Share Button

 

بقلم / محمــــــــد الدكـــــــرورى

اليوم هو يوم عرفه وهذا اليوم شرفه الله وفضله بفضائل عظيمة، اليوم الذي خصه الله بالأجر الكبير والثواب العظيم عن كل أيام السنة، اليوم الذي يعم الله عباده بالرحمات، ويكفر عنهم السيئات ويمحو عنهم الخطايا والزلات ويعتقهم من النار… اليوم الذي يرى فيه إبليس صاغرًا حقيرًا… اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم النعم على المسلمين.. إنه يوم عرفة… يوم التجليات والنفحات الإلهية، يوم العطاء والبذل والسخاء، اليوم الذي يقف فيه الناس على صعيد واحد مجردين من كل آصرة ورابطة إلا رابطة الإيمان والعقيدة، ينشدون لرب واحد ويناجون إلهاً واحداً، إله البشرية جميعاً.

إنه موقف مصغر عن موقف الحشر؛ حيث يقف الناس في عرفات مجردين من كل شيء، فالكل واقف أمام رب العزة عز وجل فاليوم يوم عرفه وما أدراك ما يوم عرفة؟ من أفضل أيام الدنيا, يوم عرفه.. يوم تعظيم الله وذكره وشكره وعبادته.

فأهل الموسم من الحجيج يقفون بصعيد عرفات في جموع عظيمة مهيبة؛ شعثا غبرا في دعاء وتضرع وبكاء، يسألون ربهم حاجاتهم، ويقرون له بذنوبهم, وأما غيرهم من المسلمين فهم في مساجد الله، يرجون ما عند الله قد صاموا هذا اليوم طلبا لمرضات الله، يخلو كل واحد منهم بربه عز وجل، يدعوه ويسأله ويستغفره حتى يحل إفطاره، فيا لله العظيم، كم من دعوات سترفع إلى الله تعالى من صعيد عرفات؟

وكم من دعوات سترفع إليه سبحانه من مساجد المسلمين وبيوتهم في هذا اليوم العظيم في مشارق الأرض ومغاربها؟! فقد أخرج الأمام مسلم في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ” صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده “.

فيا له من عمل صالح يسير يؤديه المسلم في وقت قصير يحوز بعده مغفرة السنة الماضية والسنة المقبلة من ذنوبه وسيئاته ، ويوم عرفة يوم عظيم، يوم حافل بالهبات والخيرات، ووافر بالمنح والبركات؛ فيه يُعتق الله عزَّ وجل من العباد من النار ما لا يعتق فيما سواه، ففي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله قال: ” ما من يوم أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة “.

ويوم عرفة يوم تستجاب فيه الدعوات وتسكب فيه العبرات وتقال فيه العثرات ويتفضل فيه رب الأرض والسموات، فتوبوا إلى الله تعالى وتقربوا إليه في هذا اليوم، تضرعوا إلى الله بالدعاء، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ” ..

وفي يوم عرفه ذلك اليوم العظيم نستذكر ذلك الحدث التاريخي، حين وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الموقف المشهود، وقف على صعيد عرفة في يوم جمعة، وقد اجتمع حوله أكثر من مائة ألفٍ من الصحابة، فخطب خطبته الخالدة فكان مما قاله لهم ولنا ولمن سيأتي بعدنا ..

“أيها الناس، إنه لا نبي بعدي، ألا فاعبدوا ربكم، أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم بينكم حرام، فلا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، وإن ربا الجاهلية موضوع، وقضى الله أنه لا ربا، واستوصوا بالنساء خيرا، إن لنسائكم عليكم حقا، ولكم عليهن حق، أن ربكم واحد، وإن إلهكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم“.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: ”ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد“ في ذلك اليوم ودع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بتلك الكلمات الحزينة، فقال لهم:”لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا”

فما أعظمه من مشهد هذا اليوم أن ترى الناس في عرفة وفي سائر البلدان قد لجئوا إلى ربهم وتضرعوا إلى مولاهم، بالحمد والثناء يلهجون، وبالبكاء والدعاء يضجّون، قلوبهم منكسرة، ودموعهم منهمرة ، فلو رأيتهم وقد سألوا ربهم خاشعين، ورفعوا أكف الافتقار إليه متضرعين، وأسبلوا العبرات متذللين، يقولون يا ربنا لقد تعاظمت منا المعاصي والذنوب، وتراكمت علينا النقائص والعيوب، ونحن يا مولانا في عفوك طامعون، ولخيرك وجودك مؤملون، فنحن الفقراء إليك، الأسارى بين يديك، إن قطَعتنا فمن يصلنا؟ وإن أعرضت عنا فمن يقرّبنا؟ فارحم خضوعنا، وأقبل خشوعنا، وأجبر قلوبنا، واغفر ذنوبنا، إنك سميع مجيب.

ويتجلى هناك موقف الإنسانية والأخوة والمساواة، فلا رئيس ولا مرؤوس، ولا حاكم ولا محكوم، ولا غني ولا فقير، ولا أمير ولا مأمور، ولا أبيض ولا أسود ولا أصفر، الكل عبيد لله، الكل يناجي ربه العظيم لينالوا مغفرته ورضوانه.

فأين من يتعرضون لنفحات الله تبارك وتعالى؟ أين من يتعرضون لمغفرة الله وكرمه؟ أين من يغتنمون هذا اليوم بالتجارة مع الله تعالى كما يغتنمه أهل الدنيا بتجارة الدنيا؟ هذا يوم عرفة، يوم المغفرة، فإذا كان الحجيج وهم واقفون في عرفات ينعمون برحمات الله تعالى وغفرانه ورضوانه.. فان أبواب الرحمة والمغفرة والرضوان مفتوحة أمامنا ونحن في بيوتنا باستغلالنا لهذا اليوم بطاعة الله تعالى….

وإن يوم عرفة يوم أقسم الله به، والعظيم لا يقسم إلاّ بعظيم، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ ويوم عرفة هو من أفضل الأيام عند الله… أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، وهذا ما اخبر عنه الصادق المصدوق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ويوم عرفة صيامه يكفر ذنوب سنتين، وهذا ما أخبرنا به نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم بأن صيامه فيه الأجر العظيم والثواب الكبير، هذا الأجر وهذا الثواب هو مغفرة ذنوب سنتين ..

ويوم عرفة يوم يغيظ الشيطان، يوم يعم الله عباده بالرحمات ويكفر عنهم السيئات، ويمحو عنهم الخطايا والزلات، مما يجعل إبليس يندحر صاغرا ويوم عرفة يوم يرجى إجابة الدعاء فيه، وهذا اخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم …

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *