Share Button
فى طريق النور ومع الدنيا والتجاره الرابحة ” الجزء الثالث “
إعداد / محمــــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع الدنيا والتجارة الرابحة، وهكذا القمار وخطورته، وموقف الإسلام الشديد في تحريمه، لما يسببه من أكل للمال بالباطل، ومن شقاق ونزاع بين الناس، وما يورث صاحبه من توترات واضطرابات، قد تصل إلى أمراض عصبية خطيرة، وأن القمار عندنا تحركه أياد خفية، تريد تطبيع المسلمين معه، وجعله ظاهرة متفشية، تتكسر عندها كل دعوة للشجب والإنكار، وأيضا فإن هناك ظاهرة تؤرق الغيورين المجتهدين في التغيير، وتؤرق الاقتصاديين التواقين إلى الاستثمار الحلال للأموال، وتؤرق السياسيين الذين يعملون لإيجاد مخرج من مأزق هذه الآفة الخطيرة، التي أصبحت عندنا أخطبوطا يتنامى يوما عن يوم.
كلما حاول أصحاب النوايا الحسنة محاربته، كلما ازداد شراسة وضراوة، حتى صار واقعا يوميا، في الإدارات العمومية، والخاصة، وفي معظم المصالح التي أنشئت لخدمة المواطن، حتى قيل بأنها أقدم مهنة في البلاد، إنها الرشوة، التي أَرّقت العالم، فجعل لها يوم عالمى، ومع ذلك، لا تزيد الرشوة إلا استفحالا، متخذة طرقا جديدة، ووسائل فيها من المكر والخبث، ما جعل أصحابها في مأمن من المحاسبة، نعم، المحاسبة التي كانت في الإسلام مبدأ عظيما للحفاظ على المال العام والخاص، فقد استعمل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبو هريرة رضي الله عنه على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فَقَال له عمر “استأثرت بهذه الأموال، فمن أين هذا ؟”
قَال “خيل نتجت، وغلة رقيق لى، وأعطية تتابعت علي” قال ابن سيرين ” فنظروا، فوجدوه كما قال” فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر ليستعمله، فأبى أن يعمل له، فقال له عمر” تكره العمل وقد طلبه من كان خيرا منك؟ طلبه يوسف عليه السلام؟” فقال أبو هريرة “إن يوسف نبي، ابن نبي، ابن نبي، ابن نبي، وأنا أبو هريرة بن أميمة، وأخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حلم، أو يضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضى” فهكذا كان الأمين على أموال المسلمين يسأل عن سبب ثراء موظفيه، وهكذا كان الموظفون يستقيلون من وظائفهم إذا علموا أن أصابع الشك قد تشير إليهم، وإمعانا في الاحتياط من استغلال النفوذ، قال العلماء.
“لا ينبغي للقاضي أن يتولى الشراء لنفسه، خشية المحاباة، ولا يشترى له من يُعلم أنه من طرفه، حفاظا على القاضي من ريبة الرشوة” ومن الصور المشرقة لورع الولاة وحرصهم على الأموال العامة للمسلمين، ما نقله ابن الجوزي عن موسى بن عقبة قال “لما ولي عياض بن غنم رضي الله عنه، قدم عليه نفر من أهل بيته يطلبون صلته، فلقيهم بالبشر، وأنزلهم وأكرمهم، فأقاموا أياما ثم كلموه في الصلة، وأخبروه بما لقوا من المشقة في السفر رجاء صلته، فأعطى كل رجل منهم عشرة دنانير، وكانوا خمسة ، فردوها، وتسخطوا، ونالوا منه، فقال أي بني عم، والله ما أنكر قرابتكم، ولا حقكم، ولا بعد شقتكم، ولكن والله ما حصلت إلى ما وصلتكم به إلا ببيع خادمي.
وببيع ما لا غنى بي عنه، فاعذرونى، قالوا والله ما عذرك الله، فإنك والي نصف الشام، وتعطي الرجل منا ما جهده أن يبلغه إلى أهله؟ قال فتأمرونني أسرق مال الله؟ فوالله لأن أشق بالمنشار أحبّ إليّ من أن أخون فلسا أو أتعدى” ومن أفضل تعريف للرشوة، هو تعريف الجرجاني الذي قال “الرشوة ما يعطى لإبطال حق، أو لإحقاق باطل” فالذى يدفع مالا لينجح في امتحان، أو مباراة وظيفة، أو تفويت صفقة لصالحه، يكون قد اعتدى على حق غيره المستحق لهذا المنصب بعلمه وكفاءته، فتشغل المناصب بأشخاص لا يملكون كفاءة، ولا يملكون ضميرا ولا إخلاصا، بل ربما مارسوا على المواطنين من ضروب التهاون والتماطل، ما يجرئهم على الابتزاز.
قد تكون صورة لـ ‏‏‏شخص واحد‏، ‏نظارة‏‏ و‏منظر داخلي‏‏
Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *