Share Button

فى طريق النور ومع مخاطر استباحة المال العام “الجزء الرابع”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع عن مخاطر استباحة المال العام، وقد كان بعض الصحابة والتابعين وأتباعهم من الزهاد يتركون بعض الحلال مخافة أن تكون فيه شبهة حرام، وقد يظن أو يتوهم بعض الناس أن سرقة المال العام تنحصر في بعض أشكال السطو أو الاختلاس غير أن الأمر أوسع من ذلك بكثير، فالتهرب من سداد مستحقات الوزارات والجهات والهيئات والمؤسسات المملوكة للدولة هو في حكم سرقة المال العام، بل هو سرقة حقيقية وفعلية له، فسرقة الخدمات لا تختلف عن سرقة الأموال والسطو عليها، لأن الخدمات في الحقيقة هي مقومة بمال، فمن يسرق الكهرباء، أو يسرق المياه، أو يتهرب من سداد أية أموال مستحقة عليه للدولة، كمن يسرق المال سواء بسواء.

 

كما أن من يتحايل على صرف ما لا يستحق كمن يقوم بتزوير بعض الأوراق للحصول على دعم لا يستحقه آكل للسحت، لأنه يأخذ ما لا حق له فيه، ويستوي مع هؤلاء في الإثم والمعصية من يعينهم على ذلك أو يغض الطرف عنه، أو يتقاعس عن وضع الأمور في نصابها، أو تحصيل ما أسند إليه تحصيله من مستحقات المال العام، التربية الأخلاقية، فاتقوا الله وإني أوصيكم ونفسي ولست بخيركم أن نتقي الله في المال العام الذي بين أيدينا وإني أعلم أن بعضنا قد يأخذ من المال العام لا على سبيل قصد السرقة والغلول، ولكن على سبيل التساهل وعدم الالتفات إلى القضية، على اعتبار أنها من المحقرات فأقول لا بد لنا من الحيطة والحذر قبل أن نفجأ في ذلك اليوم العظيم.

 

بتكاثر تلك المحقرات على رقابنا، فيطول حسابنا، وقد تعظم الندامة، ويتمنى المرء في تلك اللحظات أن لو دفع ماله كله ولا يقف مثل ذلك الموقف، وإني لأعرف رجالا إذا تسلم أحدهم مرتبه أخرج نسبة منه تطهيرا له من تقصير ارتكبه في عمله، أو لاستخدامه بعض مرافق العمل لأمور خاصة، فإن المال من الإنسان المقام بمنزلة الروح من الجسد لأنه لا حياة بدون مال، لأن المال هو الذي به يتحقق الجانب المادي في الإنسان، ولهذا كان المال ضرورة من ضرورات وجود الإنسان في هذا الحياة، وكان الإنسان ممثلا للجانب البشري فيها، وكان المال ممثلا للجانب المادي في الحياة، ولأهمية المال في الإسلام، جُعل إحدى الضرورات الخمسة التي أوجب الشارع حفظها.

 

وإن مجموع الضرورات خمس هي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وأن التربية الأخلاقية تلعب دورا كبيرا في حماية المال العام إلى جانب العقوبات الرادعة، وحرمة المال العام في الإسلام واضحة في آدابه وتشريعاته، والتحذير الشديد من العدوان عليه موجود في العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، والإسلام في مثل هذه الأمور الخطرة التي يضعف فيها الإنسان أمام شهواته وأطماعه يلجأ إلى أسلوب التربية لأن العقوبات الرادعة هنا لا تكفي وحدها لردع الطامعين في المال العام، ويجب أن نعلم أن الإسلام يهتم بأن يغرس في الناس قيمة المحافظة على المال العام، وهو عندما يفعل ذلك يبدأ من أعماق النفس الإنسانية.

 

ويهتم بأن يجعل الإنسان رقيبا على نفسه، يحاسبها قبل أن تحاسب، ويزن عملها قبل أن يوزن عليها، ويحاول الإسلام تحقيق ذلك بإشعار الإنسان بأن الله تعالى مطلع عليه، وأنه معه في كل آن، وإن نظام المال في الإسلام نظام فريد من نوعه فهو يحمي أفراده من عبث العابثين، ونهب الطامعين، وتعدي الظالمين، فشرع للملكية الخاصة حماية وحرمة وحدودا لا يجوز لأي مارق أن يتعداها أو يحوم حولها وإلا استحق الزجر والردع على ذلك، ولهذا كله حرم الإسلام كل طريقة تعد على مال الآخرين، سواء كان ذلك بالاختلاس، أو الحرابة، أو السرقة، أو السطو، أو غير ذلك من الطرق التي حرمها الإسلام، وجعل الحدود زجرا وردعا للآخرين، وعظم جريمة السرقة، فجعل عقوبتها القطع.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *