Share Button

 

جذر الفعل (وَزَنَ) هو أساس العلاقة بين اللغة والحياة الروحية المستقيمة؛ فإذا كان الوزن هو أساس اللغة عندنا، فالتوازن هو أساس الحياة الحيّة وأساس استقامتها واتصالها بالاستقامة والحياة.

هنالك رابطة لا شك فيها تشبه الرابطة العضوية بين الوزن في اللغة، وبين التوازن في الحياة الروحية، تقوم على التعادل بين المطالب والحاجات من جهة وعلى المقاصد والأهداف من جهة ثانية.

فلغتنا العربية لغة اشتقاق تقوم على الوزن – كما يقول الأستاذ العقاد في (اللغة الشاعرة) – بخلاف اللغات الأجنبية تقوم على النحت، ولا علاقة لها بالوزن على الإطلاق.

لا يُلاحظ في الكلمات الأجنبية أنها توضع على وزن معين، لكن هذا يُلاحظ في الكلمات العربية. وليس هناك كلمة واحدة في اللغات الأجنبية لها وزن، في حين كل كلمة في لغتنا العربية لها وزن معين : وزن الفعل، ووزن الفاعل، ووزن المفعول. فعل، يفعل، فعّال، كلها أوزان يتغير بها المعنى من الفعل إلى الاسم، ومن الاسم إلى الصفة تبعاً للوزن.

ولا يظهر في تركيب اللغة شيء أظهر من أصالة الوزن فيها؛ فالمصادر فيها أوزان، والمشتقات أوزان، وأبواب الفعل أوزان، وقوام الاختلاف بين المعنى حركةٌ على حرف الكلمة تتبدل بها دلالة الفعل، بل يتبدَّل بها الفعل فيُحسب من الأسماء أو يحتفظ بدلالته على الحدَث حسب الوزن الذي ينتقل إليه.

هذه أصالة في موضع الوزن من المفردات والتراكيب لا يستغرب معها أن يكون للوزن شأنه في شعر هذه اللغة، وأن يكون شأنها في نظم أشعارها على خلاف المعهود في منظومات الأمم الأخرى ولو صرفنا النظر عن أثر الإنشاد الفردي في تثبيت القافية واستقلال فن العروض عن فن الغناء في القصائد العربية.

إنّ اللغات السامية تجري على قواعد الاشتقاق وتوليد الأسماء من الأفعال. ولكنّ المقابلة بين هذه اللغات في أقسام مشتقاتها وتفريع الكلمات من جذورها تدل على تمام التطور في قواعد الأوزان العربية، وعلى نقص هذه القواعد أو التباسها في أخواتها السامية بل تدل في باب الإعراب خاصّة على تفصيل في العربية يقابله الإجمال أو الإهمال في أخواتها، وفي غيرها من اللغات الآرية التي دخلها شيء من الإعراب.

فالوزن على هذا، هو أساس اللغة عندنا.

وكما يكون الوزن هو أساس اللغة عندنا، فالتوازن هو أساس الحياة الروحيّة. التوازن هو النوتة المفتاحية لبلوغ الطاقة الروحانية؛ فبما أن الإنسان يتكوّن من روح ومادة فهو يحتوي بداخله عوالم المعادن، النباتات والحيوانات، وكذلك عالم الملائكة وعالم الجن. ومهمته تحقيق التوازن بين جميع هذه الأجزاء دون أن ينسى أنه خُلق لا ليكون روحانياً كالملاك أو مادياً كالحيوان.

وإذْ يتوصَّل الإنسان إلى الوسط الذهبي؛ فإنه سيكتشف بالتأكيد آخر الأمر الطريق الذي يجب أن يسير عليه والذي سيقوده مباشرة إلى الهدف :”الأبواب ضيقة، والدرب أيضاً ضيق” : ضيق لأن كل خطوة منحرفة إلى جانب تبعد عن طريق الحقيقة إلى الطريقة الموازية. في الحركة ولا شك تدوم الحياة؛ والتوازن هو الذي يُبقي الحركة تحت المراقبة. التوازن شيء فطري طبيعي : فما هو الطريق الذي يسلكه الشخص في الحياة لكي يحقق التوازن؟

وجد الصوفيون المفتاح لذلك التوازن، وجدوه بعد التعمق في الذوات الفردية، وبعد التحول في التوجهات في الحياة من حال إلى حال، بعد أن تبدلت لديهم المعايير وتغيرت القيم : وهو أن يصبح المرء منفصلاً داخل ذاته، بمعنى أن يرقب ذاته ويلاحظها من الباطن، وبالتالي يستطيع أن يحقق التوازن الكامل مع ذاته بذاته، فنوعُ من العزلة يتحقق عن طريق الولوج في الذات متخلصاً من كل التأثيرات الخارجية، يكتسب الإنسان فيها إمكانية تهدئة الموجات الداخلية وامتصاص أكبر قدر من الطاقات الزائدة بالسلب ممّا يضر بالذات ولا ينميها.

هنالك تصبح الحياة أكثر سعادة من ذي قبل.

كلنا نحب الحياة بلا شك، ولكن ما الحياة؟
الحياة هى : أن تعرف من الله عن الله ما تدرك به الله في نفسك !
لا يوجد في الدنيا سعادة أكبر وغبطة أعظم للإنسان من النشوة الروحيّة.

(وللحديث بقيّة)

بقلم د. مجدي إبراهيم

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *