Share Button

بقلم / محمـــــد الدكـــرورى

لماذا لم نرضى بما قسمه الله لنا ؟؟ ولماذا الغل والحقد والحسد والكراهيه ؟؟ ولما ننظر فى ما ليس لنا ؟؟ ولما لا نحمد الله عز وجل على نعمه الكثيره التى لا تعد ولا تحصلى ألم نتذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم “إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخِط فله السَّخَط” فلماذا لا نرضى ؟؟

وليس معنى الرضا هو الاستسلام، لأن الاستسلام هو الانهزام وعدم بذل الجهد لتحقيق الهدف، أما الرضا فهو استفراغك الوسع في تحقيق الهدف، لكن لم توفق إليه، فترضى بما قسم الله لك من غير جزع، أو ضجر، أو سخط، كالذي تزوج ولم يرزق الولد، والذي أصيب بمرض لم يستطع دفعه، والذي ابتلاه الله بالفقر وضيق ذات اليد، فاجتهد في تحصيل الغنى فلم يوفق ومن هنا يأتي التحلي بصفة الرضا بما كتبه الله وقدره، فتحيل القلب إلى سرور دائم، وتشعر النفس بنعيم مقيم.

ولنعلم أن الأرزاق بيد الله مقسومة، ومقاديرَها عند الله معلومة محسومة، وأن الفقر قد يكون أفضل لك من الغنى فقد قيل “فمن عباده من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغناه لفسد عليه دينه، ومنهم من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقره لفسد عليه دينه ، فمهما قسمه لك من ذلك فكن به راضيا مطمئنا، لا ساخطا ولا متلونا، فإنه جل شأنه أشفق من الوالدة على ولدها”.

ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله تعالى يُعطي المال من أحب ومن لا يُحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب”

وإن الأرزاق مكفولة، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، فكيف يبتغي بعض الناس الزيادة بالطرق الحرام، أو بالاعتداء على الأبرياء بسرقة أموالهم، أو التحايل على ما في أيديهم، أو ظلمهم والاعتداء عليهم، أو إشهار السلاح في وجوههم، أو قَطْع طريقهم، مما أصبحنا نسمع به في الصباح والمساء؟ ويقول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم “ولا يحملن أحدَكم، استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله سبحانه لا ينال ما عنده إلا بطاعته”

اوهناك لوصية العظيمة: “وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ” ومعناها أن اقنع بما أعطاك الله، واجعله حظك من الرزق تكن أغنى الناس ،إذاً ليس حقيقةُ الغنى كثرة المال؛ لأن كثيراً ممن وسّع الله عليه في المال لا يَقْنعُ بما أوتي، فهو يجتهد في الازدياد، ولا يبالي من أين يأتيه، فكأنه فقير لشدة حرصه.

وإنما الغنى غنى النفس، والمتصف بغنى النفس يكون قانعا بما رزقه الله، لا يحرص على الازدياد لغير حاجة، ولا يُلحُ في الطلب، ولا يُلْحفُ في السؤال، بل يرضى بما قَسَم الله له فكأنه واجدٌ أبدا ، والمتصف بفقر النفس على الضد منه، لكونه لا يقنع بما أُعطي، بل هو أبداً في طلب الازدياد من أيِّ وجهٍ أمكنه ،ثم إذا فاته المطلوبُ حَزِنَ وأسِف، فكأنه فقير من المال؛ لأنه لم يَسْتَغْن بما أُعطِي، فكأنه ليس بغني.

وأيضا معنى “ارض بما قسم اللهُ لك تَكُنْ أغنى الناسِ” أى ارضْ بأهلِك، بدخْلِك، بمرْكبِك، بأبنائِك، بوظيفتِك، تصبحْ من أغنى الناس، تجدْ السعادة والطمأنينة؛ فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة أن النبي الكريم عليه الصلاة السلام قال: “لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ”، وقوله صلى الله عليه وسلم “الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ” أي لا يكون للنفس طمع إلى ما في أيدي الناس.

ويقال أن “الغَنِيُّ هو القنوع” ويقال أيضا “خير الغنى القناعة، وشرُّ الفقر الضَّراعة”.

وقد فسر بعضهم الحياة الطيبة في قوله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة النحل .

وقيل أن (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) قيل هى “القناعة” ،لذا قيل: “القناعة كنز لا يفنى”؛ لأنها تنشأ من غنى القلب بقوة الإيمان، ومزيد الإيقان، ومن قنع أُمد بالبركة. فليس الغنى بكثرةِ متاع الدنيا ولا بالأموالِ وبالمنصبِ، لكنَّ بالرضا بما قَسَمَ الله.

وفي الحديثِ الصحيحِ: “إنَّ الله يحبُّ العبد الغنيَّ التقيَّ الخفيَّ” والغنى هنا، غنى القلب؛ لما ثبت في حديثِ آخر أنه قال صلى الله عليه وسلم: “اللهمَّ اجعلْ غناه في قلبِهِ” ، “فارض بما قسم لك الله تكن أغنى الناس” وتذكر قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ، مُعَافىً فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا” .رواه الترمذي

فارض بما قسم لك الله تكن أغنى الناس” وتذكر قول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم-“قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ” . رواه ابن ماجه . وقد أمر الله بذلك فقال لرسوله الكريم: (وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) سورة طه .

فإذا رأيت من هو أكثر منك مالا وولدا، فاعلم أن هناك من أنت أكثر منه مالا وولدا، فانظر إلى من أنت فوقه، ولا تنظر إلى من هو فوقك، فإلى هذا أرشدك المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال “انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم”.رواه مسلم

وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أيضا “إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ ممن فضِّل عليه” ..رواه البخاري. وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم من كان فقيرا قانعا بأنه من المفلحين، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “قد أفلح من هدي للإسلام، وكان رزقه كفافا، وقنع به” رواه مسلم

كما أنه صلى الله عليه وسلم بين أن القناعة سبب من أسباب كثرة الشكر؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قنعا تكن أشكر الناس” ولكن لماذا تكون أغنى الناس إذا رضيت بما قسم الله لك؟

السبب أن من قَنَعَ استغنى عن كل شيء، فليس الغنى بكثرة المال، ولا بكثرة الولد، ولا بكثرة الجاه. لكن الغنى غنى النفس، والقناعةُ غنى وعزٌ بالله، وعدم القناعة فقر وذل للغير، ومن لم يقنع لم يشبع أبداً؛ ففي القناعة العز والغنى والحرية، وفي فقدها الذل والتعبد للغير، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم “تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِي، وَإِنْ مُنِعَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثُ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٌ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي السِّيَاقَةِ كَانَ فِي السِّيَاقَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفِعَ لَمْ يُشَفَّعْ، طُوبَى لَهُ ثُمَّ طُوبَى لَهُ” ..رَوَاهُ الْبُخَارِي.

فعلى الإنسان أن يرضى بما قسم الله له، وينبغي على كل عاقل أن يعلم أن الرزق مقدر من عند الله، ليس مكتسبا بعلم ولا بعقل، قال بعض الحكماء: “لو جَرَتْ الأرزاق على قدر العقول لم تعش البهائم” فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ” يقول العبد مالي ، مالي ، و إنما له من ماله ثلاث : ما أكل فأفنى، ولبس فأبلى وعملى فأبقى.

فإذا رأيت من هو أكثر منك مالا ، أو ولدا فاعلم أن هناك من أنت أكثر منه مالا ، وولدا أيضا ، فانظر إلى من أنت فوقه، و لا تنظر إلى من هو فوقك فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ” انظروا إلى من هو أسفل منكم, و لا تنظروا إلى من هو فوقكم, فهو أجدر أن تزدروا نعمة الله عليكم “ وإن تحقيق صفة الرضا يقتضي أن تنظر في أحوال الناس الآخرين لتعلم مقدار نعم الله عليك التي قد يحسدك عليها الملايين من البشر ..

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *