Share Button

لمَ شرع الصيام”؟
بقلم / محمــــــد الدكــــــرورى
يأتى الينا كل عام شهر كريم وصفه لنا الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم- بأنه سوق أقام ثم إنفض ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر وإن شهر رمضان يمتاز بأنه شهر المواساة والتراحم والجود والكرم والتكافل بين المسلمين، حيث حثّ الإسلام على الصدقة في هذا الشهر توثيقا لرابطة المسلمين بعضهم مع بعض، وسدا لحاجة الفقراء والمساكين. فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا ” أخرجه الترمذي .

فقوله صلى الله عليه وسلم “من فطّر صائما” أي أطعمه وسقاه عند إفطاره، وهذا فيه دعوة إلى الجود والكرم والمواساة.

ولهذا السبب نفسه ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، فَـلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ” رواه البخاري .

قال ابن رجب – رحمه الله تعالى -: “وكان جوده – صلى الله عليه وسلم – كله لله – عز وجل – وفي ابتغاء مرضاته؛ فإنه كان يبذل المال إما لفقير أو محتاج، أو ينفقه في سبيل الله، أو يتألَّفُ به على الإسلام مَن يقوى الإسلام بإسلامه… وكان يؤثر على نفسه وأهله وأولاده، فيعطي عطاءً يعجز عنه الملوك مثلُ كسرى وقيصر، ويعيش في نفسه عيش الفقراء، فيأتي عليه الشهرُ والشهران لا يُوقَدُ في بيته نار، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع.

وكان قد أتاه – صلى الله عليه وسلم – سبيٌ مرة فشكت إليه فاطمةُ ما تلقى من خدمة البيت، وطلبت منه خادمًا يكفيها مؤنة بيتها، فأمرها أن تستعين بالتسبيح والتكبير والتحميد عند نومها وقال: ” لا أعطيك وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع”.

ومن فرط جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يرد سائلاً ؛ مع شدة حاجته صلى الله عليه وسلم؛ ومع ذلك يؤثر غيره على نفسه! ؛ فَعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
” أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا ، أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ ؟ , قَالُوا : الشَّمْلَةُ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَتْ : نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ , فَقَالَ : اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا ؟ , قَالَ : الْقَوْمُ مَا أَحْسَنْتَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ ، قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي ؟ ” , قَالَ سَهْلٌ : فَكَانَتْ كَفَنَهُ .” البخاري .

إن جود وكرم النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ليدل دلالة واضحة على فضل وعظم الإنفاق والصدقات في شهر رمضان؛ ويظهر ذلك جلياً في تمني الميت الرجوع للدنيا مرة أخرى للتصدق؛ لما يرى من عظيم ثواب وأجر الصدقة والكرم والجود؛ قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} المنافقون.

فهنا قال الميت: (فَأَصَّدَّقَ) ولم يقل لأعتمر أو لأصلي أو لأصوم!! قال أهل العلم : ﻣﺎ ﺫﻛﺮ الميت ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ إلا ﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﻣﻦ أثرها بعد موته”.

فالمؤمن الكيس الفطن هو الذي يدخر صدقته لتنفعه في أُخراه ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي!! وإِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى؛ أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى؛ أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى؛ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ” رواه مسلم .

وعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَا بَقِيَ مِنْهَا؟ قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا. قَالَ :”بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا” رواه الترمذي.

فأكثروا من الصدقة فإن المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته؛ وتصدقوا عن موتاكم فإن موتاكم يتمنون الرجوع للدنيا ليتصدقوا ويعملوا صالحاً فحققوا لهم أمنيتهم وعودوا أبناءكم على ذلك؛ تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين؛ ولو علم المتصدق حقّ العلم وتصور أن صدقته تقع في ( يد الله ) قبل يد الفقير ، لكانت لذّة المعطي .. أكبر من لذة الآخذ ..!

وإن من معاني الصيامِ العظيمةِ: إحساسَ الأغنياء بحاجة إخوانهم الفقراء فيسدوا حاجتهم، ويجودوا عليهم.

فسئل أحد السلف: “لمَ شرع الصيام”؟ قال:”ليذوق الغني طعم الجوع؛ فلا ينسى الجائع”. لذا كان كثير من السلف يواسون من إفطارهم، أو يؤثرون به ويجوعون.

وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين فإذا منعهم أهلهُ عنه لم يتعشَّ تلك الليلة؛ وكان إذا جاءَه سائلٌ وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام، وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكلَ أهله ما بقي في الجفنة؛ فيُصبحَ صائمًا ولم يأكل شيئًا.

واشتهى أحد الصالحين من السلف طعامًا، وكان صائمًا، فوضِع بين يديه عند فطوره فسمع سائلاً يقول: “من يقرض المليّ الوفيّ الغني”؟ فقال: “عبدُه المعدمُ من الحسنات”. فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه وبات طاويًا!

فأين الأغنياء والموسرون؟! شهر الجود دونكم فجودوا جاد الله عليكم؛ {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} …

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *