Share Button

 

أن مما وعت ذاكرتي حكمة غالية مفادها أن النفس البشرية لا تفسد إلا من سوء التخيل فإن نعمة الخيال إنما وهبت للإنسان لتخلجه إخلاجا من حدود الواقع وصدق الحقيقة فتنقلب من مادة شقائه إلى مادة سعادته فالخيال هو جواد العبور إلى المجهول المحبوب والمتخيل وهو ذات القوة التي يسقط بها المرء إذا تقاصرت الوثبة أو طاشت أو تعثرت والخيال هو العنصر الذي تمزجه بالحقائق ليحدث منه التنويع فتخرج حقيقة ثالثة من بين حقيقتين وهو نفسه العنصر الذي تستخرج منه الضرر الكائن من تلك الحقائق متى أسرف عليها فتخرج من المنفعة الواحدة مضرتان للحقيقة وللإنسان معا وطاف بخلدي أن أستعرض بعض هذه الصور التي تحدثنا عنها آنفا كالبخيل الذي يفرغ عمره ولا يفرغ أمله والشقي الذي تذهب شهامته ولا تنتهي لذته والمدمن الذي يسقط عقله وخياله ولكنه لما يزال يعلو والمقامر الذي مازال مستمرا في طمعه أن يكون غنيا مترفا وهو فقير فقرا مدقعا يشكو الفاقة والإقلال ثم ساءلت نفسي ما حال هؤلاء ؟؟
كل واحد منهم مريض بمرض خيالي واحد أما الذي هو مريض بشيء من كل هذه الأشياء قاطبة فهو بحق العاشق المريض بإمرأه هواها وهل في الشقاء أعجب من خيال هذا المحب العاشق يري أنه لم تخلق بعد المرأه التي تعشقها إمرأه كالواحد في العدد لكن خياله العاشق يراكم هذا الرقم الفرد فالواحد إسمه لكنه لديه معناه مئات وألوف وبهذا يصبح العاشق مع المرأه المتخيلة كالصقر في السماء حطمت مخالبه وخارت قواه كان يسمع وسوسة القمر في السماء هو إسمه الصقر ولكنه على معناه الحقيقي لا يعدو أن يكون بغاثا -ولد الغراب- يمضغ العجز ويشتكي الشدة لدي أضعف شدة فقد أضحي غرا يقاتل الجيف في الحفر.
ولما طلبت من صديقي أن يزيدني أنبأني أن الخيال والأوهام وكذا الشعر والشعراء كلها أشياء تعلو بالنفس وتخلجها من الحياة إخلاجا فالشاعر والأديب يريان أنهما أعلى من كل البشر إذا أن روحا سامقة تسكنهما ترتبط بالسماء ثم لا يكون من عقابهما على هذا إلا أن يرميا من فوق سبع سماوات تحت قدمي إمرأه فسألته وهل ينعم الله تعالى القلوب في الدنيا على أسلوب تنعيمه في الآخرة؟؟ فرد أن الله لا ينعم القلوب في الدنيا على أسلوب تنعيمها في جنة الخلد لكنه ترك الناس ليعذبوا أنفسهم على نحو ما في النار وكلما طفئت لهم نار أشعلوا غيرها وأوقدوها حتى يذوقوا عذابها لا ليموتوا.
أن النار في الآخرة أبواب كثيرة كل منها ألقي لظاة على سكان الأرض فباب ألقي الخيال والأوهام وآخر قذف الخوف والوجل وثالث رمي بالجشع والطمع ورابع بالحرص وخامس بالبغض وآخر رمي بالشر الذي يجمعها كلها فلما سألته ما هو؟؟
قال هو العشق فناره في الآخرة لكن أرواحه في الناس لتسوق أرواحهم إلى مهاوي الفزع والهلاك فسألته عن الحب الحقيقي؟؟ قال محبة الديان حتى تصبح قلوبنا معراجا سماويا فوق الدنيا لتشهد بأعين الفؤاد وتسمع بآذان القلب أنوار الحق وجمال الخير حتى تسلم الحياة من القبح ومن الشر ولا يكون بين الله والبشر إلا الحق والخير ولا يكون بين الناس بعضهم البعض إلا حياة هي الرحمة والحب وذكرني بما شدت به رابعة إذ قالت:
* فليتك تحلو والحياة مريرة*
* وليتك ترضى والأنام غضاب*
إذا صح منك الود فالكل هين
* وكل الذي فوق التراب تراب*
ثم أكد أن الحب الحقيقي هو أن تكون مع الله فإن كنت في معيتة كانت كل أفكارك حبورا وروحانية ونعيما وأكد أن من الحب نقمة مسلطة فإذا كنت مع الشياطين كانت كل أفكارك صور حيوانية مظلمة كهذا المتجهم الطياش الذي لو نظر في كل مرايا الدنيا ما ظهر له غير وجه الحيوان المقيت لأنه هو الحيوان فسألته وهل الناس في هذا الحب أنواع وأصناف؟؟
قال بلي فواحد يجاهد أخطاء قد وقعت وهو المحب الآثم وآخر يجاهد شهوات تهم أن تقع وهو المحب الممتحن وثالث أمن هذه وتلك وإنما يجاهد نوازع النفس والفكر وهو المحب ليحب فقط ورابع كالقريب والصديق عجز الناس أن يجدوا في لغاتهم لفظا يلمس هذه العاطفة فألحقوها بأدني الأشياء إليها في المعنى وهو الحب.
وأنصرف أستاذي وخلدت إلى الراحة فنمت من ليلتي فإذا بهاتف يخاطبني بعد الهزيع الأخير من الليل بصوت خاشع أن كل ما في الكون المنظور والخفي والمسطور خلق ليعبد الديان ويسبحه فمنهم من ترقي في مدارج الحب حتى يصل إلى رتبة العشق فكل حب يقود إلى الحب الأعظم فهو الحق والحقيقة الكون كله معزوفة تحب الله وحده فهو الذي تؤلهة القلوب رقة وعشقا حتى الخاطئ الشارد يدور حول منبع حبه ليس في قلوب الرجال والنساء وأفئدة الطير وأكباد الحيوان والجبال إلا ظمأ للحب فيكون الحب الأعظم والحقيقي بعيدا عن الأوهام له وحده فهو أهل الحب سبحانه جل عن شريك وولد وعز عن الإحتياج لأحد وتقدس عن نظير وأنفرد وعلم ما يكون وأوجد ما كان أنشأ الأشياء بقدرته وجمعها ودحا الأرض على الماء وأوسعها والسماء رفعها ووضع الميزان سالت الجوامد لهيبته ولانت الصعاب وذلت لسطوتة يعز ويذل يفقر ويغني يسعد ويشقى يغني ويفني يشين ويزين ينقض ويبني قدر التقدير فلا راد لحكمه وعلم سر العبد وباطنه مد الأرض فأوسعها بقدرته وأجري فيها أنهارها وصبغ ألوان نباتها بحكمته وثبتها بالجبال الرواسي وأرسل السحاب بمياة تحييها وقضى بالفناء على جميع ساكنيها. من خدمه طامعا في فضله نال ومن لجأ إليه في رفع الكرب زال ومن عامله أربحة. اله قوي قادر يثيب عباده ويعاقب يهب الفضائل ويمنح المناقب فالفوز للمتقي والعز للمراقب فقمت من نومي و لساني يلهج أشهد أنه الذي تحيط به العقول والآذان الملك المهيمن الديان المعبود بحق أرحم الراحمين الصمد الذي يصمد إليه الخلائق بحاجاتهم وتهفو نفوسهم إلى جلاله وجماله وكماله وتذكرت ما ورد في الأثر أن داود عليه السلام قال يا رب أن لكل ملك خزائن فما خزائنك؟؟
فأوحى الله إليه يا داوود أن لي خزائن أعظم من العرش وأوسع من الكرسي وأطيب من الجنة وأنور من الشمس هي قلب عبدي المؤمن
فاللهم إملأ قلوبنا بحبك وحب من يحبك إنك على ما تشاء قدير وأحفظ مصر وشعبها وجيشها وأمنها وصل على البشير النذير صاحب اللواء المعقود والحوض المورود راكب البراق ومخترق السبع الطباق صلاة جلال تحل بها العقد وتفرج بها الكرب وتدفع بها الأسقام وتنال بها الرغائب وتكون زادنا وركابنا إلى فراديس الجنان وسلم عليه سلام جمال تفتح به علينا فتوح العارفين بك وتدركنا بها بلطفك الخفي في كل وقت وحين ما هبت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم إنك أنت الحق المبين وأنت على ما تشاء قدير.

🌹 المستشار عادل رفاعي🌹

Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *