Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء التاسع مع الحياة الآمنة والفساد، ولما خاف موسى أعلمه ربه أنه من الآمنين ليهدأ روعه، وتسكن نفسه، ولما عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة يوم فتحها ذكرهم بما ينالون به من الأمن مما يدل على أهميته لدى المؤمنين والكافرين، ولأهمية الأمن ومكانته في الإسلام أعلاه العلماء منزلة أعظم من نعمة الصحة، فقال الرازي رحمه الله سئل بعض العلماء الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال الأمن أفضل، والدليل عليه أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان، ثم إنها تقبل على الرعي والأكل ولو أنها ربطت في موضع وربط بالقرب منها ذئب فإنها تمسك عن العلف ولا تتناوله إلى أن تموت، وذلك يدل على أن الضرر الحاصل.
من الخوف أشد من الضرر الحاصل من ألم الجسد، ولأهمية الأمن أكرم الله به أولياءه في جنته ودار كرامته لأنه لو فقد فقد النعيم، وإن الأمن والاستقرار إذا عم البلاد، وألقى بظله على الناس، أمن الناس على دينهم وأنفسهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم ومحارمهم، ولو كتَب الله الأمن على أهل بلد من البلاد، سار الناس ليلا ونهارا لا يخشون إلا الله وفي رِحاب الأمن وظله تعم الطمأنينة النفوس، ويسودها الهدوء، وتعمها السعادة، وإن مكانة الأمن كبيرة، ولذلك كان نبيكم صلَى الله عليه وسلم إذا دخل شهر جديد ورأى هلاله سأل الله أن يجعله شهر أمن وأمان، فيقول “اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله ” رواه أحمد والحاكم والترمذي.
فالأمن تحقن فيه الدماء، وتصان الأموال والأعراض، وتنام فيه العيون، وتطمئن المضاجع، ويتنعم به الكبير والصغير والإنسان والحيوان، فالأمن من نعم الله العظمى وآلائه الكبرى، لا تصلح الحياة إلاَ به، ولا يطيب العيش إلا باستتابته، فإن نعمة الأمن لها علاقة وطيدة بالتنمية ونهضة المجتمع فإذا عم الأمن البلاد والعباد أصبح كل فرد منتجا وفعالا، فكم من مصانع أغلقت وشركات أعلنت إفلاسها وأماكن سياحية توقف نشاطها وتجارات بارت بسبب زعزعة الأمن ونشر الفوضى في المجتمع، لذلك يجب علينا أن نسعى جاهدين من أجل تحقيق الأمن في بلادنا وأوطاننا، لأنه في ظل انعدام الأمن لا تنهض أمة ولا تقوم حضارة.
ألم تجد أن الله تعالى منّ على ثمود قوم صالح بنعمة الأمن التي كانت من أسباب نهضة دولتهم وقيام حضارتهم؟ فلو انعدم الأمن ما استطاعوا أن ينحتوا بيوتا من الخشب فضلا عن الجبال، ولهذا امتن الله على سبأ حيث أسكنهم الديار الآمنة، فتمكنوا من بناء حضارتهم، وتشييد مملكتهم، وإنه في ظل انعدام الأمن يئن المريض فلا يجد دواء ولا طبيبا، وتختل المعايش، فتهجر الديار، وتفارق الأوطان، وتتفرق الأسر، فلا توصل الأرحام، وتنقَض العهود والمواثيق، ويتعسر طلب الرزق، وتتبدل طباع الخلق، فيظهر الكذب ويغيب الصدق، ويصدق الكاذب ويكذب الصادق، ويؤتمن الخائن ويخون الأمين وتقتل نفوس بريئة، وترمَّل نساء، ويُيتم أطفال ولا حول ولا قوة إلا بالله رب العالمين.
وإن أثر الأمن لا يقتصر على التنمية وقيام الحضارة ونهضة الأمة اقتصاديا واجتماعيا فحسب، بل يؤثر ذلك على أداء العبادات والطاعات والمناسك لله رب العالمين، فالعبادة لا يتأتى القيام بها على وجهها إلا في ظل الأمن، ولو انتقلنا إلى عملية نشر الدعوة الإسلامية نجد أن انتشارها يكون في وقت الأمن أكثر من غيره من الأوقات، وهكذا نعلم أن للأمن أثره الفعال في التنمية ونهضة الأمة في جميع مجالات الحياة، فبالأمن تصلح الحياة، وتنبسط الآمال، وتتيسر الأرزاق، وتزيد التجارات، وبالأمن تفشو معه الماشية، وتكثر الأمة، وبالأمن تتقدم معه التنمية، وينتشر فيه العلم والتعليم، ويعز فيه الدين والعدل، ويظهر فيه الأخيار على الأشرار.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *