام .

وأما ما جاء في وصفه فقد روى الحاكم في المستدرك عن سَمُرة بن جندب قال: كان إدريس أبيض طويلاً، ضخم البطن، عريض الصدر، قليل شعر الجسد كثير شعر الرأس، وكانت في صدره نكتة بيضاء من غير برص، فلما حصل من أهل الأرض الفجور والاعتداء في أمر الله رفعه الله إلى السماء ، ويروى أن نبي الله إدريس عليه السلام كان خياطًا، فكان لا يغرز إبرة إلا قال: سبحان الله ، فكان يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحد أفضل منه عملاً، وذكر بعض العلماء أن زمن إدريس كان قبل نوح عليه السلام والبعض الآخر ذكر أنه جاء بعده ، وقد ورى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم قال :”يا أيا ذر أربعة سُريانيون: آدم وشيثٌ وأخَنوخُُ وهو إدريس وهو أوّل من خطّ بالقلم، ونوحٌ”.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *