Share Button

بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى
الطمع وما أدراك ما الطمع ، هل ما نراه اليوم فى زماننا الذى نعيش فيه من طمع وجشع بين الناس ، هل كل هذا يرضى الله ورسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟؟ وقد نهانا الله عز وجل عن الطمع وقد حثنا النبى الكريم فى احاديثه الشريفه عن الابتعاد عن الطمع فقد روى أبو موسى، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “من أحب دنياه، أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما بقى على ما يفنى” …

وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز في ذم الدنيا كتاباً طويلاً فيه: أما بعد فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار مقام، وإنما أنزل إليها آدم عقوبة، فاحذرها يا أمير المؤمنين، فإن الزاد منها تركها، والغنى فيها فقرها، تذل من أعزها، وتفقر من جمعها، كالسم يأكله من لا يعرفها وهو حتفه، فاحذر هذه الدار الغرورة الخيالة الخادعة، وكن آثر ما تكون فيها، أحذر ما تكون لها، سرورها مشوب بالحزن، وصفوها مشوب بالكدر، فلو كان الخالق لم يخبر عنه خبراً، ولم يضرب له مثلاً لكانت قد أيقظت النائم، ونبهت الغافل، فكيف وقد جاء من الله عز وجل وعنه زاجر، وفيها واعظ، فما لها عند الله سبحانه قدر ولا وزن، وما نظر إليها منذ خلقها.

ولقد عرضت على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مفاتيحها وخزائنها، لا ينقصها عند الله جناح بعوضة، فأبى أن يقبلها، وكره أن يحب ما أبغض خالقه، أو يرفع ما وضع مليكه، زواها الله عن الصالحين اختياراً، وبسطها لأعدائه اغتراراً، أفيظن المغرور بها المقتدر عليها أنه أكرم بها؟ ونسى ما صنع الله بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم حين شد على بطنه الحجر، والله ما أحد من الناس بسط له في الدنيا، فلم يخف أن يكون قد مكر به، إلا كان قد نقص عقله، وعجز رأيه وما امسك عن عبد فلم يظن أنه قد خير له فيها، إلا كان قد نقص عقله وعجز رأيه.

فاتقوا السحارة، فإنها تسحر قلوب العلماء، يعنى الدنيا والناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا، والمعنى أنهم ينتبهون بالموت وليس في أيديهم شيء مما ركنوا إليه وفرحوا به، قيل: إن عيسى عليه السلام رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كل زينة ، فقال لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحصيهم. قال: فكلهم مات عنك أو كلهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلت، فقال عيسى عليه السلام: بؤساً لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين، كيف تهلكينهم واحداً بعد واحد، ولا يكونون منك على حذر…

وروى ابن عباس رضي الله عنه قال: يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية، مشوه خلقها، فتشرف على الخلق، فيقال: هل تعرفون هذه؟ فيقولون نعوذ بالله من معرفة هذه ، فيقال: هذه الدنيا التي تشاجرتم عليها وبها تقاطعتم الأرحام، وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم، ثم تقذف في جهنم، فتنادى: يا رب أين أتباعي وأشياعي؟ فيقول: ألحقوا بها أتباعها وأشياعها…

أن الطمع خلقٌ دنيء سيء مُدَنسٌ صاحبه، نعم؛ لم؟ لأن الطمع ينشأ من الحرص على هذه الدنيا، وينشأ من الجهل بحكمة الله سبحانه الخالق المتفضل الرزاق الوَّهاب المنعم، فمن طمع فإنه جهل حكمة الله عز وجل إذ قدَّر المقادير، فلا يزيده حرصه هذا إلا شرا.

والطمع لا يُحمد بتاتا، إلا إذا كان في حق الله سبحانه بمعنى أن المخلوق يطمع فيما عند الله، ويؤمِّل فيما عند الله، فيكون بهذا الاعتبار محمودا، وقال نبى الله إبراهيم عليه السلام ” وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ” وعبادُ اللهِ الذين يقومون الليل ” تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ” طمعا فيما عند الله سبحانه وتعالى .

أما إذا كان الطمع في هذه الدنيا ومن أجل الدنيا لأموالها ومناصبها وشرفها فإنه يكون مذموماً، وهذا لا يتعارض مع السعي في الرزق، كلا! إنما المقصود أن من وجد ما يكفيه وزيادة، فإنه لا يقتصر على ما لديه بل يطمع ويحرص على أن يتناول أكثر منه .

ويقول شيخ الإسلام “العبودية في الحقيقة هي رق القلب، فما استرق قلبك واستعبده فهو عبده”، نعم، استرق القلبَ المالُ فأنت عبد لهذا المال، استرق قلبَك الشهوةُ أنت عبد لهذه الشهوة، استرق قلبك اللهُ سبحانه وتعالى فأنت عبدٌ لله سبحانه ..

فالعبد لا بد له من رزق وهو محتاج إليه، فإذا طلب رزقه من الله كان عبدا لله، فقيرا إلى الله، وإن طلب الرزق من المخلوق كان عبدا لذلك المخلوق، فقيرا إليه” ، والطمع قد يضيع العلم الشرعي من عالمه، الطمع قد يضيع المال الحلال من التاجر بسبب طمعه إذا خلطه بالحرام، الموظف قد يضيع وظيفته من أجل الطمع، ذو المهنة الشريفة التي لها مبادئ من طب أو هندسة أو نحو ذلك، قد يضيع عمله من أجل طمع ..

فالواجب علينا أن نَنفر وأن نُنفّر من الطمع، فالناس بحاجة ماسة إلى التنفير من هذا الخلق، لأن الطمع لابد أن يودي بصحابه إلى أن يخون، يخون في علمه الشرعي، يخون في طبه، في هندسته، في وظيفته، في تعامله مع الآخرين، نعم، وإذا خان، فالنار مأوىً له، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “أهل النار خمسة”، فذكر منها: “والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق شيء إلا خانه”.

ولذلك؛ استعاذ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من الطمع ومن توابعه ومن نتائجه، فقال “وأعوذ بك من نفس لا تشبع”، النفس إذا لم تشبع فلا تسأل عن هلاكها! نعم، ما نحن فيه من غلاء، هو الطمع، الغلاء في المأكولات والمشروبات سببه الغلاء من بعض التجار، نقصان الميزان والمكيال، حتى أصبح الكيس ينقص عن قدره الأول ويبقى على سعره الزائد بسبب الطمع ..

ولكن، كما قيل: “الطمع يُذهب ما جمع”، “دوام الحال من المحال”، فلا يمكن أن تدوم هذه الأحوال أبدا، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه، فعن ابن عمر أنه قال: “كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: يا رسول الله، أعطه من هو أفقر مني، فقلت له ذات يوم لما أعطاني: أعطه أفقر مني، فقال عليه الصلاة والسلام: يا عمر، ما أتاك من هذا المال وأنت غير مشرف يعني: من غير تطلع ولا سؤال فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك”، نعم، لأن النفس إذا ما رُبيت على القناعة والاقتصاد والاقتصار فإنها لا تشبع .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لو أن لابن آدم ملء وادٍ مالا لأحب أن له مثله، ولا يملأ عيني ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب”.

وتنشأ على صفة القناعة تقنع بينما لو تربيت على الطمع والجشع منذ الصغر واستمرت معك هذه الخصلة الذميمة، فإنها تزداد أكثر فأكثر، لم؟ لأن ابن آدم كلما كبر كلما تعلق بهذه الدنيا إلا من وفقه الله سبحانه ويقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه “لا يزال قلب الكبير شابا في حُب اثنتين: في حب الدنيا، وطول الأمل” وقال ايضا “يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر”…

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *