Share Button

بقلم
د. محمود محمد علي
تمثل الشائعة كظاهرة اجتماعية عنصراً مهما فى نسيج كل ثقافة من الثقافات البشرية .. فهى وليدة مجتمعها، وتعبر تعبيراً عميقاً عن ظروفه النفسية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.. ولذلك تعد المفتاح الذهبى لدراسة المجاهل العميقة لهذا المجتمع وتحديد ملامحه وخصائصه.
والشائعة هي خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع و تُتداول بين العامة ظناً منهم على صحتها . دائماً ما تكون هذه الأخبار شيقة و مثيرة لفضول المجتمع والباحثين و تفتقر هذه الإشاعات عادةً إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحة الأخبار . وتمثل هذه الشائعات جُزءاً كبيراً من المعلومات التي نتعامل معها .
والشائعات لها تأثير كبير علي المجتمعات؛ حيث تؤدى إلى تفكك وتدهور المجتمع ،كما تؤدى إلى تماسكه وفقا لدورها فى خفض أو رفع الروح المعنوية لذلك المجتمع.. فمن خلال الشائعات يمكن أن تتبدل أو تتغير مواقف الأفراد وعلاقاتهم وتفاعلاتهم.. ويمكن أن يعزف الناس عن شراء منتج أو زيارة مكان.. فالشائعات يمكن أن تؤثر فى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية ، والسياسية، والنفسية، والثقافية للشعوب ويمكن أن تؤثر فى العلاقات الدولية واستقرار المجتمعات.
والشائعة سلاح يتطور مع تطور المجتمعات وتقدم التكنولوجيا ، وهذا بدا واضحا عقب ثورات الخراب العربي ، حيث باتت الشائعات تسيطر علي حيز كبير من مصادر الأحداث في نقل الخبر في ظل سرعة وصول المعلومة وما تعانيه مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الاخبارية من فوضي واختلال في آلية التأكد من صحة ما هو منقول ، وكل ذلك من أجل ضرب استقرار البلاد، من خلال نشر آلاف الأكاذيب التى تغزو مواقع التواصل الاجتماعى والمواقع الإلكترونية المشبوهة لتقديم وجبة من السموم الفكرية إلى القراء.
ومنذ عدة شهور قام التليفزيون المصرى، بمحطاته المختلفة التى تبث من ماسبيرو، بالتصدى لبعض الشائعات، تذكر الشائعة، ويرد عليها فى الحال. الأسلوب يبدو للوهلة الأولى جيد فى سرعة المواجهة، لكنه متأخر جدا، ويأتى كرد فعل لحديث الـ21 ألف شائعة، كما أنه علاج وليس وقاية من هذه المشكلة الكبيرة.
ولهذا يتوجب علينا فى إطار المواجهة ضرورة العناية بدراسة الشائعة فى مختلف مؤسساتنا ومعاهدنا فقد تحدث الشائعة علما له قوانين ونظريات ودراسات ونتائجه التجريبية والواقعية بحيث يمكن توجيهه لتحقيق مطامع وأهداف بعينها فى إطار المفهوم الشامل للحرب النفسية وللوقاية من أخطار الحرب المستمرة ضدنا.
كما يتوجب الأمر إنشاء جهاز أو هيئة على المستوى الوطنى لمواجهة الشائعات سواء عن طريق وضع الاستراتيجيات والخطط للوقاية منها أو لمواجهتها، وتحديد الإمكانيات المادية والفنية والبشرية اللازمة لتنفيذ هذه الخطط ومتابعتها وتقويم النتائج وتحديد الأطر المستقبلية للمواجهة وخطط الحملات المضادة والتنسيق بين مختلف الجهات الحكومية ووسائل الإعلام ومنظمات المجمع المدنى وتحديد دور كل منها فى الوقاية والمواجهة، وتقديم النصائح للمسئولين والمواطنين فى كيفية دحض الشائعات ومواجهتها، وتزويد المسئولين بالمعلومات الكافية والدقيقة عن الموقف حتى يمكن توجيه الأحداث وتقديم النصائح للمواطنين، واقتراح إجراء الدراسات اللازمة حول الشائعات، وعلاقاتها بالحرب النفسية والدعاية لتوفير قاعدة علمية يمكن الاستفادة منها لمواجهة الشائعات وتدريب الفنيين والأخصائيين والخبراء.
د.محمود محمد علي
مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *