الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هاديا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الذي كان من صور رحمته صلي الله عليه وسلم بأمته أنه رخص لهم الفطر في السفر شفقة ورفقا بهم، ورغب صلى الله عليه وسلم في الفطر للمسافر، ورهب من صيامه إذا لحقته المشقة من الصيام، أو كان في فطره مصلحة ولو دنيوية لا يقدر عليها صائما، وهكذا رأينا الإسلام سمحا كريما رحيما بأهله، لا يحب العنت والمشقة وإن كانت في العبادة.
والكيس من أوغل في الدين برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى” وفي سيرة هؤلاء العظماء من الرجال والنساء الكثير والكثير، ويروى أن عبيدالله بن العباس، وهو شقيق عبدالله بن العباس حبر الأمة رضي الله عنهم اجمعين، هو أول من سن في الإسلام سنة إقامة الولائم لإفطار الصائمين في رمضان، بل وأول من سن توزيع التمر على المصلين في المساجد عقب آذان المغرب، ويروى عنه أنه كان مسافرا إلى الشام بصحبة خادمه، فأمطرت، فبصر عن بعيد منزلا، فذهبوا إليه لاستضافتهم، وإذ برجل يبلغ من العمر عتيا فقالوا له نحن من المدينة ونريد الاستضافة فقال حياكم الله وسمح لهم بالمبيت، فيقول خادم عبيدالله بن العباس رأينا أنه لا يملك إلا شاة واحدة فقال لزوجته آتيني بالسكين فقال له عبيدالله لا تنحرها رحمك الله فأنك لا تملك غيرها.
فقالت زوجته اسمع كلام الضيف ونحن نسترزق بفضل الله بها، فقال والله الفقر أرحم إلي من البخل واللؤم، ثم نحرها، وقال لزوجته لا توقظي أبناءك حتى يظل الطعام كله للضيوف فقط فأكل عبيدالله وصاحبه وناما، وفي الصباح قال عبيدالله لخادمه لا تجارة لنا، أعطي هذا المال والقافلة لهذا الرجل فقال خادمه، غفر الله لك نحر شاة وتعطيه ثمن قافلة، فقال عبيدالله لقد نحر كل ما يملك لكن القافلة ليست كل أملك، فقال الخادم إنه لا يعرفك، فرد عليه ويحك إن لم يكن يعرفني فأنا أعرف نفسي أعطه القافلة وزده خمسمائة دينار، وقيل إن سنبلة القمح فيها الغذاء الكامل للإنسان والحيوان، فإن ساق السنبلة غذاء كامل للحيوان؟ لذلك فإن التبن يعد المادة الأساسية للحيوان، ويقولون إن هناك زراعة إستراتيجية تكون هي القمح، وأن البهائم طعامها الإستراتيجى هو التبن.
فساق القمح غذاء أساسى وكامل، والقمح غذاء كامل لنا فقال الله عز وجل فى سورة النازعات ” متاعا لكم ولأنعامكم” ويقول الله سبحانه ” ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد” ويروي عبدالله بن العباس رضي الله عنهما أن سبب نزولها بقوله “نزلت في صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه، وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة، منعه الناس أن يهاجر بماله، وكان ذا مال يتاجر به، فلما اعترضوه عرض عليهم عرضا، وقال لهم رضي الله عنه وأرضاه “إنكم لتعلمون أني من أشد الناس إصابة في الرمي والسهام، فإن شئتم أن أخلي بينكم وبين مالي، وتخلوا بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهاجر إليه، وإما أن أنثر كنانتي وأرميكم سهما من وراء سهم، ثم أبارزكم بالسيف”.
فخلوا بينه وبين الهجرة، وأخذوا كل ماله الذي استبقاه لوجه الله جل وعلا، فلما أقبل على المدينة، قابله الصحابة منهم أبو بكر رضي الله عنه وقال له “ربح البيع صهيب، ربح البيع صهيب” ومن قصص التجارة مع الله أيضا، ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، حينما مرض وعاده النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له يا رسول الله مرضت وأنا قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ فقال النبي لا، يقول قلت فالشطر يعني النصف يا رسول الله؟ فقال لا، قلت فالثلث يا رسول الله؟، قال “الثلث، والثلث كثير أو كبير”.