Share Button
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السادس مع معاناة الرسول فى طريق الدعوة، وعلى الرغم من تعدد أشكال الأذى الذي ذاقه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الكفار في العهد المكي، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قد ضرب المثل الأعلى في التعامل معهم وليس أدل على ذلك من قصة إسلام الصحابي الجليل ثمامة بن أثال رضي الله عنه عندما أسره المسلمون وأتوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فربطوه بسارية من سواري المسجد ومكث على تلك الحال ثلاثة أيام وهو يرى المجتمع المسلم عن قرب حتى دخل الإيمان قلبه، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاقه، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال ” أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله”
“يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي ” وسرعان ما تغير حال ثمامة فانطلق إلى قريش يهددها بقطع طريق تجارتهم وصار درعا يدافع عن الإسلام والمسلمين، وكما تجلت رحمته صلى الله عليه وسلم أيضا في ذلك الموقف العظيم يوم فتح مكة وتمكين الله تعالى له حينما أعلنها صريحة واضحة “اليوم يوم المرحمة” وأصدر عفوه العام عن قريش التي لم تدخر وسعا في إلحاق الأذى بالمسلمين فقابل الإساءة بالإحسان والأذية بحسن المعاملة، فلقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها رحمة، فهو رحمة، وشريعته رحمة وسيرته رحمة، وسنته رحمة، وصدق الله إذ يقول فى سورة الأنبياء “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”
وإن الرسالة المحمدية بجموعها رسالة إنسانية فقد جاءت لتراعي إنسانية الإنسان فيما تأمر به أو تنهي عنه وإذا نظرنا إلى المصدر الأول للإسلام وهو القرآن الكريم وهو كتاب الله، وتدبرنا آياته، وتأملنا موضوعاته واهتماماته، نستطيع أن نصفه بأنه، كتاب الإنسان فالقرآن كله إما حديث إلى الإنسان، أو حديث عن الإنسان ولو تدبرنا آيات القرآن كذلك لوجدنا أن كلمة الإنسان تكررت في القرآن ثلاثا وستين مرة، فضلا عن ذكره بألفاظ أخرى مثل بني آدم التي ذكرت ست مرات، وكلمة الناس التي تكررت مائتين وأربعين مرة في مكي القرآن ومدنيه وكلمة العالمين وردت أكثر من سبعين مرة والحاصل أن إنسانية الإسلام تبدو من خلال حرص الشريعة الإسلامية.
وتأكيدها على مجموعة من القضايا المهمة ، ولعل من أبرز الدلائل على ذلك أن أول ما نزل من آيات القرآن على رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم خمس آيات من سورة العلق ذكرت كلمة الإنسان في اثنتين منها، ومضمونها كلها العناية بأمر الإنسان، وإذا نظرنا إلى الشخص الذي جسد الله فيه الإسلام، وجعله مثالا حيا لتعاليمه وقيمه الإنسانية، وكان خُلقه القرآن، نستطيع أن نصفه بأنه الرسول الإنسان وإذا نظرت في الفقه الإسلامي وجدت العبادات لا تأخذ إلا نحو الربع أو الثلث من مجموعه، والباقي يتعلق بأحوال الإنسان من أحوال شخصية، ومعاملات، وجنايات، وعقوبات، وغيرها، والعبادات كلها فيها معاني إنسانية سامية.
فالزكاة المفروضة مثلا ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب، بل فيها معاني إنسانية سامية فهي غرس لمشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات، وقد نص القرآن على الغاية من إخراج الزكاة، وفي الصيام نعلم أن رمضان هو شهر الأخلاق ومدرستها، فهو شهر الصبر، وشهر الصدق، وشهر البر، وشهر الكرم، وشهر الصلة ، وشهر الرحمة ، وشهر الصفح ، وشهر الحلم، وشهر المراقبة، وشهر التقوى، وكل هذه أخلاق إنسانية يغرسها الصوم في نفوس الصائمين، وشعيرة الحج مدرسة أخلاقية وإنسانية فيجب على الحاج اجتناب الرفث والفسوق والجدال والخصام في الحج، فضلا عن غرس قيم الصبر وتحمل المشاق والمساواة بين الغني والفقير، والتجرد من الأمراض الخلقية.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *