Share Button

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع صلح الحديبية وقد توقفنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، بعد إيذاء قريش له في مكة، فقد هاجر إلى المدينة، واستقر بها مع أصحابه من المهاجرين والأنصار، وترك مكة وفيها كفار قريش، وفي شهر ذي القعدة من العام السادس من هجرته صلى الله عليه وسلم، أراد أداء العمرة، فأعلن ذلك لأصحابه رضي الله عنهم، وسار بألف وأربع مائة من المهاجرين والأنصار متجها إلى مكة، وليس معهم من السلاح، إلا ما يحمله المسافر لحماية نفسه كالسيف ونحوه، ولبسوا ملابس الإحرام ليؤكدوا لقريش أنهم يريدون العمرة لا حربهم ومقاتلتهم، فأحرم للعمرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معه من أصحابه، من ذي الحليفة، وتوجهوا إلى مكة، فلما اقتربوا منها، بلغهم أن قريشا قد أعدوا العدة، وجمعوا الجموع لمقاتلة النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وصدهم عن البيت الحرام، ومنعهم من دخوله، وقد وصل النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن معه، الحديبية وهو مكان فيه بئر ماء، يقع غرب مكة، ويبعد عنها حوالي أثنين وعشرين كيلوا، ويعرف بالشميسي الآن، وقد أرسل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، الصحابى الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى قريش وقال صلى الله عليهم وسلم له ” اخبرهم أنا لم نأتى لقتال وإنما جئنا عمارا وادعهم إلى الإسلام ” ففعل عثمان رضي الله عنه، ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه تأخر في العودة، فشاع بين المسلمين في الحديبية أن عثمان قتل، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيعة، فبايع الصحابة على قتال قريش وعدم الفرار حتى الموت، وهي البيعة المعروفة ببيعة الرضوان، التي أشار إليها الله عز وجل بقوله تعالى فى سورة الفتح (لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم قتحا قريبا، ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما)

فكان بعد ذلك أن أرسلت قريش عروة بن مسعود الثقفي، إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، للتفاوض معه، فعاد عروة وقال لقريش “أى قوم، إنى رأيت الملوك وكلمتهم، وما رأيت مثل محمد صلى الله عليه وسلم، قط، ما هو بملك ولكن رأيت الهدى معكوفا يأكل وبره، وكما أراكم إلا مصيبكم قارغة، فانصرف ومن تبعه من قومه فصعد سور الطائف فشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فرماه رجل من قومه بسهم فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الحمد لله الذى جعل فينا مثل صاحب ياسين ” ويشير النبى صلى الله عليه وسلم، إلى قول الله تعالى فى سورة يس (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين، اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون) فلما رأت قريش، ما حل بعروة، أسرعت في إرسال سهيل بن عمرو، لعقد صلح مع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم.

سهيل بن عمرو، استبشر وقال ” قد سهل لكم أمركم ” فتفاوض معه صلى الله عليه وسلم، وتم الاتفاق على أن يرجع المسلمون إلى المدينة ولا يدخلوا مكة في هذا العام، ويأتوا في العام القادم ليقضوا مناسكهم، على أن لا تتعرض لهم قريش بأي نوع من الأذى، بشرط أن لا يحملوا سلاحا إلا سلاح الراكب، وأن لا تتجاوز مدة بقائهم بمكة أكثر من ثلاثة أيام فقط، ووضع الحرب بينهم عشر سنين يأمن الناس فيها ويكفّ بعضهم عن بعض، وأن يلتزم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، برد أي قرشي يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم، بغير أذن من وليه، وأما من يأتي من المسلمين إلى قريش فلا يرد، ومَن أَحب أن يدخل في عقد قريش فله ذلك، ومن أحب أن يدخل في عقد محمد، فله ذلك وأي تعرض على تلك القبائل يعد عدوانا على المتحالفين، فتم الاتفاق على هذه الشروط وكتبت في نسختين، نسخة أخذها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

والأخرى مع سهيل بن عمرو، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم، بعد كتابة المعاهدة والشروط القاسية، قد أخذهم الهم والحزن كل مأخذ، ولم يستطيعوا أن يتصوروا أن يردوا عن مكةَ وهم على مقربة منها، ولم يستطيعوا أن يتصوروا أن يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم، بهذه الشروط القاسية، وهو المؤيّد من رب العالمين، الذي وعدهم بدخول مكةَ، فاعترض صحابة كرام، ويقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه فأتيت النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، فقلت ألست نبى الله ؟ قال بلى، قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال بلى، قلت فلما نعطى الدنية فى ديننا إذا؟ فقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” إنى رسول الله ولست أعصيه وهو ناصرى ” فقلت، أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتى البيت فنطوف به؟ قال ” بلى فأخبرتك أنك تأتيه العام “؟ قلت لا، قال ” فإنك آتيه ومطوف به ” قال عمر فأتيت أبا بكر رضى الله عنه.

فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبى الله حقا ؟ قال بلى، قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال بلى، قلت فلم نعطى الدنية فى ديننا إذا؟ قال أيها الرجل إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يعصى ربه وهو ناصره فاستمسك بعرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق، قلت، أو ليس كان يحدثنا أنه سيأتى البيت ويطوف به؟ قال بلى، فأخبرتك أنك تأتيه العام، قلت لا، فإنك آتيه فتطوف به ” ثم بعد ذلك خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابِه وأمرهم أن ينحروا هديهم وأن يحلقوا رؤوسهم وأن يستعدوا للعودة إلى المدينة المنورة، ثم قفل رسول الله عائدا إلى المدينةالمنورة بنصر عظيم وفتحٍ مبين فقال الله تعالى فى كتابة الكريم فى سورة الفتح ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما، وينصرك الله نصرا عزيزا، هو الذى أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض، وكان الله عليما حكيما)

ولقد ذكر العلماء من صلح الحديبية حكما وأحكاما كثيرة، فمن أهم الدروس هو انتشار الدعوة الإسلامية وبيان أهدافها وغاياتها وأن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يريد التعبد لله لا إراقةَ الدماء، وحب الصحابة لدينِ الله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وبيته الحرام، فقد أصابهم الجهد والعنت ومع هذا كله صمموا على أداء العمرة، وكذلك حلم النبي صلى الله عليه وسلم، وطول صبره وأناته وأنه يقبل الوفود الواحد تلو الآخر حفاظا على الأنفس وتعظيما للحرمات، ومن الدروس أيضا هو ربط الأمة بيوم القيامة فإن ذلك يجعلها أكثر تدينا لله تعالى، ولقد أدرك كفار قريش ذلك التلاحم وتلك المحبةَ الصادقةَ بين المؤمنين فعرفوا أن سر جمع القلوب هو دين الله تعالى لا غير، فلا عنصرية ولا وطن ولا لون ولا لغة إنما دين الله تعالى هو الذي ألف بينهم وجعلهم إخوة متحابين، وسبحان الله ما إن لبثت قريش سنتينِ إلا ونقضت العهد ثم جاءها الفتح المبين فدخل الناس في دين الله أفواجا.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *