Share Button
الإنسان والضمير
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن العظيم ليكون عظيما بإحدى ثلاث، وهي بمواهب تميزه عن غيره وتعلو به عمن سواه وتجعله بين الناس صنفا ممتازا مستقلا بنفسه عاليا برأسه يجل عن المساماة ويعظم على المسابقة، أو بعمل عظيم يصدر عنه ويعرف به ويعجز الناس عن الإتيان بمثاله أو النسج على منواله، أو فائدة يسديها إلى الجماعة وينفع بها الناس، وبقدر ما يكون العظيم متمكنا من وصفه مفيدا في إنتاجه بقدر ما تكون درجته من العظمة، ومنزلته من التقدير، ولهذا تفاوتت منازل العظماء، واختلفت مراتبهم، فمنهم سابق بلغ ذؤابات العظمة، ومقتصد بلغ من حدودها ما يرفعه إلى مصاف العظماء، ومقصر كان نصيبه منها أن نسب إليها ولصق بها أو لصقت به، والضمير هو تلك القوة الروحية التي تحكم مواقف الإنسان وتفكيره وهو منحة من الله للإنسان.
يدله بها على الخير والشر وكيف يكسب الرضا والراحة النفسية ولذلك ضرب الله تعالي مثلا لذلك بنبيه يوسف عليه السلام، حينما حجزه ضميره عن الانجراف وراء الهوى حيث قال الله تعالي ” معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون” والضمير هو مستودع السر الذي يكتمه القلب والخاطر الذي يسكن النفس، فيضيء ظلمتها وينير جوانبها، والضمير هو القوة التي تدفع نحو فعل الخيرات وترك المنكرات وحب الصالحات، وهو سبب تسمية النفس باللوامة، كما قال الله سبحانه وتعالى ” لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة” والضمير هو الرادع عن المعاصي والآثام الذي يجنبك مقاربتها ويثنيك عن تكرارها، وإن الضمير ينجي صاحبه من المهالك، ويبعده عن شر المسالك، ومن صفات الضمير المؤمن.
أن صاحبه دائم التذكر فإذا هم بأمر سوء ارتدع وانزجر، وابتعد عن المعاصي وأدبر، وإن ضمير الإنسان إذا لم يكن موصولا بالله، فتجد صاحبه محافظا على العبادات والطاعات، والذكر وقراءة القرآن، فإنه سيأتي يوم ويعرض ذلك الضمير للبيع في سوق الحياة، وعندما يباع الضمير ستجد ذلك الصاحب والصديق الذي إئتمنته على مالك قد خان الأمانة، وتنكر لك، وعندما يباع الضمير ستجد من يعطيك شهادة تعليمية دون أن تدرس يوما واحدا، وستجد شاهدا باع‎ ضميره، وزور أحداث شهادته، وحول الظالم إلى مظلوم، والمظلوم إلى ظالم، واختل واقع الحياة، وضاع مصير الإنسان، وعندما يباع الضمير ستجد الطبيب الذي يهمل فحص مرضاه في المستشفى ليضطرهم للذهاب إليه في عيادته الخاصة.
بل ستجد من يخون أمته، ويبيع وطنه، ويدمر مجتمعه، وعندما يباع الضمير أو يغيب من النفوس تهمل الواجبات، وتضيع الحقوق والأمانات، ويوسد الأمر إلى غير أهله، وتظهر الخيانات، وتحاك المؤامرات، وتقدم المصالح الشخصية الضيقة على مصالح المجتمع والأمة، ولقد عين الخليفة أبو بكرالصديق رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاضيا على المدينة، فمكث عمر سنة كاملة لم يختصم إليه اثنان، لم يعقد جلسة قضاء واحدة، وعندها طلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء، فقال أبو بكرأمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟ قال عمر لا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه.
أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيما يختصمون؟
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *