الدكروري يكتب عن منهج الإمام العجلي في الجرح والتعديل
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر الكثير عن الإمام العجلي وهو أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح، الإمام الحافظ، الأوحد الزاهد، أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي، الكوفي، وقد كتب كثيرا من الكتب وقد ابتعد فيها عن الجرح والتعديل للشخصيات الإسلامية، ومن هنا قال الإمام مسلم رحمه الله “وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك حين سئلوا لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب، فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته، كان آثما بفعله ذلك، غاشا لعوام المسلمين، إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها.
أو يستعمل بعضها ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها، مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقة ولا مقنع، ولا أحسب كثيرا ممن يعرج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة ويعتد بروايتها بعد معرفته بما فيها من التوهن والضعف، إلا أن الذي يحمله على روايتهاوالاعتداد بها إرادة التكثر بذلك عند العوام، ولأن يقال ما أكثر ما جمع فلان من الحديث وألف من العدد ومن ذهب في العلم هذا المذهب وسلك هذا الطريق فلا نصيب له فيه وكان بأن يسمى جاهلا أولى من أن ينسب إلى علم، وأما عن منهج الإمام العجلي في الجرح والتعديل، أو التمييز أو معرفة الرجال فكان هو أهم العلوم التي اشتهر بها الإمام العجلي.
وأن الإمام العجلي كانت لديه ثروة هائلة من الأحاديث، ولما كان جمع الروايات والمقارنة بينها من أهم طرق معرفة الثقة الضابط من الضعيف الواهم، فإن الإمام العجلي استعمل ثروته الحديثية في هذا المجال، وفيه تظهر براعة العجلي ومهارته، حتى شهد له أئمة هذا الشأن بطول الباع وسعة الاطلاع، كما سبق عن الذهبي وغيره، ولما كان الإمام العجلي لم يصرح بشيء من منهجه وأسلوبه في الجرح والتعديل، فلم يكن لدى بعض العلماء سبيل سوى الاستقراء والتتبع لكتابه لمعرفة منهجه ومرئياته في بعض الأمور المتعلقة بهذا الفن، ولقد رتب كثير من المحدثين والمؤرخين كتبهم على الطبقات مراعين في ذلك الفضل والسبق في الإسلام، والتقدم الزمني من حيث الوفيات أو العلو في الأسانيد، أي الصحابة ثم التابعون ثم أتباع التابعين.
ولكن لم يكن هناك مفهوم محدد للطبقات من حيث الفترة الزمنية، ولذلك رتب كل مصنف كتابه وحدد طبقاته حسب اجتهاده، فالذهبي مثلا رتب كتابه تذكرة الحفاظ على إحدى وعشرين طبقة من عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عصره، وابن حجر في التقريب وزع رجال الكتب الستة على اثنتي عشرة طبقة، إلا أن التقسيم العام للطبقات عند كثير منهم هو الصحابة فالتابعون فأتباع التابعين، بغض النظر عن التفاضل الذي يوجد فيما بينهم، كما فعل ابن حبان في الثقات ومشاهير علماء الأمصار وغيره.