Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــروى

ونكمل الجزء السابع مع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات، وقد توقفنا مع إختيار الأصدقاء حيث ينبغي على المرء أن يحسن اختيار الصاحب، لأنه يكون على هديه وطريقته ويتأثر به، كما قيل الصاحب ساحب، حتى لو أردت أن تعرف أخلاق شخص فسأل عن أصحابه، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل” وكذلك الاقتداء بأخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة والأسوة والمثل الأعلى في مكارم الأخلاق حيث شهد له ربه في علاه بقوله تعالى كما جاء فى سورة القلم ” وإنك لعلى خلق عظيم ” وكان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين دائما يسألون عن أخلاقه ليمتثلوا به ويقتدوا بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، فقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن أخلاقه فقالت “كان خلقه القرآن” كما جاء فى صحيح مسلم، وﺭﻭﻱ ﺃﻥ ﺃﻋﺮﺍﺑﻴﺎ ﻗﺎﻝ للإمام ﻋلي بن أبى طالب رضي الله عنه “ﻋﺪّﺩ ﻟﻨﺎ ﺃﺧﻼﻕ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم؟ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ الإمام ﻋﻠﻲ رضي الله عنه” ﻫﻞ ﺗﻌﺮﻑ ﺍﻟﻌﺪّ ؟ ﻗﺎﻝ ﻧﻌﻢ، ﻓﻘﺎﻝ علي رضي الله عنه ﻋﺪ ﻟﻲ ﻣﺘﺎﻉ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﻣﺘﺎﻉ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﻳُﻌﺪ، ﻓﻘﺎﻝ الإمام ﻋﻠﻲ رضي الله عنه، ﻋﺠﺰﺕ ﻋﻦ ﻋﺪ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ، ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ تعالى فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة النساء ” قل متاع الدنيا قليل” ﻭﻃﻠﺒﺖ مني ﻋﺪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، حيث ﻳﻘﻮﻝ تعالى كما جاء فى سورة القلم ” وإنك لعلى خلق عظيم ” وأيضا النظر في سير السلف الصالح فهم أعلام الهدي، ومصابيح الدجى.

وهم الذين ورثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه، وسمته وخلقه، فالنظر في سيرهم، والاطلاع على أحوالهم وقراءة تراجمهم مما يحرك العزيمة على اكتساب المعالي ومكارم الأخلاق ذلك أن حياة أولئك تتمثل أمام القارئ، وتوحي إليه بالاقتداء بهم، والسير على منوالهم، فهذه هي وسائل اكتساب الأخلاق، فالزموها وعلموها أبناءكم وبناتكم وأهليكم فأنتم مسئولون عنهم أمام الله يوم القيامة، وإنه يوجد العديد من أقسام للأخلاق، وذلك تبعا لعدة أمور، وهي الأخلاق من حيث المصدر حيث تنقسم الأخلاق من مصدرها إلى قسمين، هما الأخلاق الغريزية وهى الأخلاق التي فطر عليها الإنسان، والدليل على ذلك الحديث النبوي الشريف الذى يقول فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ” إن فيك خلتين الله الحلم والإناه، فقال، يا رسول الله، أنا أتخلق بهما أم الله جبلنى عليهما؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بل جبلك عليهما” قال الحمد لله الذى جبلنى على خلتين يحبهما الله ورسوله” وأيضا فإن هناك الأخلاق المكتسبة، وهى الأخلاق التي يحصل عليها الإنسان عن طريق التعود والتعلم، والدليل على ذلك من السنة، قول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” إنما العلم بالتعلم ” وإن الأخلاق من حيث المعاملات فهى تنقسم إلى الأخلاق الإسلامية بمن تمارس معه إلى ثلاثة أقسام، وهي الخُلق مع الله عز وجل، ويقصد في هذا النوع من الأخلاق الأسس والقواعد التي تحكم علاقة الإنسان بربه، بالإضافة إلى الآداب التي يتحلى بها الإنسان، وممارساته الباطنة والظاهرة.

وكذلك الخُلق مع النفس وهو ما يلتزم به الإنسان مع نفسه من الأخلاق والآداب، الخُلق مع الخلق، هو الأمر الذي يلتزم به الإنسان من أخلاق وسلوكيات مع الآخرين، وهي القواعد الأخلاقية التي تضبط علاقة الإنسان مع من حوله، وتتمثل هذه القيم في الخلق مع الوالدين، والخُلق مع الأنبياء، والخُلق مع الكفار، والخُلق مع المؤمنين، وإن هناك العديد من الأسباب والوسائل التي تساعد على اكتساب الخُلق الحسن، وهي سلامة العقيدة حيث يعتبر السلوك ثمرة مما يحمله الإنسان من معتقدات وفكر، حيث إن انحراف السلوك يتسبب في ظهور خلل في المعتقد، فإن صحت العقيدة أصبحت الأخلاق حسنة، وذلك لأن العقيدة الصحيحة تردع الإنسان من مساوئ الأخلاق، وتحمله على مكارمها، وكذلك الدعاء يلجأ العبد إلى ربه بالدعاء من أجل أن يرزقه حُسن الخُلق، والدليل من السنة قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأَهواء والأدواء” وأيضا الجهاد حيث يعتبر الخُلق أحد أنواع الهداية التي يحصل عليها الإنسان عن طريق المجاهدة، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم ” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين” وكذلك المحاسبة، وهي نقد النفس عند ارتكابها للأفعال الذميمة، من أجل أن لا تعود للقيام بها مجددا، وأخذها بمبدأ الثواب، فإن أحسنت ارتاحت، وإن أساءت أُخذت بالجد والحزم، وإن الأخلاق الحسنة هى امتثال لأمر الله ورسوله، فلقد تضافرت النصوص من كتاب الله عز وجل على الأمر بالتخلق بالأخلاق الحسنة، ونصت على الكثير منها.

فمن ذلك قوله تعالى كما جاء فى سورة النحل ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى ” وقوله تعالى كما جاء فى سورة الأعراف ” خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين” وقوله تعالى كما جاء فى سورة الحجرات ” يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهاله فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ” وكذلك نهت عن الأخلاق المذمومة أيضا ومن ذلك قول الحق سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الحجرات ” يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون، يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم ” وكذلك تظهر أهمية الأخلاقية الإسلامية لما لها من أثر في سلوك الفرد، وفي سلوك المجتمع، أما أثرها في سلوك الفرد فلما تزرعه في نفس صاحبها من الرحمة، والصدق، والعدل، والأمانة، والحياء، والعفة، والتعاون، والتكافل، والإخلاص، والتواضع، وغير ذلك من القيم والأخلاق السامية، فالأخلاق بالنسبة للفرد هي أساس الفلاح والنجاح، فيقول الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الشمس ” قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها” ويقول سبحانه وتعالى أيضا كما جاء فى سورة الأعلى ” قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى”

والتزكية في مدلولها ومعناها تعني تهذيب النفس باطنا وظاهرا، في حركاته وسكناته، وأما أثرها في سلوك المجتمع كله، فالأخلاق هي الأساس لبناء المجتمعات الإنسانية إسلامية كانت أو غير إسلامية، يقرر ذلك قوله تعالى كما جاء فى سورة العصر ” والعصر، إن الإنسان لفى خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتوصوا بالحق وتواصوا بالصبر” فالعمل الصالح المدعم بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر في مواجهة المغريات والتحديات من شأنه أن يبني مجتمعا محصنا لا تنال منه عوامل التردي والانحطاط، وليس ابتلاء الأمم والحضارات كامنا في ضعف إمكاناتها المادية أو منجزاتها العلمية، إنما في قيمتها الخلقية التي تسودها وتتحلى بها، وإن مكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية فإن أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية لا يستطيع أفراده أن يعيشوا متفاهمين متعاونين سعداء ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة، ولو فرضنا احتمالا أنه قام مجتمع من المجتمعات على أساس تبادل المنافع المادية فقط، من غير أن يكون وراء ذلك غرض أسمى، فإنه لابد لسلامة هذا المجتمع من خلقي الثقة والأمانة على أقل التقادير، وأيضا أهمية الأخلاق في الدعوة إلى الله عز وجل فإن الذي يظن أن الناس يدخلون في الدين فقط لأنهم يقتنعون عقليا فقط، لا شك أنه مخطئ، وكثير من الناس يدخلون في الدين لأنهم يرون أن أهل هذا الدين على خلق، وأن الدعاة إلى الله عندهم أخلاق، والشواهد في هذا الباب كثيرة، فالاستقامة على الأخلاق لها أثر كبير، ونفعها بليغ.

ولا أدل على ذلك مما جاء في السيرة النبوية من أن أخلاق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كانت محل إعجاب المشركين قبل البعثة، حتى شهدوا له بالصدق والأمانة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ” لما نزلت هذه الآية كما جاء فى سورة الشعراء” وأنذر عشيرتك الأقربين” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟ قالوا ما جربنا عليك كذبا، قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد” وهنا قد بدأ انعكاس الصور السلوكية الرائعة في تأثيرها في انتشار هذا الدين في بعض المناطق التي لم يصلها الفتح إذ دخل في هذا الدين الحنيف شعوب بكاملها لما رأوا القدوة الحسنة مرتسمة خلقا حميدا في أشخاص مسلمين صالحين، مارسوا سلوكهم الرشيد، فكانوا كحامل مصباح ينير طريقه لنفسه بمصباحه، فيرى الآخرون ذلك النور ويرون به، وليس أجمل منه في قلب الظلام، وبناء على ذلك الإقبال سريعا دون دافع سوى القدوة الحسنة، فرُبّ صفة واحدة مما يأمر بها الدين تترجم حية على يد مسلم صالح يكون لها أثر لا يمكن مقارنته بنتائج الوعظ المباشر لأن النفوس قد تنفر من الكلام الذي تتصور أن للناطق به مصلحة، وأحسن من تلك الصفات التمسك بالأخلاق الحميدة التي هي أول ما يرى من الإنسان المسلم، ومن خلالها يحكم له أو عليه، وكذلك أهمية الأخلاق في إضفاء السعادة على الأفراد والمجتمعات، حيث إنه لا شك أن السعادة كل السعادة في الإيمان بالله والعمل الصالح، وعلى قدر امتثال المسلم لتعاليم الإسلام في سلوكه وأخلاقه تكون سعادته.

فالتزام قواعد الأخلاق الإسلامية كفيل بتحقيق أكبر نسبة من السعادة للفرد الإنساني، وللجماعة الإنسانية، ثم لسائر الشركاء في الحياة على هذه الأرض وذلك بطريقة بارعة جدا يتم فيها التوفيق بالنسب المستطاعة بين حاجات ومطالب الفرد من جهة، وحاجات ومطالب الجماعة من جهة أخرى، ويتم فيها إعطاء كل ذي حق حقه، أو قسطا من حقه وفق نسبة عادلة اقتضاها التوزيع العام المحفوف بالحق والعدل، فمن الواضح في هذا العنصر أن أسس الأخلاق الإسلامية لم تهمل ابتغاء سعادة الفرد الذي يمارس فضائل الأخلاق ويجتنب رذائلها، ولم تهمل ابتغاء سعادة الجماعة التي تتعامل فيما بينها بفضائل الأخلاق مبتعدة عن رذائلها، وروعة الأخلاق التي أرشد إليها الإسلام، تظهر فيما اشتملت عليه من التوفيق العجيب بين المطالب المختلفة للفرد من جهة، وللجماعة من جهة أخرى، وتظهر فيما تحققه من وحدات السعادة الجزئية في ظروف الحياة الدنيا، بقدر ما تسمح به سنن الكون الدائمة الثابتة، التي تشمل جميع العاملين، مؤمنين بالله أو كافرين، أخلصوا له النية أو لم يخلصوا، وإن هذه الأخلاق بينها الله تعالى في كتابه العظيم وبينها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بينها الله تعالى في القرآن الكريم في غالب سور القرآن فقد بينها آمرا بها وداعيا إليها ومثنيا على أهلها ومحذرا من أضرارها من الإشراك بالله وسائر المعاصي، والله سبحانه وتعالى بعث رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى ذلك كما في الحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم” إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق” وفي اللفظ الآخر”لأتمم مكارم الأخلاق” .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *