Share Button
الدكتور محمود محمد علي يكتب :
ما زلت أؤمن أكثر من أي وقت مضي بأن ظاهرة الدروس الخصوصية أصبحت بالنسبة للتربويين مرض يسعون لإيجاد السُبل المختلفة لعلاجه ، والبحث عن أسبابه والحد من انتشاره لأنه يهدد العملية التدريسية ويتهمها بالقصور . وها هي الأسر اليوم تشير بأصابع الاتهام إلى المدرسة كونها العامل الأساسي وراء انتشار هذه الظاهرة نتيجة عجزها عن أداء وظيفتها بأكمل وجه مما يدفع الطلبة للجوء إلى الدروس الخصوصية لسد هذا العجز ، وبناء على ذلك قامت المؤسسات التعليمية بالتحذير من انتشار هذه الظاهرة لما لها من سلبيات على العملية التربوية عامة وعلى الطلبة خاصة ، فالمؤسسات التربوية على وعي بتفاقم هذه المشكلة.
فالدروس الخصوصية لا تساعد علي تحقيق الأهداف الأساسية للعملية التربوية، وهي دفع الطالب للتفكير والابتكار وحل المشكلات ، لأن الطالب يحصل في الدروس الخصوصية علي نصوص جاهزة ومتحضرة ومعدة بطريقة تساعده علي الإجابة عن اسئلة الامتحانات، فالطالب يلجأ للحفظ والتكرار وذلك ليتحصل علي درجات تؤهله للنجاح في الامتحان، والعملية التعليمية ليست هدفها مجرد تجميع درجات أو الحصول علي شهادات ، إنما هدفها الأساسي تنمية عقول التلاميذ . فالدروس الخصوصية لا تنمي في الطالب إلا مقدرة النجاح في الامتحان ولا تنمي فيه المقدرات والمهارات المهمة مثل : النمو الاجتماعي ، الاخلاقي ، الجسدي ، الروحي والنمو العاطفي … الخ هذه الأهداف التي تجعل العملية التربوية متكاملة .
علاوة علي أن بعض علماء التربية ينظرون إلي الدروس الخصوصية علي أنها ليست أكثر من رشوة مقنعة للمدرس فالطالب دائما ما يحرص أن يكون المدرس الخصوصي هو نفسه مدرس المادة في المدرسة لمميزات وفوائد كثيرة أقلها ضمان درجات اختبار أعمال السنة كاملة، وبعض الطلاب يلتحق بدروس المدرس الخصوصي رغبة منه لمعرفة الأسئلة أو أسلوب حلها بغض النظر عن الفهم والاستيعاب.
كما أن الدروس الخصوصية تساعد علي انتشار ظاهرة التسرب المدرسي وأيضا ظاهرة الهدر التربوي فبعض الطلاب الذين يلتحقون بالدرس الخصوصي لمدرس معين لا يهتمون لشرح المدرس في المادة في الفصل وربما لا ينتظمون في الحضور إلي محاضرات هذا المدرس وبالتالي تنقلب حياتهم المدرسية إلي فوضي ربما تتطور إلي غياب مستمر من المدرسة وفي النهاية ربما يتركون المدرسة كلية .
وبالنسبة لبعض المدرسين أصبحت الدروس الخصوصية عملية تجارية بحتة ، فالدروس الخصوصية أصبحت وسيلة هؤلاء لتحقيق أحلامهم وأمنياتهم في الحياة وهي وسيلة لإقتناء الشقة الفاخرة والسيارة وحساب في البنك . هذه الأشياء التي لا يمكن أن يتحصوا عليها من رواتبهم الشهرية أو من معاشهم التقاعدي.
إن مثل هؤلاء المدرسين ربما يلجأون أحيانا إلي عدم أداء واجباتهم التدريسية حتي يشعر التلاميذ بالعجز والقصور ولا يجدون مفرا من الالتجاء إلي الدروس الخصوصية ، بل إن بعضهم ربما لجأ إلي ترسيب بعض الطلاب عن قصد ليجبرهم عن الالتحاق بدروسه الخصوصية ولا يستطيع ولي الأمر أو مدير المدرسة أن يوجه اتهاما صريحا للمدرس بالرغم من أن هؤلاء ربما شعروا بأن المدرس ليس نزيها في أداء واجبه.
وثم نقطة مهمة أخري نود أن نشير إليها وهي أن الدروس الخصوصية فيها إضاعة لزمن الطالب ، فالطالب ينتظر حضور المدرس إليه ، أو يذهب له ويحتمل أن لا يجده ، وإن وجده فإنه يستغرق وقتا كبيرا في مذاكرة جزء من المقرر أو جزئية صغيرة من موضوع واحد من المقرر ، وبالتالي يضيع علي الطالب زمن كبير في الاهتمام بالجزئيات وفي مراسم توديع المدرسين الخصوصيين أو الذهاب إليهم في منازلهم والرجوع منها، هذا الزمن كان من الممكن استثماره في تعلم مقررات نافعة.
ومن جهة أخري فالكل يعلم أن الدروس الخصوصية تتطلب مصاريف كثيرة لا تقدر عليها إلا الأسر المقتدرة ماديا هذا الوضع يجعل التعليم حركا علي فئة معينة هم أولاد التجار والمقاولين والأغنياء بصفة عامة ، ويصبح هؤلاء قادرين علي شراء النجاح بفلوسهم وليس بقدراتهم العقلية ، خاصة أن بعض المدرسين يرفعون ثمن الساعة في الدروس الخصوصية إلي مبلغ ليس في مقدور الأسرة المحدودة الدخل أو الفقيرة . وهذا الوضع يؤثر علي مبدأ ديمقراطية التعليم ويميز طلاب المدرسة علي أساس مادي ويجعل التنافس بين الطلاب غير عادل مما يساعد علي إفرازات سلبية في البيئة المدرسية مثل الحقد والحسد والكراهية.
ومن عيوب الدروس الخصوصية أيضا أنها تشجع الطلاب علي التركيز في المذاكرة علي أجزاء معينة من المقرر ، خاصة الأجزاء التي يركز عليها المدرس الخصوصي أو التي اعتقد الطلاب أن الدرس ركز عليها أكثر من غيرها .. فيلجأ اطالب إلي تطبيق قاعدة ” التهديف” أي مذاكرة وحفظ مناطق معينة من المنهج وترك مناطق أخري ، ووفقا لهذه القاعدة تكون النتيجة إما النجاح بتفوق أو الفشل الكبير ، حتي ولو كان اطالب محظوظا ونجح بتفوق فإنه حسب الأصول التربوية السليمة يعتبر غير مؤهل لأنه لم يدرس ولا يعرف من المنهج إلا الأجزاء التي درسها أو استهدفها ويكون بالتالي قد حصل علي شهادة تفوق مزورة.
إن الدروس الخصوصية تحول اهتمام الطالب إلي مجرد النجاح في الامتحان ما يدفعه إلي التعامل مع الخبرات التعليمية .في داخل هذا الإطار فقط ، وذلك أمر يخل بالهدف الأساسي للعملية التربوية ، والمتمثل في بناء الإنسان وتكامل الخبرات واكتساب المعرفة والخبرة والتقليل من اعتماد الطالب علي نفسه واعتماده علي المدرس الخصوصي في تبسيط المعرفة وحل المشكلات التي تعترضه في دراسته بدلا من الاعتماد علي نفسه في حلها، واكتساب الخبرات التي تؤهله لحل ما يواجهه من مشكلات في حياته العملية التالية.
أرجو من معالي وزير التعليم طارق شوقي أن يتنبه لهذا الخطر الذي يهدد التعليم المصري خلال مشواره لتطوير التعليم المصري .
د. محمود محمد علي
كلية الآداب – جامعة أسيوط

 

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *