Share Button

أثر الديانات الوضعية والنهوج التأويليّة في اجتراءات المورمونيّة

بقلم : د. عصمت نصار

لا غرو في أن أنبياء المورمونية المعاصرين قد استفادوا من الحركات الإصلاحية والملل العقدية اليهودية المستحدثة مثل “الأدفنتست” (السبتيين) و”شهود يهوه” اللتين ذاعت أخبارهما في الربع الأخير من القرن التاسع عشر بأميركا؛ فجميعهم قد اتفق على جحد التراث العقدي ونقده والتشكيك في سلامة نصوصه، وقدرة أنبياء الملل الثلاث على تجديد شريعة الرب، وإزالة ما أفسده الأولون من اللاهوتيين الذين قادتهم أهوائهم على التجديف والدس والانتحال. وقد اتفق أيضاً أنبياء المورمون والسبتيين وشهود يهوه على أن الرب قد منحهم القدرة على تأويل الوحي على نحو يتفق مع ثقافة العصر واحتياجات الواقع الإنساني وما انتهى إليه العقل البشري من علوم ونظم ثقافات وقيم تحقق السعادة لمن يؤمن بالبشارة الجديدة التي خَصَّ بها الرب سكان الكرة الأرضية في الغرب – ليعلموا الأجيال المُقبلة حتى قيام الساعة – والمتمثلة في أصول المدنية في العلم والاستنارة.

وجميعهم قد اتفق أيضاً على النهاية الدرامية للعالم حيث القوة والعنف وإسالة دماء الخصوم الذين لم يؤمنوا بتعاليم الصهيونية المقدّسة. وحريٌّ بنا الإشارة في عجالة للأثر الصهيوني على الديانات الأمريكية المعاصرة وعلى رأسها المورمونيّة.

ــ الدعوة الصهيونية:

لم تعتنق المورمونية عقيدة شعب الله المختار اليهودية لتميز بين الساميين والآريين؛ بل تجاوزت ذلك إذ أمنت بأن الرب قد نسخ شريعته ورفع من قدر المؤمنين بالتعاليم الصهيونية التي دعا إليها رُسل المورمونية فهم وحدهم دون سائر البشر الذين سوف ينعمون بالخلاص والبركة والسعادة في الملكوت الأعلى وسوف تُكتب لهم العزة بعد أن يتم خلاصهم بهزيمة أعدائهم على يد جنود الرب وقيادة يسوع لجيوش الصهاينة الذين سوف ينطلقون من أورشليم وذلك استناداً على ما جاء في سفر المورمون الإصحاح العاشر (31) (فأستيقظي وانتفضي من الثرى يا أورشليم، نعم، وألبسي حللك الجميلة، يا ابنة صهيون)، كما جاء في الإصحاح الرابع عشر (6) (لا تعطوا القوس للكلاب ولا تطرحوا دوركم قدّام الخنازير؛ لئلاً تدوسها بأرجلها وتلتفت لتمزّقكم … إنه ستكون هناك عاصمتان في العالم: الأولى في أورشليم, والثانية في أميركا؛ لأن صهيون تخرج من الشريعة, ومن أورشليم تخرج كلمة الرب).

كما تشير العديد من الدراسات المعاصرة على ذلك التقارب الأيدلوجي الذي جمع بين الطائفة البروتستانتية والثقافة اليهودية الصهيونية في المجتمع الأمريكي منذ منتصف القرن التاسع عشر. ومن مظاهر ذلك التآلف، اهتمام عوام المثقفين وجل خواص الأكاديميين لدراسة اللغة العبرية وآدابها والفكر السياسي الصهيوني، وأدبيات شعب الله المختار، وأخبار يوم القيامة وعودة يسوع في نهاية الزمان. ويستشهد سمير مرقص في كتابه “الأصولية البروتستانتية والسياسة الخارجية الأمريكية” بتأثر نبي المورمون ومن بعده رجل الأعمال الأمريكي القس وليم بلاكستون (1841-1935م) الذي قاد الدعوة الصهيونية لإعادة اليهود إلى فلسطين واتخاذ القدس مركزاً لهم وذلك انطلاقاً من معتقده المورموني بأن جيش الخلاص سوف ينطلق من القدس في المستقبل،

ومن ثم كان لزاماً عليه استمالة المسيحيين الأمريكان إلى زعم الحق اليهودي في إنشاء دولة لبني إسرائيل، وقد عبر كتابه (عيسى قادم – 1878م) عن تلك الأفكار، فأسس منظمة (البعثة العبرية من أجل إسرائيل) في شيكاغو وهي لم تزل مستمرة في مهمتها حتى اليوم باسم جديد هو (الزمالة اليسوعية الأمريكية) والتي تعد قلب جهاز الضغط الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد شارك هرتزل (1860-1904م) في انتقاء النصوص التوراتية التي يجب التعويل عليها في دعوتهما الاستيطانية وتكوين جماعات أمريكية تروج للفكر الصهيوني المسيحي، وتوجّت هذه الجهود بوعد بلفور عام 1917م.

وتضيف الكتابات التاريخية بعض مظاهر تلك العلاقة التي ربطت بين المورمونيين البروتستانت والصهاينة موضحة أنه ليس هناك مجالاً للشك في أن حركة التهود التي طالت الاتجاهات الأصولية المسيحية – إلى درجة اقتباس بعض النصوص التوراتية وتوظيفها في رسومات وشعارات أمريكية تفيد وحدة التراث المسيحي اليهودي المشترك وما يتبعها من أخلاقيات وسياسات ليبرالية براجماتية والخلاص الفردي وتفعيل ما يسمى بالإنجيل الاجتماعي- لا يمكن إنكارها ودورها في الفكر السياسي الأمريكي.

وفي عام 1942م تأسست (الرابطة الوطنية للإنجيليين). وفي عام 1990 أضحى اليمين المسيحي المفعم بالتعاليم الصهيونية المحرك الأول للسياسة الأمريكية.

ونستنبط من ذلك كله أن المورمونيين قد لعبوا دوراً مهماً جنباً إلى جنب مع الديانات اليهودية الإنجيلية المعاصرة لتحقيق ما جاء في كتاب المورمون وأقوال “سميث” ومزاعم “هرتزل”.

وتكشف قراءتنا لأصول العقيدة المورمونية عن عدة حقائق :

 ــ أولها: أن المورمونية ديانة وضعية ذات منحى أيديولوجي راديكالي ووجهة صهيونية شيفونية تسعى إلى نقد دونها من الديانات والملل والمذاهب، وتجعل إنجيل المورمون هو الشريعة الحقة والكتاب المقدس الناسخ لكل الشرائع والضامن الأوحد للنعيم والسعادة للبشر في الدنيا والآخرة.

ــ وثانيها: أن بنية الأفكار والمعتقدات المورمونية مُنتحلة ومُلفقة بتأثير من الفلسفات الشرقية، وعلى رأسها الفلسفة الرواقية، والكتابات الهرمسية والشيفونية الغربية، وشطحات الربانيين والتلموديين والحسيديين من اليهود، وفرقة القبالة الباطنيّة الحلوليّة المؤصلة لقضية نسخ الشريعة على يد الأنبياء المحدثين وبروتوكولات حكماء صهيون، وذلك كله تحت مظلة الماسونية المنتحلة لمعظم الفلسفات المعاصرة.

ــ وثالثها: أن سياستها في التبشير تنحو منحى براجماتي في إقناع الشباب على وجه الخصوص بأرض الميعاد الجديدة المتمثلة في المدنية الأمريكية حيث التقدّم العلمي والتكنولوجي والرقي والرخاء والحرية ونعمة الرب والإخلاص في طاعة يسوع والنعيم المنتظر في أورشليم التي سوف تشهد الخلاص النوراني القاهر لأعداء الصهيونية في حرب آخر الزمان التي سوف يُسحق فيها الشيطان وزبانيته.

ــ ورابعها: ادّعاء المورموني أن من اعتنق الديانة المورمونية سوف يتحرّر من جميع الشرائع والمعتقدات السابقة؛ فالخلاص المورموني الذي يتم بالعمادة يغفر كل ما سبق ويخلص العقل والقلب من كل العوائق التي تحول بين المورموني وما يحقق له السعادة والهناء والأمن والطمأنينة في كنف المجتمع الصهيوني الجديد.

ــ وخامسها: أن العقدية المورمونية قد ابتدعها المفكرون الصهاينة المتأخرون لفض النزاع القائم بين اليمينين اليهود المتعصبين للقديم والحداثيين العلمانيين الغربيين الأمريكان والروس والأوروبيين على وجه الخصوص، وذلك منذ القرن 19م، وقد ساهم التيار الإصلاحي الصهيوني المتمثل في حاخامات الألمان في تشكيل بنية المورمونية الجديدة للربط بين السياسة والدين في البرنامج التثقيفي للمورمونية، حتى يتمكن يهود العالم من وضع قومية معاصرة خاصة بهم من جهة، والتأليف بين الإنجيليين المسيحيين والعلمانيين في شتى بقاع الأرض من جهة أخرى، والقضاء على كل الأصوليات الدينية باسم وحدة الأديان أو فلسفة ما بعد الدين أو إحياء الديانة الإبراهيمية كما بيّنا فيما سلف.

والجديرُ بالإشارة أنّ التيار الصهيوني الماسوني قد وجد في العقيدة المورمونية إحدى الآليات لفض النزاع الذي شب بين اليهود اليمينين والعلمانيين الليبراليين في القدس منذ عام 1939م. وقد روج الاتجاه الصهيوني في ألمانيا وبولندا للأفكار التي توحد بين الزعامة الصهيونية والكتابات المقدّسة التي تتنزل على التلموديين من قبل الرب؛ وذلك لإقناع الإسرائيليين بقومية جامعة بين الدين والسياسة في سياق علمي معاصر.

وخليقٌ بنا التنبيه على وجود أوراق خفية وتعاليم مشفرة وأهداف غير معلنة لهذا التحالف الأمريكي البروتستانتي الصهيوني الذي يسعى لقيادة العالم تارة عن طريق الاقتصاد، وتارة أخرى عن طريق تفكيك المجتمعات اجتماعياً وأخلاقياً وسياسياً، وذلك كله لخدمة الصراع المنتظر قبيل يوم القيامة انطلاقاً من دائرتين مركزيتين أولهما القدس والأخرى من نيويورك.

ــ أشهر الديانات الأمريكية المناصرة للمورمونية :

تعد ديانتي الأدفنتست وشهود يهوا من أهم الديانات الصهيوماسونية ذات الأثر الأكبر على المورمونيّة المعاصرة من جهة، والمشروعات الفلسفية التي تدعو لوحدة الأديان أو نسخها في دين واحد أو ابتداع العديد من المصطلحات الميتافيزيقية مثل عولمية الأديان، وما بعد الحداثة الروحية، وفلسفة النبوة، والتأويل التفكيكي للنصوص المقدّسة واللاهوت النسوي.

ـــ السبتيون:

فقد ظهر السبتيون عام 1844م على يد الأميركي وليم ميللر(1782-1849م) أي عقب ظهور كتاب المورمون بإحدى عشر عاماً، وكانت أشهر عقائدهم وأهمها على الإطلاق هو إيمانهم بالعود الثاني والخلاص الأخير. والحرب الفاصلة بين شعب الله المختار الذي يمثله السبتيون بقيادة يسوع ضد أبناء الأفاعي من الأغيار الذين لن يؤمنوا بعقيدتهم الجديدة من سائر الأمم.

وقد تميزت التعاليم المورمونية بالمرونة وعدم القطع في المسائل التي يمكن الشك أن يتسرب إليها وتحاشت كذلك التصريح بأحداث مستقبلية غيبية يصعب التنبؤ بها وعلى رأسها تحديد موعد يوم القيامة والصراع الأخير. في حين أن أنبياء “الأدفنتست” قد وقوعوا في هذا الخطأ مراراً؛ الأمر الذي دفعهم إلى انتحال الأكاذيب واختراق الأحداث, فقد صرح أحد لا هوتيهم ويدعى “حيرام إدسون” (1806-1882م) : أنّ المسيح قد هبط بالفعل من السماء إلى القدس عام 1844م، وانشغل بإكمال بعض الأعمال قبل المجيء إلى الأرض, سوف يقرّر موعد بدء الحرب عند الانتهاء ممّا يشغله”. ولم تقف الحكايات عند هذا الحد؛ بل جاءت العرافة الشابة “ألن هرمون” (1827-1915م)؛ لتخبر الجميع أن المسيح قد هبط في هيئة غير مرئية وبارك يوم السبت وجعله يوم الحسم بين الخير والشر دون أن يصرح بزمن قدومه وبداية الحرب. وقد صرحت أيضاً بأن الرب قد اصطفاها وأنعم عليها بالنبوة والعصمة والتنبؤ بالغيب؛ الأمر الذي جعل كل السبتيين يبجلونها ويرفعون قدرها لدرجة القداسة واعتبروا أقولها مؤيدة وناسخة للكتابات المقدّسة السابقة عليها. ولا تتفق عقدية “الأدفنتست” مع المورمونين في قداسة النبي ونسخ قانون الإيمان والمجيء الثاني للمسيح فحسب؛ بل تتفق معها أيضاً في أن كنيستيهما لم تخل من التدليس ودس الكهنة والكذب على الرب والتجديف. أمّا قضية الخلاص والسعادة الأبدية فللسبتيين رؤية مُخالفة أيضاً لكل الطوائف اليهودية والمسيحية بوجهٍ عام والمورمونية بوجهٍ خاص، ويتمثل ذلك في اعتقادهم بأن الخلاص الأبدي يمر بثلاث درجات : بدأت الأولى عام 1844م وتختص بمحاكمة جميع البشر (للفصل بين الأخيار والأشرار) ومازالت منعقدة جلساتها حتى الآن وتسمى بالدينونة التحقيقية. أمّا الدرجة الثانية فتختص بمحاكمة القديسين وأخذ آراؤهم أو شفاعتهم في الساقطين والعصاة من الإنس والملائكة والجن والشياطين.

أمّا الثالثة والأخيرة؛ فلا حكم فيها إلا للمسيح؛ ليفصل في الأحكام السابقة في الجلستين السابقتين ويصدر الحكم الأخير بالسعادة الأبدية على الأخيار والجحيم الأبدي على العصاة والأشرار وتسمى بالدينونة التنفيذية.

وللحديث بقيّة

بقلم : د. عصمت نّصار

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *