Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــروى

إن مكارم الأخلاق ضرورة إجتماعية عظيمة، لا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات، ولا أمة من الأمم، ومتى فقدت هذه الأخلاق التي هي الوسيط الذي لابد منه لانسجام الإنسان مع أخيه الإنسان، تفكك أفراد المجتمع، وتصارعوا، وتناهبوا مصالحهم، ثم أدى بهم ذلك إلى الانهيار، ثم إلى الدمار، وإنه من الممكن أن تتخيل مجتمعا من المجتمعات انعدمت فيه مكارم الأخلاق كيف يكون هذا المجتمع؟ وكيف تكون الثقة بالعلوم، والمعارف، والأخبار، وضمان الحقوق لولا فضيلة الصدق؟ وكيف يكون التعايش بين الناس في أمن واستقرار، وكيف يكون التعاون بينهم في العمل ضمن بيئة مشتركة، لولا فضيلة الأمانة؟ وكيف تكون أمة قادرة على إنشاء حضارة مثلى لولا فضائل التآخي، والتعاون، والمحبة، والإيثار؟ وكيف تكون جماعة مؤهلة لبناء مجد عظيم لولا فضيلة الشجاعة في رد عدوان المعتدين وظلم الظالمين، ولولا فضائل العدل والرحمة والإحسان والدفع بالتي هي أحسن؟ وكيف يكون الإنسان مؤهلا لارتقاء مراتب الكمال الإنساني إذا كانت أنانيته مسيطرة عليه، صارفة له عن كل عطاء وتضحية وإيثار؟ ولقد دلت التجربات الإنسانية، والأحداث التاريخية، أن ارتقاء القوى المعنوية للأمم والشعوب ملازم لارتقائها في سلم الأخلاق الفاضلة، ومتناسب معه، وأن انهيار القوى المعنوية للأم والشعوب ملازم لانهيار أخلاقها، ومتناسب معه، فبين القوى المعنوية والأخلاق تناسب طردي دائما، صاعدين وهابطين، وذلك لأن الأخلاق الفاضلة في أفراد الأمم والشعوب تمثل المعاقد الثابتة.
التي تعقد بها الروابط الاجتماعية، ومتى انعدمت هذه المعاقد أو انكسرت في الأفراد لم تجد الروابط الاجتماعية مكانا تنعقد عليه، ومتى فقدت الروابط الاجتماعية صارت الملايين في الأمة المنحلة عن بعضها مزودة بقوة الأفراد فقط، لا بقوة الجماعة، بل ربما كانت القوى المبعثرة فيها بأسا فيما بينها، مضافا إلى قوة عدوها، وإذا كانت الأخلاق في أفراد الأمم تمثل معاقد الترابط فيما بينهم، فإن النظم الإسلامية الاجتماعية تمثل الأربطة التي تشد المعاقد إلى المعاقد، فتكون الكتلة البشرية المتماسكة القوية، التي لا تهون ولا تستخذي، ولذلك كان من دعاء الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في الأخلاق، فلقد كان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على انتشار الأخلاق الحميدة في المجتمع المسلم، حتى عندما جاء الإسلام أقر بعض أخلاق الجاهلية التي تتوافق مع قيم الإسلام وألغى بعضها الآخر فكان من ضمن دعاء الرسول الدعاء بالخُلق الحسن فكان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقول “اللهم اهدني لأحسن الأعمال، وأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيء الأعمال، وسيء الأخلاق، فإنه لا يقي سيئها إلا أنت” وكان رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يقول “اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء” ويقول “اللهم جمل خُلقي كما جمّلت خَلقي” وإن من خصائص الأخلاق، هو التوازن بين مطالب الروح والجسد فلا تمنع حاجة الجسد من الشهوات والرغبات بل تضعها في إطارها الشرعى.
فقال الله تعالى فى كتابه الكريم ” قل من حرم زينة الله التى أخرج لعبادة والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون” فمن حق الإنسان في إشباع رغباته بالضوابط الشرعية مع إشباع الروح بالذكر والطاعة والعبادة، وإن الأخلاق الإسلامية صالحة لكل إنسان ولكل زمان ومكان مع اتصافها بالسهولة واليسر ورفع الحرج، فيقول الله تعالى ” وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم فى الدين من حرج” وكذلك لا يحكم على الأفعال بظاهرها فقط ولكن تمتد إلى النوايا والمقاصد والبواعث التي تحرك هذه الأفعال الظاهرة فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إنما الأعمال بالنيات” وإن من مبادئها أن تقنع العقل وترضي القلب، فما من نهي شرعي إلا معه مسوغات ودوافع تحريمه، ويعرف الخلق في اللغة العربية بالطبع والسجية لأن صاحبها قد قدر عليه، وفي مقولة أخرى هي الدين والمروءة، حيث قال العلامة ابن فارس الخاء واللام والقاف أصلان، أحدهما تقدير الشيء، والآخر ملامسة الشيء، والأخلاق في الاصطلاح هي هيئة راسخة في النفس، يصدر عنها العديد من الأفعال بشكل سهل ومُيسّر، دون الحاجة للتروي أو التفكير، فمن الممكن أن يصدر عن هذه الهيئة أفعال مذمومة أو محمودة، فتعتبر الأخلاق الإسلامية من سمات المؤمنين الصالحين، حيث تساعدهم على تجنب الوقوع في العيب، واللوم، والنقد، ولا تجعل صاحبها يميل إلى الخطيئة أو الإجرام، لأن الأخلاق تعتبر من الهدي النبوي، والوحي الإلهى.
وهي خُلق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وتعتبر مكارم الأخلاق بناء شيده أنبياء الله الكرام عليهم السلام، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتمم ذلك البناء، من أجل أن يكتمل صرح مكارم الأخلاق، كما أن امتلاك الإنسان للأخلاق دون امتلاكه للدين هو أمر لا فائدة منه، وتتبين أهمية الأخلاق بالإسلام لعدة أمور، منها اختيار الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن تكون الغاية من بعثته هي الدعوة لمكارم الأخلاق، فقد بيّن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب مدى أهمية الخُلق، بالرغم من وجود العديد من الأمور الأهم من الأخلاق مثل العقيدة، والعبادة، إلا أن الخُلق يبرز بشكل أكبر أمام الناس أكثر من سائر الأعمال الإسلامية، حيث إن الناس لا يستطيعون رؤية عقيدة الإنسان لأن مكانها بالقلب، كما أنهم لا يرون العبادة، إلا أنهم يرون الأخلاق ويتعاملون من خلالها، لذا سيقوم الناس بتقييم دين الإنسان بالنظر لتعامله معهم، ويحكمون على صحته من خلال خُلقه وسلوكياته، وكذلك تعظيم الإسلام لحُسن الخُلق، لأنه ليس خُلق مجرد بل عبادة يؤجر العبد عليها، وهو من الأسس التي يتفاضل الناس بها يوم القيامة، والدليل قول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” إن أحبكم إلى وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلى وأبعدكم منى يوم القيامه الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقين فما المتفيهقون؟ قال صلى الله عليه وسلم المتكبرون ” وإن الأخلاق هي منظومة قيم ومبادئ.
يعتبرها الناس بشكل عام جالبة للخير وطاردة للشر وفقا للفلسفة الليبرالية وهي ما يتميز به الإنسان عن غيره، وقد قيل عنها إنها شكل من أشكال الوعي الإنساني كما تعتبر مجموعة من القيم والمبادئ تحرك الأشخاص والشعوب كالعدل والحرية والمساواة بحيث ترتقي إلى درجة أن تصبح مرجعية ثقافية لتلك الشعوب لتكون سندا قانونيا تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين، وهي السجايا والطباع والأحوال الباطنة التي تدرك بالبصيرة والغريزة، وبالعكس يمكن اعتبار الخلق الحسن من أعمال القلوب وصفاته، فأعمال القلوب تختص بعمل القلب بينما الخُلق يكون قلبيا ويكون ظاهرا أيضا، والأخلاق هي دراسة، حيث يقيم السلوك الإنساني على ضوء القواعد الأخلاقية التي تضع معايير للسلوك، يضعها الإنسان لنفسه أو يعتبرها التزامات ومبادئ يمشي عليها وأيضا واجبات تتم بداخلها أعماله أو هي محاولة لإزالة البعد المعنوي لعلم الأخلاق، وجعله عنصرا مكيفا، أي أن الأخلاق هي محاولة التطبيق العلمي، والواقعي للمعاني التي يديرها علم الأخلاق بصفة نظرية، ومجردة، وتكون الأخلاق طاقما من المعتقدات، أو المثاليات الموجهة، والتي تتخلل الفرد أو مجموعة من الناس في المجتمع، وأن هناك أيضا علم الواجبات وهو مفهوم يستخدم كمرادف للأخلاق المهنية، فيختص هذا المجال بالواجبات ويحكم على الفعل راجعا إلى القواعد والقوانين، وتختلف المسؤولية القانونية عن المسؤولية الأخلاقية باختلاف أبعادهما، فالمسؤولية القانونية تتحدد بتشريعات تكون أمام شخص أو قانون.
لكن المسؤولية الأخلاقية فهي أوسع وأشمل من دائرة القانون لأنها تتعلق بعلاقة الإنسان مع ذاته، فهي مسؤولية ذاتية أمام نفسه وضميره، أما دائرة القانون فمقصورة على سلوك الإنسان نحو غيره وتتغير حسب القانون المعمول به، وتنفذها سلطة خارجية من قضاة، ورجال أمن ونيابة، وسجون، أما المسؤولية الأخلاقية فهي ثابتة ولا تتغير، وتمارسها قوة ذاتية تتعلق بضمير الإنسان الذي هو سلطته الأولى، فالأخلاق متعلقة بالإنسان ويعتقد البعض أن فقدان خلفية إيمانية للإنسان قد تضعه في مأزق فكري من جهة الحفاظ علي المقياس الأخلاقي الإيماني من التشويش، والأخلاق هي عنوان الشعوب، وقد حثت عليها جميع الأديان، ونادى بها المصلحون، فهي أساس الحضارة، ووسيلة للمعاملة بين الناس وقد تغنى بها الشعراء في قصائدهم ومنها البيت المشهور لأمير الشعراء أحمد شوقي عندما قال “وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا، وللأخلاق دور كبير في تغير الواقع الحالي إلى العادات الجيدة، لذلك قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” فبهذه الكلمات حدد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الغاية من بعثته أنه يريد أن يتمم مكارم الأخلاق في نفوس أمته والناس أجمعين ويريد للبشرية أن تتعامل بقانون الخلق الحسن الذي ليس فوقه قانون، إن التحلي بالأخلاق الحسنة، والبعد عن أفعال الشر والآثام، يؤديان بالمسلم إلى تحقيق الكثير من الأهداف النبيلة منها سعادة النفس ورضاء الضمير وأنها ترفع من شأن صاحبها.

وتشيع الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع المسلم وهي طريق الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، وتعتبر الأخلاق هى أساس بقاء الأُمم، وهي المؤشر على انهيار الأمة أو استمرارها، لأن انهيار أخلاق الأمة هو انهيار لكيانها، والدليل قول الحق سبحانه وتعالى كما جاء فى سوة الإسراء ” وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا” وتعتبر الأخلاق من أسباب المودة وإنهاء العداوة، فقال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم ” ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم ” وإن الخُلق أفضل الجمالين، حيث ينقسم الجمال إلى قسمين، هما الجمال الحسّي، وهو الجمال الذي يتمثل في الهيئة، والشكل، والجاه، والمنصب، والجمال المعنوي الذي يتمثل في السلوك، والذكاء، والعلم، والأدب، وقد ذكر الله عز وجل بأن للإنسان عورتين الأولى هي عورة الجسم التي تستر بالملابس، وعورة النفس التي تستر بالأخلاق، وقد أمر الله بالستر، وذكر بأن الستر المعنوى أهم من الحسّي، والدليل قوله تعالى ” يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ” وإن الأخلاق الإسلامية هي الأخلاق والأداب التي حث عليها الإسلام وذكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة اقتداء بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أكمل البشر خلقا لقول الله تعالى عنه فى كتابه العزيز ” وإنك لعلى خلق عظيم ” وإن مصدر الأخلاق الإسلامية هو الوحي، ولذلك فهي قيم ثابتة ومثل عليا تصلح لكل إنسان.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *