تعديل الدستور ضرورة قانونية وسياسية في حياة الدولة :
ظروف تعديل دستور2014 تختلف عن تعديلات 2019 بعد الخطى الواسعة لتثبيت أركان الدولة الحديثة وبناء مؤسساتها
التنقية الجادة للفكر الدستورى يحرر مواده من قيد الجمود والخمود ليشهد انطلاقة الوعود والوجود
يجب أن نحذف من قاموسنا اصطلاح توعية الشعب لأن الشعب المصرى هو القائد والمعلم للرأى العام المستنير
الفكر التشريعى الدستورى الحديث يفرق بين سيادة الدولة والسيادة فى الدولة
مصر دولة تلعب الدور ولا تنتظر أن يأتى عليها الدور فى ظل تحديات التحولات الأيدولوجية والجيواستراتيجية للشرق الأوسط
الأمن القومى ليس مفهوماً استاتيكياً جامداً بل ديناميكى متحرك وتعديل النصوص الدستورية يجعل مصر دولة فاعلة وليست متفاعلة
الصفة المتغيرة لمفهوم الأمن القومى يستلزم التغير فى النصوص الدستورية لتحقيق المصلحة القومية العليا
الدراسة عرض وتلخيص :
إن تعديل النصوص الدستورية في كل دولة يأتى لمسايرة المتغيرات ومواكبة المستجدات التي قد تطرأ على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة , وممارسة الأمة لسيادتها في تعديل بعض نصوص الدستور يعطى الرقابة الشعبية عن طريق الاستفتاء مما ينبغى معه ايضاح المبادئ التي استلهمتها النصوص الدستورية المعدلة ، وحانت لحظة الوقفة التاريخية مع النفس وطموح الأمة لكى يضع الشعب من خلال تجاربه فكراً حديثاً متطوراً يتناسب مع مكانة مصر واحتياجات شعبها وقدراته وطاقاته . إن هذه الدراسة تعد واحداً من نتاج فكر أحد أبناء مصر الفقهاء الذين تصدوا بكل الأمانة والتجرد لمحاولة صياغة فكر حديث عن أهمية التعديلات الدستورية للحفاظ على الأمن القومى للبلاد ,فالمفكرين ليسوا اَلة التشريع الدستورى لكنهم العقل والضمير الفلسفى لإثراء الحوار العام لبناء رأى عام مستنير يحقق طموح الشعب بإرادة الأمة .
وفى أحدث بحث علمى للفقيه المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بعنوان : ( دراسة عن أهم التعديلات الدستورية : انعدام القيمة القانونية للنصوص الدستورية التى تحظر تعديل إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمساسها بإرادة الأمة , وجواز تعديلها فى ضوء مقتضيات التطور وفقاً للدساتير الدولية , والتعديل المقترح مطابق للمعايير الدولية , واقتراح سلطة الرئيس فى اختيار رؤساء القضاء بالتساوى مع الدستورية دون ترشيح من مجالسهم واجتياز اللياقة الصحية فى ضوء التجارب الدستورية المقارنة وسلطة الرئيس فى رئاسة المجلس الأعلى ضمانة لاستقلال القضاء . دراسة تحليلية فى عمق الفكر الدستورى الحديث والتجربة الدستورية العالمية على مسرح الحياة الدولية وضرورة الحفاظ على الأمن القومى) المنشور على الموقع الرسمى لكلية الحقوق جامعة المنوفية , فإننا نعرض للجزء الأول من تلك الدراسة الدستورية القومية فى تاريخ بلادنا .
أولاً : تعديل الدستور ضرورة في حياة الدولة :
يقول الدكتور محمد خفاجى إن الدستور هو القانون الأعلى والأسمى في الدولة ، الذى يوضع تعبيراً عن المبادئ الحاكمة لنظام الحكم وشكل الحكومة والمبادئ الأساسية التى يقوم عليها المجتمع , ومن ثم فإن تعديل بعض نصوص الدستور هو أمر لا غنى عنه لمسايرة المتغيرات ومواكبة المستجدات التي قد تطرأ على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة ، خاصة ما يحاك للأمة من مخاطر تهدد كيانها من جماعات مارقة تستخدم العنف سبيلاً للوصول للسلطة , وعملية تعديل الدستور تعد من أهم الأعمال القانونية في الدولة بعد وضع الدستور ذاته ، فالتعديل ضرورة في حياة الدولة من الناحيتين القانونية والسياسية. ذلك أن القاعدة الدستورية لبيان القواعد الأساسية للدولة وضعت وفقاً للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة عند صدور تلك القاعدة , وتلك الأوضاع تتطور وتتبدل وتتغير من وقت لأخر ، مما يستتبع بالضرورة تعديل القواعد الدستورية إذا تبدلت الأحوال المستجدة , ويكون من حق الأمة صاحبة السيادة في الدولة أن تمارس اختصاصها في تعديل الدستور لتغطية الوقائع المستجدة التى تتعرض لها الأمة .
ثانياً : يجب أن نحذف من قاموسنا اصطلاح توعية الشعب لأن الشعب المصرى هو القائد والمعلم للرأى العام المستنير:
يقول الدكتور محمد خفاجى أنه ينبغى أن نلغى من قاموسنا اصطلاح توعية الشعب , لأن الشعب المصرى من أكثر شعوب الأرض وعياً , ولدينا عقيدة راسخة أن الشعب هو القائد وهو المعلم , ونستعيض عنها بالرأى العام المستنير , فممارسة الأمة لسيادتها في تعديل بعض نصوص الدستور يعطى الرقابة الشعبية عن طريق الاستفتاء تقتضى معه العمل على صناعة رأى عام مستنير يعلم بالمبادئ التي استلهمتها النصوص الدستورية المعدلة ، لتحظى بالقبول في الضمير العام للأمة , لتحقيق مصالح الدولة العليا , خاصة وأن الجماعات المارقة المتطرفة وأتباعها في قنواتهم الكارهة لأوطانهم , تروج لأفكار هدامة وتسعى لخلق التوتر , وتوحى بأن التعديلات الدستورية مخالفة للدستور عن جهل بعلم وأصول الفكر الدستورى الحديث والتجارب الدستورية المقارنة على مسرح الحياة الدولية .
ثالثاً : ظروف تعديل دستور2014 تختلف عن تعديلات 2019 بعد الخطى الواسعة لتثبيت أركان الدولة الحديثة وبناء مؤسساتها
يقول الدكتور محمد خفاجى إن الظروف التى تولدت عن الأزمة السياسية في 30 يونيه 2013 وتمخض عنها دستور 18 يناير 2014 المعدل , تختلف جذرياً عن الظروف الحالية بعد أن تجاوزت الدولة مرحلة تثبيت أركانها واجتيازها لسنوات صعاب لبناء مؤسساتها , فضلاً عن تحملها المستمر لمجابهة مخاطر الإرهاب , وتأثير التعديلات الدستورية للحفاظ على الأمن القومى , مما يتعين معه أن تكون الرؤى الدستورية وفقاً لبيئة التطور المصاحب لعملية التنمية ومواجهة التحديات, التى يجب أن تواكبها النصوص الدستورية وتعبر عنها. وقد اَليت على نفسى – بحكم مسئوليتى الوطنية – أن أقوم بهذا البحث الموثق من التجارب الدستورية الدولية خدمة لبلادى , لإثراء الحوار العام في صناعة رأى عام مستنير وتلافياً لما تدعيه قوى الشر عبر قنواتهم الأثيمة خارج البلاد من مغالطات تجافى الفكر الدستورى الصحيح , ولا أبتغى من تلك الدراسة عن التعديلات الدستورية سوى بلوغ رضاء الضمير العلمى والضمير الوطنى لخدمة بلادنا مصر , ما أبتغى فيها من رضاها ومنتهاها , إن رضاها من توفيق ورضا الله جل علاه .
رابعاً : الفكر التشريعى الدستورى الحديث يفرق بين سيادة الدولة والسيادة فى الدولة : يقول الدكتور محمد خفاجى ينبغى التفرقة بين سيادة الدولة والسيادة في الدولة ، فمدلول سيادة الدولة يعني أن الدولة هي صاحبة السلطة القانونية الأصلية الآمرة العليا. أما مدلول السيادة في الدولة فإنه يعني أن الأمة تمارس السيادة داخل الدولة . فينبغى أن نمايز بين الفكرتين باعتبار الفصل بين أساس السلطة وبين ممارستها ، فالدولة هي صاحبة السلطة , والسيادة داخل الدولة للشعب. وقد ساد الفكر الدستورى مبدأ سيادة الأمة ومبدأ سيادة الشعب، ولكل منهما أساسه الفلسفى – ليس المجال هنا لبيانهما – وقد أخذت دساتير الدول بأحدهما بحسب ظروف كل دولة ، فمثلاً الدستور الفرنسي لعام 1791 تبنى مبدأ سيادة الأمة، إذ نصت المادة الأولى من الباب الثالث على أن : ” السيادة لا تتجزأ ولا تقبل التصرف أو التقادم ، وهي ملك للأمة , ولا يستطيع جزء من الشعب أو فرد أن يعطى نفسه حق ممارستها “. بينما أخذ الدستور المصرى بسيادة الشعب في المادة (4) منه التى نصت على إن : ” السيادة للشعب وحده , يمارسها ويحميها , وهو مصدر السلطات ويصون وحدته الوطنية -” ويذكر الدكتور محمد خفاجى أن المنطق القانونى لا يتقبل أن تفرض الجماعة السياسية على نفسها قوانين لا تستطيع بعد ذلك تعديلها أو إلغائها , ذلك أن الجمعية التأسيسية في وقت معين لا تملك أن تقيد الأمة في وقت لاحق فتمنعها من حق التعديل ، وقد آمن رجال الثورة الفرنسية بهذه الحقيقة القانونية المهمة ، فنصت المادة الأولى من الدستور الفرنسي لعام 1791على إنه :” إن للأمة حقا لا يسقط بمضي المدة في تغيير دستورها”, كما نص إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789على إنه : ” لكل شعب الحق دائماً في أن يراجع دستوره وأن يعدله ويغيره . ولا يملك جيل معين أن يلزم الأجيال القادمة بقوانينه “. ومن ثم فإن مسألة تعديل الدستور لها اعتبارات قانونية راسخة.
