Share Button

 

بقلم / محمــــــــد الدكـــــــرورى

إنه الابتلاء الذى يبتلى به الانسان ويضحك عليه الشيطان حتى يوقعه فى طريق الشر وطريق الهلاك ويتناسى أن هناك حساب وأن هناك رجوع الى الله عز وجل وأن هناك جنه وهناك نار وأن الله عز وجل توعد للظالمين وأمهلهم حتى يتوبوا ولكن تبتلى الأمم في أيام محنتها وانتقاص أطرافها وضعف نفوس أبنائها بأمراض كثيرة، تضعف شأنها، وتقوض صفاء عيشها وطمأنينة مسيرتها وسلامة طرق الكسب فيها، وتقضي على حياتها. وإن من شر ما تصاب به الأمم في أهلها وبنيها أن تمتد أيدي فئات من عُمَّالها وأصحاب المسؤوليات فيها إلى تناول ما ليس بحق. فبتقديم المال والمنافع لهم يخدمون الآخرين، إنها الرشوة التي يتعامون عن حرمتها بتسميتها بغير اسمها، حتى صاحب الحق عندهم لا ينال حقَّه إلا إذا أعطاهم.

والرشوة نوع من أنواع الفساد المالي والإداري، وهي خطر كبير على المجتمعات الإنسانية؛ ذلك أنها تعطي الفرصة لتسلق من ليس أهلاً للمهن والوظائف على أكتاف أصحاب المؤهلات والكفاءات العلمية والعملية، وهي وسيلة لأكل حقوق الغير بلا مبرر، فإذا توسد الأمرَ غيرُ أهله أثر ذلك سلبيًا على كفاءة المجتمع وإنتاجه وحسن أدائه، وتسبب ذلك في إهدار كثير من الأموال والطاقات والأوقات في محاولة إنجاز الأعمال بلا فائدة، فاليد العاملة أو المنتجة أو المفكرة بلا إمكانات، في حين يقبع أصحاب الكفاءة في غير أماكنهم، تسند إليهم أعمال لا تناسبهم، لا تحتاج إلى ما لديهم من خبرات وقدرات، بل يقوم بها من هو دونهم في التعليم والخبرة والكفاءة، في حين تحتاج وظائف أخرى في المعامل ومراكز التطوير والبحث العلمي وكثير من الأماكن إلى أهل خبرة وكفاءة ليديروها على وجه أكمل وأفضل مما تدار به، ولكن الرشوة وحدها كفيلة بالقضاء على كل ما من شأنه وضع الأمور في نصابها الحقيقي، وتحقيق معادلات النجاح والتقدم والازدهار.

فالراشي والمرتشي والرائش الوسيط بينهما متعاونون على تضييع الحقوق، ويروجون لأكل أموال الناس بالباطل، ويزرعون السيئ من الأخلاق، وهم ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مطرودون من رحمة الله، ممحوق كسبهم، زائلة بركته، خسروا دينهم وأضاعوا أمانتهم، استسلموا للمطامع، واستعبدتهم الأهواء، وأغضبوا الرب، وخانوا الناس جميعا، وغشوا الأمة، في نفوس خسيسة وهمم دنيئة.

لذلك كان النهي الصريح عن الرشوة وكل ما يحيط بها من تعاملات تفضي إليها أو تسهلها أو تمهد لها، حتى لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، فلعن ركني الرشوة: الراشي والمرتشي، ولعن كذلك الماشي بها بينهما والساعي في تقريبهما، ولم يتوقف الأمر على مجرد النهي عنها وذمها، بل تعدى ذلك ليصل إلى حد اللعن الصريح الذي يعني الطرد من رحمة الله تعالى، وما هذا إلا لأن الرشوة قتل لكفاءات المجتمع، ودعوة صريحة لهدم أساساته التي يقوم عليها ازدهاره وتقدمه، وهي تقديم أهل الكفاءة والخبرة، فإذا تقهقر هؤلاء، وتصدر المشهدَ أرباب الأموال الذين لا علم لهم ولا كفاءة ولا مقدرة على قيادة دفة الأمور، فإن المجتمع يصير على شفا جرف هار، معرض للانهيار في أية لحظة، فهو وإن بدا قويًا في ظاهره، إلا أنه خاوٍ من أي مضمون، ما هو إلا مجرد قشرة خارجية لا يتعدى سُمكُها قيمةَ الأموال الزائلة التي شكَّلتها وحددت معالمها.

إن ضعاف النفوس من محبي المال يعينون الفاسدين على إفسادهم، ويساهمون من حيث لا يشعرون في تقويض قدرات مجتمعهم وفشله، فحبهم للمال يدفعهم ويسوقهم إلى ارتكاب خطيئة الرشوة ودفع المجتمع إلى الهاوية، فإن لم يتحملوا المسؤولية التي أنيطت بهم فإنهم يعرضون أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم إلى الهلاك غير المباشر والذي قد لا يظهر أثره في وقت سريع، وإنما يسقط المجتمع على المدى الطويل عندما يتحول المجرم إلى بريء والبريء إلى مجرم بفعل الرشوة، وعندما يتحول صاحب الكفاءة إلى كمٍّ مهمل، وعندما يتحول الشخص التافه إلى قائد أو مسؤول أو حتى موظف في غير مكانه.

وكشأن أي ذنب أو كبيرة أو جرم فإن فاعله يحاول إضفاء شيء من الشرعية عليه، فيسمي الرشوة بغير اسمها، ويضفي عليها أوصافًا محببة إلى النفس لإزالة الحاجز النفسي بينه وبينها، فإنه إذا سماها رشوة صريحة فقد ينقبض قلبه عند أخذها، أو تلومه نفسه، ولكن آخذها يسميها هدية أو إكرامية، أو يشكِّلها معطيها بأشكال أخرى غير المال لتكتسب وصفًا آخر لا يغير من حقيقتها، كأن تكون في صورة تذاكر سياحية، أو هدايا عينية، أو أقلام ذهبية، أو حفلات صاخبة ماجنة، أو حتى تسهيلات متبادلة في قضاء حوائج أخرى، كأن يمرر مظلمة في مصلحته مقابل أن يمرر موظفٌ آخر مظلمةً في مصلحته… وهكذا، فكل ذلك تحايل على الشرع، فإن كانت الرشوة على صورتها البسيطة المعهودة كبيرة فإنها في صورتها الأخرى كبيرتين، وربما فاق عذاب الآخرة عذاب الأولى بكثير.

ولقد بلّغ الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام. فوالله “لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ماله؛ من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ ” وثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: “ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه من حرام، ومشربه من حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟! “.

إن الرشوة قضية خطيرة، ينبغي التصدي لها بقوة، والأخذ على متعاطيها بيد من حديد، فعلينا جميعا أن نتقى الله فحاسبوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوها قبل أن تُوزَنوا، واعرضوا ما تكسبون من الأموال على شرع الله تعالى، فما أحلَّه لكم فكلوه هنيئًا مريئًا، وما حرَّمه عليكم فلا تُقدِموا عليه وتَباعَدوا عنه، واتقوا يومًا تُعرَضون فيه على الله تعالى لا تخفى منكم خافية، فأنبتوا أجسامَكم وأولادكم وأهليكم نباتًا حسنًا، وذلك بتغذية الأرواح بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وغذُّوا أجسامَكم بالطيبات من المأكولات والمشروبات ..

فالجسد الذي يَنبُت على السُّحت والحرام النارُ أولى به، فأيكم يريد أن تكون النار مصيره، وجهنم مأواه؟! فإن الله تعالى طيِّب لا يَقبل إلا طيبًا، فأمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، وقد أمر المرسلين بأكل الطيبات، وعملِ الصالحات؛ فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ سورة المؤمنون ..

وقال عز وجل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ سورة البقرة وقال تعالى: ﴿ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ سورة المائده ..

ولنعلم جميعا أن الرِّشوة من طرق اكتساب المال الذي حرَّمته شريعتنا تحريمًا جازمًا، يَكفُر من استباحها، ويَفسُق مَن عمِل بها دون استباحة، وقد شدَّد الشرع الوعيدَ على آخذها ودافعها والساعي بينهما بأن جعلهم مطرودين عن رحمة الله تعالى، مُتعرِّضين لسُخطه وغضبه؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: “لعَن الله الراشي والمرتشي ” وما دخلت الرِّشوة عملاً إلا عاقته، ولا مجتمعًا إلا أفسدته ..

ومنهم الظالم وهو المرتشي؛ لأخذه ما يحمله على الجور في حُكْمه، أو التساهل في عمله، والغِلظة على مَن لا يدفع شيئًا وتقطيب وجهه أمامه حتى يجعله يهاب من مراجعته، والدافعُ لها؛ لكونه عونًا كبيرًا على الظُّلم، وعلى تشجيع الظالمين، ومفسدًا لقلوبهم على الآخرين الذين تأبى أذواقهم السليمة، ومظهرهم المستقيم، وعقيدتهم الحية، عن دفع الرِّشوة، والساعي بينهما؛ راضٍ بفعلهما ومُعِين لهما على الإثم ومُقِر لمنكرهما، والراضي كالفاعل، وما اشتهر بها أحدٌ كما اشتهرت اليهود بها؛ فإن الله تعالى ذمَّهم وعابهم، كما ذمَّهم على الكذب، ووصفها الله تعالى بأنها سُحْت؛ فهي سبب لسحت الدين أو البدن أو المال …

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏‏جلوس‏، و‏شاشة‏‏ و‏منظر داخلي‏‏‏‏
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *