Share Button
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع شهر رجب، وقد توقفنا عند القتال في الشهر الحرام، ولقد قال الله تعالى “يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير” وقال جمهور العلماء على أن القتال في الأشهر الحرم منسوخ بقوله تعالى “فإذا أنسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم” وغير ذلك من العمومات التي فيها الأمر بقتالهم مطلقا، واستدلوا بأن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قاتل أهل الطائف في ذي القعدة وهو من الأشهر الحرم، وقال آخرون لا يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم وأما استدامته وتكميله إذا كان أوله في غيرها فإنه يجوز، وحملوا قتال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الطائف على ذلك لأن أول قتالهم في حنين في شوال، وكل هذا في القتال الذي ليس المقصود فيه الدفع ، فإذا دهم العدو بلدا للمسلمين وجب على أهلها القتال دفاعا سواء كان في الشهر الحرام أو في غيره، وأما عن الصوم في شهر رجب، فإنه لم يصح في فضل الصوم في شهر رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، وإنما يشرع فيه من الصيام ما يشرع في غيره من الشهور، من صيام الاثنين والخميس والأيام الثلاثة البيض وصيام يوم وإفطار يوم، والصيام من سرر الشهر وسرر الشهر قال بعض العلماء أنه أول الشهر وقال البعض أنه أوسط الشهر وقيل أيضا أنه آخر الشهر، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهى عن صيام رجب لما فيه من التشبه بالجاهلية كما ورد عن خرشة بن الحر قال “رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام.
ويقول “كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية” وقال الإمام ابن القيم رحمه الله، ولم يصم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة الأشهر سردا، أي رجب وشعبان ورمضان، كما يفعله بعض الناس ولا صام رجبا قط ولا استحب صيامه، وقال الحافظ ابن حجر في تبين العجب بما ورد في فضل شهر رجب، لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ وكذلك رويناه عن غيره، وفي الفتاوى فقد قيل “أما تخصيص أيام من رجب بالصوم فلا نعلم له أصلا في الشرع” ولقد كانت العرب في الجاهلية تذبح ذبيحة في رجب يتقربون بها لأوثانهم، فلما جاء الإسلام بالذبح لله تعالى بطل فعل أهل الجاهلية واختلف الفقهاء في حكم ذبيحة شهر رجب فذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن فعل العتيرة منسوخ واستدلوا بقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “لا فرع ولا عتيرة” رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، وذهب الشافعية إلى عدم نسخ طلب العتيرة وقالوا تستحب العتيرة وهو قول ابن سيرين، وقال ابن حجر، ويؤيده ما أخرجه ابوداود والنسائي وابن ماجة وصححه الحاكم وابن المنذر عن نبيشة قال نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اذبحوا في أي شهر كان” وقال ابن حجر “فلم يبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم العتيرة من أصلها.
وإنما أبطل خصوص الذبح في شهر رجب” وأما عن العُمرة في شهر رجب، فإنه قد دلت الأحاديث على أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في شهر رجب كما ورد عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر رضى الله عنهما جالس إلى حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها فسئل كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أربعا إحداهن في رجب، فكرهنا أن نرد عليه قال وسمعنا إستنان عائشة أم المؤمنين، أي صوت السواك، في الحجرة فقال عروة يا أماه يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن ؟ قالت ما يقول ؟ قال يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب، قالت يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهد، أي حاضر معه، وما اعتمر في رجب قط” متفق عليه أى رواه البخارى ومسلم، وجاء عند مسلم، وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم، وقد قال النووي، سكوت ابن عمر رضى الله عنهما على إنكار السيدة عائشة رضى الله عنها يدل على أنه كان اشتبه عليه أو نسي أوشك، ولهذا كان من البدع المحدثة في مثل هذا الشهر تخصيص رجب بالعمرة واعتقاد أن العمرة في رجب فيها فضل معين ولم يرد في ذلك نص إلى جانب أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه اعتمر في رجب، وقيل مما بلغ عن أهل مكة زادها الله شرفا هو إعتياد كثرة الاعتمار في رجب وهذا مما لا أصل له، بل ثبت في الحديث أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال ” عمرة في رمضان تعدل حجة”
وقيل أيضا أما تخصيص بعض أيام شهر رجب بأى شيء من الأعمال الزيارة وغيرها فلا أصل له لما قرره الإمام أبو شامة في كتاب البدع والحوادث وهو أن تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع لا ينبغي إذ لا فضل لأي وقت على وقت آخر عدا ما فضله الشرع بنوع من العبادة أو فضل جميع أعمال البر فيه دون غيره ولهذا أنكر العلماء تخصيص شهر رجب بكثرة الاعتمار فيه، ولكن لو ذهب الإنسان للعمرة في شهر رجب من غير اعتقاد فضل معين بل كان مصادفة أو لأنه تيسر له في هذا الوقت فلا بأس بذلك، وأما عن البدع المحدثة في شهر رجب، فإن الابتداع في الدين من الأمور الخطيرة التي تناقض نصوص الكتاب والسنة فالنبي الكريم محمد صلى الله عليه لم يمت إلا وقد اكتمل الدين فقال الله تعالى فى كتابه الكريم” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ” وجاء عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد” متفق عليه وفي رواية لمسلم قال صلى الله عليه وسلم “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” وقد ابتدع بعض الناس في شهر رجب أمورا متعددة فمن ذلك هو صلاة الرغائب وهذه الصلاة شاعت بعد القرون المفضلة وبخاصة في المائة الرابعة وقد اختلقها بعض الكذابين وهي تقام في أول ليلة من شهر رجب، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن صلاة الرغائب بدعة بإتفاق أئمة الدين كمالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث وغيرهم.
وإن الحديث المروي فيها كذب بإجماع لأهل المعرفة بالحديث، وقد روي أنه كان فى شهر رجب حوادث عظيمة ، ولم يصح شيء من ذلك، فروي أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وُلد في أول ليلة منه، وأنه بعث في ليلة السابع والعشرين منه، وقيل في الخامس والعشرين، ولا يصح شيء من ذلك، وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم، كان في السابع والعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره، فأصبح من بدع هذا الشهر قراءة قصة المعراج والاحتفال بها في ليلة السابع والعشرين من رجب وتخصيص تلك الليلة بزيادة عبادة كقيام ليل أو صيام نهار، أو ما يظهر فيها من الفرح والغبطة، وما يقام من احتفالات تصاحبها المحرمات الصريحة كالاختلاط والأغاني والموسيقى وهذا كله لا يجوز في العيدين الشرعيين فضلا عن الأعياد المبتدعة، أضف إلى ذلك أن هذا التاريخ لم يثبت جزما وقوع الإسراء والمعراج فيه، ولو ثبت فلا يعد ذلك شرعا مبررا للاحتفال فيه لعدم ورود ذلك عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضوان الله عليهم ولا عن أحد من سلف هذه الأمة الأخيار ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وكذلك من البدع فى شهر رجب هو صلاة أم داود في نصف رجب، والتصدق عن روح الموتى فى شهر رجب، والأدعية التي تقال في شهر رجب بخصوصه كلها مخترعة ومبتدعة، وتخصيص زيارة المقابر في شهر رجب وهذه بدعة محدثة أيضا فالزيارة تكون في أي وقت من العام، وقد عقد ابن حجر في هذه رسالتة فصلا ذكر فيه.
أحاديث تتضمن النهى عن صوم رجب كله، ثم قال هذا النهي منصرف إلى من يصومه مُعظما لأمر الجاهلية، أما إن صامه لقصد الصوم في الجملة من غير أن يجعله حتما أو يخص منه أياما معينة يواظب على صومها، أو ليالى معينة يواظب على قيامها، بحيث يظن أنها سنة، فهذا من فعله مع السلامة مما استثنى فلا بأس به، فإن خص ذلك أو جعله حتما فهذا محظور، وهو في المنع بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم “لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام” رواه مسلم، وإن صامه معتقدا أن صيامه أو صيام شيء منه أفضل من صيام غيره ففي هذا نظر، ومال ابن حجر إلى المنع، ونقل عن أبي بكر الطرطوشي في كتاب البِدع والحوادث، أن صوم رجب يُكره على ثلاثة أوجه، أحدها أنه إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام حسب العوام، إما أنه فرض كشهر رمضان، وإما سنة ثابتة كالسنن الثابتة، وإما لأن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام باقي الشهور، ولو كان من هذا شيء لبينه النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، وقال ابن دحية، الصيام عمل بِر، لا لفضل صوم شهر رجب فقد كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه ينهى عنه، هذا وقد حرص الناس والنساء بوجه خاص على زيارة القبور في أول جمعة من شهر رجب وهذا ليس له أصل من الدين، ولا ثواب لها أكثر من ثواب الزيارة في غير هذا اليوم، والأولى في شهر رجب أن نتذكر الأحداث التاريخية التي وقعت فيه مثل غزوة تبوك لنأخذ منها العبرة، ونتذكر تخليص صلاح الدين الأيوبي للقدس من أيدي الصليبيين في شهر رجب.
ليتوحد العرب والمسلمون لتطهير المسجد الأقصى من رأس الغاصبين، ولقد فضل الله سبحانه وتعالى، بعض الأيام والليالي والشهور على بعض، حسبما اقتضته حكمته البالغة ليجد العباد في وجوه البر، ويكثروا فيها من الأعمال الصالحة، ولكن شياطين الإنس والجن عملوا على صد الناس عن سواء السبيل، فزينوا لطائفة من الناس أن مواسم الفضل والرحمة مجال للهو والراحة، فابتدعوا أمورا وأعمالا لم ترد على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وإن الابتداع في الدين من الأمور الخطيرة التي تناقض نصوص الكتاب والسنة فالنبي الكريم صلى الله عليه لم يمت إلا وقد اكتمل الدين، وكان من أواخر ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى كما جاء فى سورة المائدة “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” وقال النبي صلى الله عليه وسلم “عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، إاياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار” فلا بد للمسلم إذا أن يستسلم لشرع وأمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ويسأل هل فعله الذي يفعل موجود في سنته صلى الله عليه وسلم أم عمل به سلف الأمة وخيارها؟ فإن لم يجد من ذلك شيئا فلا يغتر بكثرة الهالكين، ولا يكن دليله أنه وجد الناس يعملون هذا العمل، فهو لهم تبع، فالله تعالى يقول فى كتابه الكريم ” وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله” وقال حسان بن عطية “ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ولا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة”.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *