Share Button
فى طريق النور ومع إنسانية الحضارة الإسلامية ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع إنسانية الحضارة الإسلامية، وقد تطور مصطلح الحضارة مع تعاقب العصور وتعددت تعريفاته والرؤى الخاصة به، فرأى ابن خلدون أن الحضارة هي التفنن في الترف بما يشمل الملابس، والمباني، والمطابخ، وكل ما يخص المنزل والأمور التابعة له، كما يعرَّفها ابن خلدون بأنها أحوال عادية من أحوال العمران تزيد عن الضروري بدرجات مختلفة ومتفاوتة تبعا لتفاوت الرفاهية، وتفاوت الأمم بقلتها وكثرتها، فإن من ينظر إلى الواقع الأليم يجد انحدارا ملحوظا في المعاني الإنسانية التي تربي عليها آباؤنا وأجدادنا ولذلك حينما تجلس مع أحد من كبار السن تجد هذه المعاني متأصلة فيهم وتجدها في سلم الانحدار فيمن بعدهم من شباب الموضة والمظاهر الخداعة.
وفي ذلك يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أتى على الناس زمان كان الرجل يدخل السوق ويقول من ترون لي أن أعامل من الناس؟ فيقال له عامل من شئت، ثم أتى زمان آخر كانوا يقولون عامل من شئت إلا فلانا وفلانا، ثم أتى زمان آخر فكان يقال لا تعامل أحدا إلا فلانا وفلانا، وأخشى أن يأتي زمان يذهب هذا أيضا، وكأنه قد كان الذي كان يحذر أن يكون، فما أحوج الأمة الإسلامية إلى تطبيق المعاني الإنسانية التي تربى عليها الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، هذه الإنسانية جعلت الواحد منهم يقضي كله من أجل احترام إنسانية الإنسان الذي أمامه مهما كان موضع كل منهما، فهذه خولة بنت ثعلبة ذات يوم مرت بعمر بن الخطاب رضي الله عنه أيام خلافته، وكان خارجا من المنزل.
فاستوقفته طويلا ووعظته قائلة له يا عمر، كنت تدعى عميرا، ثم قيل لك عمر، ثم قيل لك يا أمير المؤمنين، فاتقى الله يا عمر فإن من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه واقف يسمع كلامها بخشوع، فقيل له يا أمير المؤمنين، أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف كله؟ فقال عمر والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت “إلا للصلاة المكتوبة” ثم سألهم أتدرون من هذه العجوز؟ قالوا لا، قال رضي الله عنه هي التي قد سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أفيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟” ويرى إبن الأزرق أن الحضارة هي النهاية في العمران الذي يؤدي إلى الفساد، والغاية في ظهور الشر الذي يبعد عن الخير.
وينوّه إلى أن من سلم منها فلا محال من اقترابه من الخير، أمّا في العصر الحديث فتعرف الحضارة بأنها نظام اجتماعي يساعد الأفراد على رفع معدل إنتاجهم الثقافي، وأن نقطة البداية للحضارة هي نقطة انتهاء الاضطراب والقلق، كما أن الحضارة مكونة من أربعة عناصر أساسية ألا وهي النظم السياسية، والموارد الاجتماعية، والتقاليد الخلقية، وأخيرا متابعة العلوم والفنون، أما نشأتها فهي من تفاعل الثقافات والأعراق المختلفة التي تنتهي جميعها في تشكيل الحضارة، ويمكن القول إن الحضارة لا ترتبط بعرق معين، أو جنس محدد، أو شعب من الشعوب، إلا أنه يمكن أن تنسب الحضارة إلى منطقة جغرافية من العالم، أو أمة معينة من الأمم.
وتعد الحضارة الإسلامية إرثا تتشارك فيه جميع الشعوب والأمم التي انضمت لها وساهمت في بنائها وازدهارها، فهي ليست حضارة مقتصرة على جنس معين من البشر أو الأقوام، وإنما حضارة شاملة لجميع الأجناس التي كانت لها مساهمة في بنائها، وتشمل الحضارة الإسلامية في مفهومها على نوعين، أولهما الحضارة الإسلامية الأصيلة وهي حضارة الإبداع التي يعد الدين الإسلامي المصدر والمنبع الوحيد لها، وثانيهما حضارة البعث والإحياء لأنها نتجت عن تطبيق المسلمين لأمور تجريبية مختلفة، كما يقصد بالحضارة الإسلامية مجموعة الجهود المبذولة من خلال العلماء المسلمين، وأدت إلى إخراج نظريات ناجحة في التكنولوجيا والعلوم على مستوى العالم.
قد تكون صورة لـ ‏‏‏شخص واحد‏، ‏وقوف‏‏ و‏بدلة‏‏
Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *