Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

نكمل الجزء الثالث مع معاويه بن أبى سفيان مؤسس الدوله الأمويه، وكانت شهادة الذهبي له: حيث يقول: وحَسبُك بمن يؤمِّره عمر ثم عثمان على إقليم فيضبطه، ويقوم به أتم قيام، ويُرضي الناس بسخائه وحلمه، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفَرط حلمه وسعة نفسه، وقوه دهائه ورأيه، وهكذا يكاد ينعقد إجماع علماء الأمة من الصحابة والتابعين ومن تلاهم على الثناء على معاوية رضي الله عنه وجدارته بالخلافة، وحُسن سياسته وعدله، مما مكَّن له في قلوب الناس، وجعلهم يجمعون على محبته، ويقول ابن تيمية رحمه الله: وكانت سيرة معاوية في رعيته من خيار سير الولاة وكانت رعيته تحبه، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

أنه قال: “خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتُصلُّون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم” وقد ورد كثير من الأخبار بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه فقد روى الترمذي في فضائل معاوية رضي الله عنه أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلة عليه، فقالوا: كيف يتولى معاوية وفي الناس من هو خير مثل الحسن والحسين؟ فقال عبد الرحمن بن أبي عميرة، وهو أحد الصحابة: لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اجعله هاديًا مهديًا وَاهْد به ” رواه أحمد، وكانت صلاته رضي الله عنه أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فرُوي عن أبي الدرداء أنه قال: ما رأيت أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، من أميركم هذا، ويعني معاوية بن أبى سفيان، وكما ثبت في الصحيح أنه كان فقيهًا حيث يعتد الصحابة بفقهه واجتهاده، فقد روى البخاري في صحيحه في كتاب المناقب عن أبي مليكة قال: أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس فأخبره، فقال: دعه، فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أخرى قيل لابن عباس: “هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: أصاب إنه فقيه، وقد كان لمعاوية رضي الله عنه، شرف قيادة أول حملة بحرية، وهي التي شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم بالملوك على الأَسِرَّة.

وعن أنس بن مالك رضى الله عنه، عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: نام النبي صلى الله عليه وسلم يومًا قريبًا مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما أضحك؟ قال: أناس من أمتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة، قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت من الأولين، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيًا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية رضي الله عنه، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين فنزلوا الشام، فَقُرِّبت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت” رواه البخاري، وقد قال ابن حجر معلقا على رؤيا رسول الله صلى الله عليه سلم، قوله: ” ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة “

ويشعر بأن ضحكه كان إعجابًا بهم، فرحًا لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة، وأيضا عن أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا” فقالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: أنتِ فيهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم “أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر، أي القسطنطينية، مغفور لهم” فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: ” لا ” ومعنى أوجبو: أي فعلوا فعلاً ووجبت لهم به الجنة، وقال ابن حجر، ومن المتفق عليه بين المؤرخين أن غزو البحر وفتح جزيرة قبرص كان في سنة سبعه وعشرين من الهجره، في إمارة معاوية رضي الله عنه على الشام أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه.

وكان من فضائل معاويه بن أبى سفيان، هو ما قاله الخلال: أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت: لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كل صهر ونسب فيقطع إلا صهري ونسبي”؟ قال: بلى، قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: نعم، له صهر ونسب، قال: وسمعت ابن حنبل يقول: ما لهم ومعاوية، وكان معاوية رضي الله عنه موضع ثقة النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك جعله من جملة الكتاب بين يديه صلى الله عليه وسلم الذين يكتبون الوحي له، فقد روى هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن السيده عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “لما كان يوم أم حبيبة من النبي صلى الله عليه وسلم، دقَّ الباب دَاق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا من هذ؟ قالوا: معاوية.

قالوا: ائذنوا له، فدخل وعلى أذنه قلم يخط به، فقال: ما هذا القلم على أذنك يا معاوية؟ قال: قلم أعددته لله ولرسوله، فقال: جزاك الله عن نبيك خيرًا، والله ما استكتبتك إلا بوحي من الله، وما أفعل صغيرة ولا كبيرة إلا بوحي من الله” وكذلك كان رضي الله عنه موضع ثقة الخلفاء الراشدين من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحق أن معاوية كان أهلاً لهذه الثقة، فلذلك ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان، ثم جاء بعد عمر عثمان بن عفان رضي الله عنهما فجعل معاوية واليًا على الشام كله، وحسبك بمن ولاه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم، فقد كان معاوية رضي الله عنه أهلاً للإمارة والخلافة معًا، ومن أجل هذه الأهلية ظل أميرًا على الشام عشرين سنة.

وكذلك ظل خليفة للمسلمين ما يقرب من عشرين سنة فلم يهجه أحد في دولته بل دانت له الأمم، وحكم على العرب والعجم، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك، وكانت سياسته حكيمه ورشيده، فقد قام بإنشاء الدواوين المركزية، فأنشأ ديوان الرسائل، وهو الهيئة المشرفة على تحرير رسائل الخليفة وأوامره وعهوده، وأيضا أنشأ ديوان الخاتم، وهو لتحقيق السرية والأمان لمراسلات الدولة، وكذلك أنشأ ديوان البريد، حيث أدخل نظام البريد إلى الدولة الإسلامية في دمشق، وكذلك أنشأ نظام الكتبة، وهو حيث عين كاتب لديوان الرسائل، وكاتب لديوان الخراج، وثالث لديوان الجند، ورابع لديوان، الشرطة وخامس لديوان القضاء.

وكان فى خلافته هو توطين الأمن في خلافته، فقام بعمل وظيفة الحاجب، حيث كان أول من اتخذ الحاجب في الإسلام، لكي يتجنب محاولات الاعتداء عليه، وكذلك وظيفة الحرس، وهو أيضا أول من اتخذ الحرس في الدولة الإسلامية، خوفا من الخوارج الذين يريدون قتله، وكذلك قام بإشاء الشرطة، وكانت وظيفتها المحافظة على الأمن والنظام، وكان لديه حسن اختيار الرجال والأعوان، وكذلك استخدام المال في تأكيد الولاء، واتباع سياسة الشدة واللين، وكما قام بإنشاء جهاز المخابرات، فى عهده حيث كانت الأجهزة الداخلية والخارجية في عهد معاوية قوية جدًا، وما يدل على قوتها، هو اطلاعه على المراسلات التي بين الحسين وأهل العراق.

وكذلك علم قصة الأسير المسلم عند البيزنطين، الذي لطم على وجهه بين يدي ملك الروم وقول الأسير، وهو عندما قال : وا إسلاماه أين أنت يا معاوية، ووصل الخبر عند معاوية، وكذلك كان لديه الاهتمام ببناء الجيش الإسلامي، وقد تولى معاوية بن أبي سفيان الشام بعد أخيه يزيد في زمن عمر بن الخطاب، ولم يزل بها متوليا حاكما إلى أن مات، ودام حكمه أربعون سنة منها في أيام عمر أربع سنين أو نحوها، ومدة خلافة عثمان، وخلافة علي بن أبي طالب، وابنه الحسن بن علي، وذلك تمام عشرين سنة، ثم استوثق له الأمر بتسليم الحسن بن علي بن أبى طالب، إليه في سنة واحد وأربعين هجرية، ودام له عشرين سنة، ومات في شهر رجب بدمشق، وله ثمان وسبعون سنة.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *