Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــــرورى

ونكمل الحديث فى الجزء الخامس عن الخليفه عبد الرحمن الداخل وهو صقر قريش، وهو مؤسس الدولة الأموية في الأندلس، وهو اسمه عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، وكانت أمه من البربر من سبايا المغرب، وكان جده هو هشام بن عبد الملك الخليفة العاشر للدولة الأموية، وقد أطلق عليه أبو جعفر المنصور العباسي لقب صقر قريش، وقد غادر عبد الرحمن دمشق هرباً من العباسيين بعد قيام دولتهم على أنقاض الدولة الأموية، ودخل إلى الأندلس عام مائه وثمانيه وثلاثين من الهجره، وعُرف من يومها بلقب عبد الرحمن الداخل، وحكم الأندلس في الفترة الممتدة بين عامي مائه وثمانيه وثلاثين من الهجره، وحتى عام مائه واثنين وسبعين من الهجره.

وفى النهايه تُوفي في قرطبة بعد فترة حكم دامت مدة أربعة وثلاثين عاما، ونشأ عبد الرحمن الداخل في قصر الخلافة في دمشق، فنشأ أهلاً للخلافة والحكم، وعند قيام الدولة العباسية، لاحق العباسيون أبناء البيت الأموي والقضاء عليهم وقتل كل من هو مؤهل للخلافة منهم، فاختبأ عبد الرحمن في قرية صغيرة قرب الفرات في سوريا، ومنها انتقل إلى الأندلس بعد مروره بالقيروان وهروبه منها إلى برقة، بسبب الخوارج وعلى رأسهم عبد الرحمن بن حبيب اولذين حاولوا قتله، وفي أثناء إقامته في برقة جمع عدداً كبيراً من أنصار ومؤيدي الدولة الأموية، وقد عبر عبد الرحمن بعد ذلك إلى الأندلس بعد استقراره ببرقة في ليبيا مدّة وصلت إلى نحو أربع سنوات، وجرت بينه بمساعدة أنصاره.

وبين والي الأندلس يوسف بن عبد الرحمن الفهري معركة قوية في منطقة المصارة قرب قرطبة، عُرفت في التاريخ باسم معركة المصارة أو المسارة، وقد انتصر فيها عبد الرحمن، ودخل على إثرها إلى قرطبة، وأعلنها عاصمة لدولته المنفصلة عن الخلافة العباسية، واستقر فيها، وكان في وقتها في السادسة والعشرين من العمر، وقد عُرف عبد الرحمن الداخل، بالذكاء والفطنة، وحسن التخطيط ورجاحة العقل، والفكر الصائب، والتقدير السليم للأمور، كما عُرف بالشجاعة والإقدام والقوة، والشدة والحزم، والعزم والإصرار على تحقيق الهدف، وكان عبد الرحمن شاعراً وعالماً، وبليغاً مفوهاً، وقد اهتم بالعلم والعلماء اهتماماً كبيراً، كان عبد الرحمن رجلاً حسن الخلق.

وكريماً ومتواضعاً، فقد كان يؤم الرعية ويخطب فيهم ويصلي معهم، ويزور مرضاهم، ويمشي في جنائزهم، وقد عاش عمره مجاهداً، وكان لا يعرف إلى الراحة سبيلاً، وبفضل صفاته السابقة نجح في تأسيس دولة قوية ذات حضارة ومجد، وتثبيت دعائمها، على الرغم من كثرة الثورات التي قامت ضده، والأعداء الذين أحاطوا به من كل جانب، ونكمل وقد أمر عبد الرحمن بحز رأس العلاء ورؤوس أشراف أصحابه، ووضعت فيها صكوك بأسمائهم وحملوا بعضهم إلى أسواق القيروان ليلاً، والبعض الآخر وفيهم رأس العلاء إلى مكة مع بعض التجار الثقات ومعه الرسالة واللواء الذي أرسله المنصور إلى العلاء، فوضعوه أمام سرادق المنصور الذي كان يحج ذلك العام.

فلما رأى المنصور رأس العلاء انزعج وقال: الحمد لله الذي جعل بيننا وبين هذا الشيطان بحرًا، ثم بعث عبد الرحمن مولاه بدر وتمام بن علقمة عام مائه وسبعه وأربعين من الهجره، في جيش كثيف إلى طليطلة، فحاصرا هشام بن عروة الفهري حصارًا شديدًا، ومنعا الطعام عن أهل طليطلة، حتى ضج أهل المدينة من الحصار واستثقلوا الحرب، وكاتبوا تمام وبدر وسألوهما الأمان مقابل تسليم ابن عروة وبعض قادته لهما، فقبلا ذلك وحملوهم إلى قرطبة، فحلقت رؤوسهم ولحاهم وألبسوا جببًا صوفية وحملوا على الحُمر، ودخلوا قرطبة على تلك الحال حيث أمر عبد الرحمن بقتلهم، ليعلن بذلك نهاية تمرد ابن عروة الفهري، وفي عام مائه وتسعه واربعين من الهجره، ثار على الداخل سعيد اليحصبي في لبلة.

وسار إليه عبد الرحمن بنفسه وأخمد ثورته، ومن بعده في نفس العام، ثار أبي الصباح اليحصبي الذي نقم من عبد الرحمن أن عزله عن ولاية إشبيلية، وهو الذي كان له عونًا وجمع له اليمانية يوم المصارة، وإشبيلية هى عاصمة منطقة أندلوسيا ومقاطعة إشبيلية في جنوب إسبانيا، وتقع على ضفاف نهر الوادي الكبير، وكان لزيادة عدد سكان مدينة إشبيلية كان ذلك مما يجعلها رابع أكبر مدينة في إسبانيا من حيث عدد السكان، وذلك بعد مدريد وبرشلونة وبلنسية، وكانت مساحتها تشكل أيضاً رابع أكبر تجمع حضري في البلاد بسكانه وعددهم، وقد اشتهرت إشبيلية بشكل كبير إبان حكم المسلمين لإسبانيا في العصور الوسطى وكان يطلق عليها أيضاً اسم حمص، نسبة لنزول جند الشام فيه أول مرة.

وفي أواسط القرن التاسع الميلادي أمر عبد الرحمن الثاني ببناء أسطول بحري ودار لصناعة الأسلحة فيها، وكان من أشهر حكامها المعتمد بن عباد، ومن أهم معالمها منارة خيرالدا التي بنيت بأمر من السلطان أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي، ومن أبرز سكانها حينذاك إبراهيم بن سهل المشهور بديوانه، وايضا تُشتهر المدينة بأنها مدينة الفن والطرب في الأندلس، وبعد ذلك قد لجأ الداخل معه إلى الحيلة، فبعث إليه عبد الله بن خالد يُؤمنه، فلما دخلا قرطبة، أمر عبد الرحمن بقتل أبي الصباح، ومن هذه اللحظه لزم عبد الله بن خالد داره حتى مات لمرارة في نفسه من خداع عبد الرحمن له واستعماله في استدراج أبي الصباح.

وفي عام مائه وتسعه واربعين من الهجره، ثار على الداخل سعيد اليحصبي في لبلة، ولبه هى بلدية تقع في مقاطعة ولبة التابعة لمنطقة أندلوسيا جنوب إسبانيا، وسار إليه عبد الرحمن بنفسه وأخمد ثورته، ومن بعده في نفس العام، ثار أبي الصباح اليحصبي الذي نقم من عبد الرحمن أن عزله عن ولاية إشبيلية، وهو الذي كان له عونا وجمع له اليمانية يوم المصارة، وأبو الصباح هو حيّ بن يحيى اليحصبي وهو زعيم القبائل اليمانية في إشبيلية في نهاية عصر الولاة وبداية عصر الدولة الأموية في الأندلس، في عام مائه وثمانيه وثلاثين من الهجره، ساند أبو الصباح اليحصبي عبد الرحمن الداخل في مطالبته بحكم الأندلس، وجمع له ألف مقاتل من إشبيلية ضمها إلى القوات التي جمعها الداخل.

وكان ذلك لقتال يوسف بن عبد الرحمن الفهري في موقعة المصارة، وقد ولاّه عبد الرحمن الداخل على إشبيلية ثم عزله، فنقم أبو الصباح ذلك من عبد الرحمن الداخل، وثار عليه، فاستدرجه عبد الرحمن بأن بعث إليه عبد الله بن خالد بكتاب يلاطفه ويدعوه للقدوم إلى قرطبة، ثم قتله عام مائه وخمسين من الهجره، وقد لجأ الداخل معه إلى الحيلة، فبعث إليه عبد الله بن خالد يُؤمنه، فلما دخلا قرطبة، أمر عبد الرحمن بقتل أبي الصباح، وقد مات بمرض من خداع عبد الرحمن له واستعماله في استدراج أبي الصباح، وفي عام مائه وثلاثه وخمسين من الهجره، ثار البربر بزعامة رجل يقال له شقيا بن عبد الواحد المكناسي كان معلمًا للصبيان، ثم ادعى بأنه فاطمي، فقتل عامل الأمير على ماردة.

ثم استولى على قورية، وكانت مارده هي إحدى بلديات مقاطعة بطليوس، وعاصمة منطقة إكستريمادورا، والتي تقع في غرب إسبانيا، فسار إليه عبد الرحمن، ففر منه الفاطمي إلى الجبال ولم يتمكن منه لسنوات، إلى أن انكشف أمره لأصحابه فقتلوه، عندئذ، جاءته رسل مولاه بدر بثورة اليمانية بقيادة عبد الغافر اليحصبي وحيوة بن ملامس الحضرمي، فسيًر إليهم الداخل جيشًا هزمهم، وقتل حيوة، وفرّ عبد الغافر عبر البحر، وتلا ذلك محاولة ابن أخيه عبيد الله بن أبان بن معاوية وبعض معاونيه الانقلاب عليه في قرطبة وهو متنزه خارجها، فراسله مولاه بدر بالخبر، وتمكن بدر من القبض عليهم، وأمر عبد الرحمن بضرب أعناقهم.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *