Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ومازال الحديث موصولا عن الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله تعالى وسلامه، وإن فى النظر في سير الماضين لتسلية للنفس وتثبيتا لها وتقوية للقلب وإسعادا له، وعندما ينظر المسلم في تاريخ الأنبياء والصالحين فيرى أنهم قد ابتلوا وأوذوا حتى أتاهم نصر الله تعالى، بعد تمحيصهم وتنقيتهم، فيطمئن قلبه، ويقوى جنانه، ويعلم أنه ليس وحيدا في هذا الطريق، وأن الوصول إلى المقصود دونه قطع المفاوز كما قطعها من قد سبق، ولقد أكثر الله تعالى في القرآن الكريم من القصص تثبيتا لقلب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر الله عز وجل، رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يقص القصص ليتفكر فيها كفار قريش، لعلهم أن يتوبوا إلى ربهم ويعودوا إلى رشدهم فقال عز وجل فى كتابه الكريم ” فاقصص القصص لعلهم يتفكرون” بل لقد أخبر الله تعالى أنه لم يقص عليه جميع قصص الأنبياء فقال تعالى فى كتابه العزيز ” ورسلا قد قصصناهم عليك ورسلا لم نقصصهم عليك ” وإن قصص الأنبياء في القرآن الكريم كثيرة، وكل منها لها فوائدها وأحكامها، وبينهم من طال انتظاره واشتد أذى قومه له.

ومنهم من قتل، ومنهم من آمن به قومه في آخر الأمر، ومنهم من لم يؤمن به أحد، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ” عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد” فسبحان الله فإن هناك من الأنبياء نبي يبعثه الله في أمة من الأمم لم يؤمن به واحد منهم، ولقد كان أول رسول أرسله الله تعالى إلى أهل الأرض هو نبي الله نوح عليه السلام، وقد لقي من الأذى من قومه ما لقي، وصبر على أذى قومه صبرا عظيما، يدعو قومه ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن النار إلى الجنة، فلم يلق مجيبا، بل لقي سخرية وتكذيبا، وقد دعاهم إلى توحيد الله، وهذه دعوة الرسل كلهم فقال تعالى ” يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ” ولكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور، وقد جادل هؤلاء عن باطلهم، واتهموا نبيهم بالضلال، وأنه ليس له فضل عليهم ولم يتبعه إلا ضعاف القوم، وهكذا كل قوم يقولون لنبيهم، فقال تعالى ” أتواصوا به بل قوم طاغون” ويدعو النبي قومه بالتي هي أحسن، فيردون عليه بالسوء، ويتودد إليهم ويلين معهم، ولكن قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، وقد لبث نبي الله نوح عليه السلام في دعوة قومه ألف سنة إلا خمسين عاما.

فما استجاب له إلا القليل، وأكثر ما قيل في عدد المؤمنين أنهم ثمانون نفسا، وكل هذه المدة ولم يؤمن به إلا النزر اليسير، بل إن زوجته وابنه لم يؤمنا به، ولما طال عليه الزمن أخبره الله تعالى أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، وأمره بصنع الفلك، فبدؤوا يمرون عليه ويسخرون منه على هذا العمل، وفي الحديث عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ” لو رحم الله من قوم نوح أحدا لرحم أم الصبي، لما نبع الماء وصار في السكك خشيت عليه وكانت تحبه حبا شديدا، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت ثلثيه، فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها فغرقا، فلو رحم الله أحدا لرحم أم الصبي” ولما أغرق الله الكفار وانتهى عذابهم قال ” قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ” فهذا أثر الإيمان، وتلك عاقبة الكفر، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون، وإن في قصة نبى الله نوح عليه السلام من العبر والدروس الكثرة والكثير.

ومنها هو صبر الداعية على الأذى وتحمل المشاق في تبليغ الدعوة ولو طال به الأمد، فقد قال الله عز وجل” ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ” وبعد ذلك كله لم يتعب نبى الله نوح أو يمل، إلى أن أخبره الله تعالى أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، فحينئذ دعا على قومه، ومما ينبغي للداعية أن ينظر فيه أن لا ييأس ويقول هؤلاء قوم لا خير فيهم، فيترك دعوتهم، بل يعيد ويبدئ فيهم، فيكثر النصح لهم، فليس هو أول من لم تقبل دعوته، فليأتين بعض الأنبياء يوم القيامة ولم يستجب له أحد، ولا يغضب الداعي والناصح والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عند عدم الاستجابة له، فإنما عليه البلاغ، وهداية الناس إلى الله، فقال تعالى ” ليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء ” وليثق المسلم بنصر الله، ويطمئن إلى وعد الله عز وجل، فالله تعالى لا يخلف الميعاد، وفي الحديث عن خباب بن الأرت رضى الله عنه قال، شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم ” قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض.

فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون” رواه البخاري، وإن الله تبارك وتعالى بعث الأنبياء مبشرين ومنذرين ليبلغوا الناس مصالح دينهم ودنياهم فكانوا جميعا على دين الإسلام العظيم، وأول الأنبياءِ هو آدم عليه السلام ثم ابنه شيث ثم إدريس وكان البشر في زمانهم على الإسلام، ولم يكن بينهم كافر وإنما حدث الشرك والكفر بالله تعالى بعد وفاة نبى الله إدريس عليه السلام فقد كان من بين أتباعه خمسة رجال مسلمين صالحين يقال لهم، ودّ وسُواع ويغوث ويعوق ونسر، وكان الناس يحبونهم كثيرا، فلما ماتوا ظهر إبليس لعنة الله عليه للناسِ بصورة إنسان ليفتنهم عن دين الإسلام وأمرهم أن يعملوا تماثيل لهؤلاء الرجال الخمسة ثم لما طالت الأيام ظهر لهم مرة أخرى في وقت كثر فيه الجهل والفساد في الأرضِ وأمرهم أن يعبدوا هذه التماثيل وهى الأصنام الخمسةَ فأطاعوه وعبدوهم واتخذوهم ءالهة من دونِ الله تعالى.

فصاروا كافرين مشركين، فأرسل الله نبيه نوح عليه السلام إلى هؤلاء الكفار فصار يدعوهم بالليل والنهار وفى السر والإجهار، بالترغيبِ تارة والترهيب تارة أخرى وظل هكذا ألفا إلا خمسين سنةً لكن أكثرهم لم يؤمن بل استمروا على الضلال والطغيان ونصبوا له العداوة وكانوا يستهزئون به ويؤذونه ويضربونه ولا يتركونه حتى يُغشى عليه من شدة الضرب فيظنون أنه مات ثم يعافيه الله فيعود إليهم ليدعوهم إلى الإيمان من غير كلل ولا ملل، ثم إن الله تعالى أوحى إليه أنه سيرسل على الأرضِ طوفانا عظيما سيغرق المشركين وأمره أن يصنع السفينة فأقبل على عملِ السفينة وقيل فصنعها من شجرة نبتت يوم وُلد وكان طولها نحو ثلاثمائة ذراع وعرضها نحو ثمانين ذراعا، وجعل قومه يمرون به وهو في عمله ويسخرون منه وكانوا لا يعرفون السفن قبل ذلك ويقولون له يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة؟ فلما فرغ عليه السلام من عمله وجاء أمر الله صعد نوح عليه السلام إلى السفينة ومعه كل من ءامن من قومه ومن جملتهم أولاده الثلاثة سام وحام ويافث وزوجاتهم، أما ولده الرابع كنعان فكان من الكافرين.

فدعاه إلى الإيمانِ وأن يصعد معهم السفينةَ فرفض وقال كما جاء فى سورة هود ” قال سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء” فردّ عليه والده ” قَال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ” وأوحى الله إلى نبيه نوح عليه السلام أنه لن يؤمن بك من قومك إلا من قد ءامن وقيل أنهم كانوا بِضعة وثمانين شخصا، فلما علم نوح عليه السلام ذلك صار يدعو على الكفار ويقول كما جاء فى سورة نوح ” رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا” ومعناه لا تترك يا ربي أحدا من الكفار حيا على وجه الأرض، وأخذ نوح عليه السلام معه في السفينة من البهائم والطيور من كل نوع ذكرا وأنثى، ثم أمر الله تعالى الأرض أن تنبع ماءها فنبع الماء من جميع فجاجها مدة أربعين يوما ثم نزل المطر من السماء أربعين يوما فالتقَى ماء السماء على الماء الذى نبع من الأرض، ولولا ذلك لخرّب ماء السماء من قوته وضخامته الجبال وشقق الأرض لأنه نزل قطعا ضخمةً ذلك الوقت ليس كالمطر الذي ينزل اليوم، وقد بلغ ماء الأرض الذي تحمل ماء السماء ارتفاعا عظيما يستغرق الشخص لو أراد قطعه خمسةَ أشهر حتى يبلغ أعلاه فأغرق الله الكافرين، وظل نبى الله نوح ومن معه فى السفينة نحو ستة أشهر.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *