Share Button

 

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

نعيش فى الدنيا التى خلقها الله عز وجل لنا وأنعم علينا فيها بالنعم وإن من نعم الله علينا وعلى الإنسانية إرسال نبينا محمدٍ صلي الله عليه وسلم بالحنيفية السمحاء رحمة للعالمين، وهذه الرحمة ذات صور من الود والتسامح والعفو والتناصح تضافرت نصوصها من القرآن والسنة، وتجسدت في تعامل المسلمين الأوائل مع المسلمين وغيرهم فقد اجتمعت الأقوال والأفعال فإذا بقاموس يشتمل على جميع مفردات السماحة يتحرك في شتّى نواحي الحياة.

وجاءت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم مُعلنةً التيسير في كلِّ وجهٍ من وجوهها، وقد تكررت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التيسير من خلال أحاديثه الشريفة إلى التيسير؛ بل تجد مشاهير الصحابة من المُحدِّثين يرون أحاديث التيسير؛ كجابر وأبي هريرة ومعاذ وأبي موسى وأنسٍ وعائشة رضي الله عنهم أجمعين.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إِنَّ اللَّهَ لم يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، ولا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا” .. رواه مسلم.

وجاءت رسالته صلى الله عليه وسلم سهلةً ومُيسَّرة في جميع أحكامها وأحوالها، ولم يُصبها ما أصاب الرسالات السابقة من الآصال والأغلال المفروضة عليهم؛ بسبب ظلم كثيرٍ من أتباعها، وجحودهم، وتلكُّئهم عن الاستجابة لأنبيائهم، فعاقبهم الله تعالى بالتشديد عليهم في كثير من التشريعات، فأصبحت شاقَّة وثقيلة ..

والنَّاظِرُ في نصوص الشريعة الإسلامية، المتتبِّع لأحكامها ومقاصدها لا يعتريه رَيْبٌ أنها إنما وُضِعَتْ لمصالح العباد وتحقيق الخير لهم، ودَفْعِ الضَّرر ورفع الحرج عنهم في دينهم ودنياهم، ومع أنها تَتَّسِمُ بالجزالة في اللفظ، والدِّقة في التعبير، والوُضُوح في الفِكْرَة، واليُسْرِ في فَهْم المعنى، إلا أنه لا تعقيد في ألفاظها، ولا مُعَمَّيَات في معانيها، ولا إيهام في مقاصدها، بل كلما تعمق المرء في فهمها وإدراك مآلاتها ومقاصدها افعوعمت بصيرته بالحقيقة الخالصة والجحجحة الشاخصة الخصيصةَ المشرقةَ التي تميز الإسلام وتوشيه أكاليل الفَلَاح والصلاح، إنها خصيصة اليسر والسماحة.

ولقد شرع الله سبحانه الإسلام رَحْمَةً بالبشرية ورأفةً بها؛ لا تَعْتَاصُ أحكامُه على العِبَاد، بل رَاعَى فيه ما تقتضيه النفوسُ، وما جُبِل عليه الخَلْق البسوس، ورَفَعَ عنهم الإصْرَ والحَرَج، قال جل شأنه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ..

فالإسلام دين السَّعَةِ والسَّمَاحة واليُّسْرِ والسهولة، والوسط والاعتدال، وإن من القواعد المقررة عند علماء الشريعة: أن الأصل في الأشياء والأعيان الإباحة، فكل ما في هذه الأرض مُبَاحٌ للإنسان أن يتناوله أكلًا وشُرْبًا وتصرفًا، إلا ما جاء النصُّ بتحريمه لخُبْثه أو ضرره، والمستقرئ لأحكام التشريع يجد أن المحرمات قليلةٌ جِدًّا بالنسبة للمباحات، والإسلام حينما حرَّم ذلك لم يحرِّمه عَبَثًا بل حرَّمَه لضرورة، فقال تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) سورة الْأَعْرَافِ .

ورغم ذلك فالمحرَّمَات تُباح عند الضرورات، فمبادئ الشريعة وقواعدها ليست على درجة واحدة، بل بعضها يَحْمِل أحكامًا مُخَفَّفَةً جِدًّا؛ مراعاةً للظروف والعوائد والحالات والأزمان، وقد شرَع اللهُ هذه الأحكامَ تخفيفًا على عباده وسمَّاها العلماء: الرُّخَصَ، وحَثَّ عبادَه على الأخذ بها في مواطنها، فروى الإمام أحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ“.

ومن صور التيسير والسماحة في الطهارة أنه شَرَعَ المسح على الخُفين والعِمَامة والجَبِيرة، وأجاز التيمم إن عُدِمَ الماء، والصَّلاةَ أجازها في أي بُقعة من الأرض، قال صلى الله عليه وسلم: “وجُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مَسْجِدًا وطَهُورَا” أخرجه البخاري ..

وشَرَع قَصْرَ الصلاة في السفر ووقت المطر مع الجَمْع تقديًما أو تأخيرًا؛ فالإسلام لم يترك مَرْحَلَةً من المراحل التي تمر بها العبادة إلا وَحَبَاهَا نوعًا من السهولة والتيسير، وهكذا في كل العبادات؛ في الزكاة والصيام والحج والجهاد.

وإنَّ المتأملَ في أعماق التاريخ ومَسَارِبِهِ، والقَاصَّ لآثارِ البشرية وحضاراتها لا يجد فيما يقف عليه سماحةً واضِحَةَ المعالِم، تامَّةَ الأركانِ، شامِخَةَ البُنْيانِ كسماحة الإسلام؛ فشريعةُ الإسلامِ أكملُ شريعةٍ وأوفاها، وأحكمُ مِلَّةٍ وأحفاها، ولا مِثالَ سواها؛ تُرَاعِي اليُسْرَ والسماحةَ في عنايتها بالعقيدةِ السَّمْحَةِ، والاعتدالِ والوسطيةِ .

إون من الظُّلم وعدم الإنصاف أن تُختزل سماحة الإسلام في عباداته فحسب، بل العبادات في الإسلام جزء من شريعة تامة كاملة، فَمَن وَلَّى وجهَه شطرَ جانبِ المعاملاتِ في الإسلام أبهرته الأنوارُ السَّاطعةُ للسَّمَاحة الرَّائعة في الآياتِ البَيِّنات والأحاديثِ المُحْكَمَات، فالمعاملات ميدانٌ شَاسِعُ تظهر فيه السماحةُ بجلالها، وتُشرق بأنوارِهَا ..

فروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “رَحِمَ الله رَجُلا سَمْحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى“ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أَدْخَلَ اللهُ رَجُلًا الجنةَ كانَ سَهْلًا مُشتريًا وبائعًا وقاضيًا ومُقْتَضِيً“ ..

فلقد دعا الإسلام المسلمين إلى التحلي بخلق السَّمَاحَة، فإنَّ السَّمَاحَة من خلق الإسلام نفسه، فمن السَّمَاحَة عفو الله ومغفرته للمذنبين من عباده، وحلمه تبارك وتعالى على عباده، وتيسير الشريعة عليهم، وتخفيف التكاليف عنهم، ونهيهم عن الغلو في الدين، ونهيهم عن التشديد في الدين على عباد الله فقال تعالى (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) …

فإن الإسلام يسر، ولقد يسره النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بأخلاقه وأفعاله وأعماله وصفاته وسلوكه فأخذه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بيسر ومحبة، فكانوا المجتمع الراقي وكانوا الدولة العظيمة التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا.

فيجب علينا ان نتفقه في دين الله ولندرس كتاب الله ولندرس سنة النبي صلى الله عليه وسلم من منابعها الصافية فسنجد قلباً واسعاً، وقلباً رحيماً، إنه محمد رسول الله من أوجب الله علينا محبته والسير على نهجه والاقتداء بأثره، والاستنان بسنته… فاللهم صلى وسلم وبارك عليه .

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *