Share Button

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع الإيمان وطريق الهداية، وإن من الغرائز التي أودعها الله في النفوس حب استجلاء المستقبل والتخوّف من العواقب، ولكي تسير في اتجاهها تلجأ يمينا وشمالا للبحث عما يحقق قبسا من أملها أو راحة من ضمير، ولا يمحو هذا القلق والحيرة من النفوس، إلا يقين يزيل دواعي هذا القلق، ويقضى على مسبباته، والإيمان بالقدر خيره وشره، واليقين بأن ما قدّره الله كائن لا محالة والرضا بما قسم الله عز وجل من أقوى دعائم هذا اليقين، فإن من يسير بغير هدى، أو معرفة لشرع الله الذي شرع لعباده، فإنه كالمسافر في طريق لا يعرف اتجاهه، وطرق المسالك في العبادة والعقيدة كالطرق الموصلة من مكان لمكان، فالذي يأخذ المعروف منها بعلاماته وإرشاداته.
فإنه قد سلك الآمن الموصل، أما غيره من الطرق فإنها تؤدى للضياع والاضطراب النفسي، وتدعو للخوف على النفس من المخاطر العديدة، وعلى المال والممتلكات، فيقول الله عز وجل ” ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذالكم وصاكم به لعلكم تتقون” ويقترن بتلك الأمور كلها الخوف، فهو مصاحب للاضطراب، بل هو المحرك له وهو المؤثر في القلق، كما أنه هو الذي يثير التيهان، ويدعو لعدم الاطمئنان، فالخوف على المصير، والخوف من المستقبل، والخوف من النتائج، والخوف مما يحيط بالإنسان على نفسه وولده وماله، وكل عزيز لديه، لأن أنواع الخوف كثيرة، ودواعيها عديدة القياس لكن منهجها واحد، ويقص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا.
ولما أتى عابدا ليس له من العلم شيء، وذكَر له حاله وسأله هل له من توبة؟ فقال له لا، وأيئسه من إمكانية تعديل سلوكه، فلما عرف أنه لا توبة له، قتل هذا العابد، فكمّل به مائة، ولكن التوبة ظلت تنازعه، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدلّ على رجل عالم فسأله، فقال له ومَن يحول بينك وبين التوبة؟ فتاب فكان من الناجين، فإن الذين تزل أقدامهم بالوقوع في جريمة من المسلمين يناديهم ربهم عز وجل فيقول ” لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا” وبذلك لا يصنف من وقع مرة في جريمة في زمرة المجرمين الذين يشكلون في بعض المجتمعات قطاعا خاصا وطائفة معينة، إن الدين يدعوهم دائما إلى التوبة وإلى العودة إلى الطريق المستقيم، فإن عادوا فرح الله بتوبتهم فرحا شديدا أشد من فرح من ضلت عنه ناقته.
وهو في الصحراء، وعليها طعامه وشرابه ثم وجدها، وأحبّهم، فيقول تعالى فى سورة البقرة ” إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين” وهذا مشهد من مشاهد يوم القيامة يوضح فيه أهل العلم الذين آمنوا بالله عز وجل حقيقة معرفتهم ما أوجبه الله عليهم، بما عملوه من العلم النافع المفيد، فطبقوه في حياتهم، واطمأنت به قلوبهم في يوم الفزع الأكبر، والخوف الشديد، فهم يقولون ذلك وبراحة نفس، واطمئنان قوي، حيث أمّن الله روعهم، وسكن قلوبهم بعقيدة الإيمان، فيقول تعالى “وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم فى كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون” فأصبحت علومهم الدنيوية، ومقدرتهم في اللجاج والحجج لم تنفعهم، ولم يعتبر ذلك علما لأنه لم ينقذهم من أهوال ذلك اليوم.
ولم يوصلهم لباب من أبواب الاطمئنان والهدوء النفسي، عندما وقعوا في الأمر، ووصلوا إلى يوم البعث والجزاء، يوم القلق النفسي، أو الراحة أو الاطمئنان والنتيجة هذه لا تتأتى إلا بالعمال وفق منهج كتاب الله، وهدي رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، اللذين فيهما الدواء لكل داء، ولذا قال بعض العارفين من علماء الإسلام في صدره الأول إذا سمعت في كتاب الله “يا أيها الذين آمنوا” فأصغ إليها سمعك، فهو إما خير يأمرك الله به، أو شر يحذرك الله منه، وإن موقف يوم القيامة يختلف عن المواقف الدنيوية، بل إن الإيمان في ذلك الموقف بعد أن تذهل النفوس، وتضطرب القلوب من هول ما ترى لا ينفع لأن وقت الإيمان والتبصر قد انتهى، فالإيمان وقته الحياة الدنيا، حيث الفسحة من العمر، وحيث الابتلاء والاختبار.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *