Share Button
بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى
الأيام تمر كما أن العمر سيمر وينقضى فكنا بالأمس القريب نهنئ بعضنا، ونبارك لبعضنا دخول هذا الشهر العظيم، وها نحن اليوم على مشارف وداعه، فسبحان مُصرفِ الشهور والأعوام، سبحان مدبر الليالي والأيام، سبحان الذي كتب الفناء والموت على كل شيء وهو الحي القيوم الدائم الذي لا يموت.  

فوالله إن قلوب الصالحين إلى هذا الشهر تحن، ومن ألم فراقه تئن، وكيف لا وقد نزلت فيه رحمة رب العالمين؟ كيف لا تتألم قلوب المحبين على فراقه وهم لا يعلمون هل يعيشون حتى يحضرونه مرة أخرى أم لا؟!

وإن القلوب لتحزن عند فراق هذا الشهر الكريم، شهرِ الصيام والقيام، شهرِ المحبة والألفة، شهرِ الرحمة والغفران، شهرِ البركة وانشراح الصدور، شهرِ رفع أكف الضراعة إلى الله، شهر العبرات والبكاء من خشية الله، فكم من مُعرض عن الله، عاد في هذا الشهر، وكم من إنسان مستوجبٍ دخول النار أعتقه الله من دركاتها.

فهذا رمضانُ دنا وأُعلن رحيلُه، فما أسعد نفوس الفائزين، وما ألذ عيش المقبولين.. هذا رمضانُ دنا رحيلُه، فهنيئا لمن أحسن استقباله وهنيئا لمن قام ليله وصام نهاره، هنيئا لمن أقبل فيه على الله بقلبه وجوارحه، هنيئا لمن تقرب إلى الله فيه بأعمال صالحة، وكف النفس عن سيئات قبيحة..

وهنيئا لمن زَكت في هذا الشهر نفسُه، ورقَّ فيه قلبُه، وتهذَّبت فيه أخلاقُه، وعظُمَت فيه للخير رغبتُه، هنيئا لمن كان رمضانُ عنوانَ توبتِه، وساعةَ عودتِه واستقامتِه، هنيئًا لمن عفا عنه العفوُّ الكريم، وصفَحَ عنه الغفورُ الرحيم، هنيئًا لمن أُعتِقت رقبتُه وفُكَّ أَسرُه، وفاز بالجنة وزُحزِح عن النار، جعلنا الله جميعا منهم.

فرمضان هذه السنة قد تهيأ للرحيل، فلم يبق منه إلا القليل.
ولا بد من هذا السؤال، ماذا يجب علينا بعد رمضان؟

النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم قد أجاب كلَّ سائلٍ طالبٍ للعلاج الناجع والدواء النافع، فقال: (قل آمنت بالله ثم استقم).

كلمتان اثنتان: إيمان بالله جل وعلا، واستقامة على هذا الخط الواضح البين، وهذا هو طريق النجاة، هذا هو طريق الفوز في الدنيا والآخرة.

النبي صلى الله عليه وسلم يضع منهاجا متكاملا واضحا قاعدته العظمى التي يرتكز عليها، الإيمان بالله: (قل آمنت بالله)، الاعتقاد الجازم بأن الله سبحانه وحده يستحق أن يُفرد بالعبادة: من صلاة وصيام….

العنصر الأساسي الذي يغير من سلوك الشخص وأهدافه وتطلعاته، هو الإيمان بالله، وهو الباعث للهمة والمُقوي للإدراك.

فبالإيمان يحيا الإنسان ويولَدُ وِلادة جديدة، ويقذف الله في روحه من أنوار هدايته فبعد أن كان خاوي الروح، ميت القلب، إذا بنور الإيمان يملأ جنبات روحه فيُشرق القلب إشراقاً وتعلو الروح علوًّا.

الإنسان كلما ذاق حلاوة الإيمان، وتمكنت جذوره في قلبه، استطاع أن يَثبت على الطريق المستقيم، ويواصل المسير حتى يلقى ربَّه وهو راض عنه، لذلك النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: (قل آمنت بالله… ثم استقم).

ومعنى الاستقامة أن تستقيم على الطاعة أن تستقيم في العبادة أن تستقيم في المعاملة، في الأخلاق في السلوك، أن تستقيم قلبا وقالبا، قولا وعملا، وأن تستقيم منهجا وطريقة وغاية على شرع الله جملة وتفصيلا. (قل آمنت بالله ثم استقم)، استقم في بيتك، استقم في عملك، في سفرك، استقم في يسرك وعسرك، في صحتك ومرضك، في حِلِّك وترحالك، في قوَّتك وضعفك، في غناك وفقرك.

استقم، ليس في المسجد فقط، وليس اليوم وليس في رمضان فقط، وإنَّما في كلِّ مكانٍ تطأه بقدمك، وفي كل زمان تحياه فيه بروحك.

استقم على أمرِ الله وعلى طاعة الله في رمضان وفي سائر شهور العام، بل كما قال ربك: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ الحجر.

ولنعلم جميعا ان رب العزة جل جلاله خلقنا للعبادة الدائمة المستمرة لا للعبادة الموسمية المتقطعة فإذا كنا معاشر الصائمين والصائمات سنودع رمضان، فعلينا أن لا نودع العبادة، ولا نودع الطاعة، أن لا نودع المساجد – الصلاة – القرآن…

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *