Share Button

من الإلحاد والعلمانيّة إلى فوضى الأديان الوضعيّة

(المورمونيّة نموذجاً)

بقلم : د. عصمت نصَّار

من العسير الوقوف على البدايات التاريخيّة لظاهرة الإلحاد في الأبحاث المعنية بتاريخ الأديان. ومن الصعب أيضاً الفصل بين العلمانية بالمعنى الإصطلاحي لمصطلح Secularism والمعنى الدلالي، أي فصل المقدّس  عن السلوك الإنساني أو بدلالته الإجرائية التي تعني تهميش الدين أو حصره في دائرة الشعور ومنعه من التدخل في الأمور السياسية وما يتبعها من القضايا الإجتماعية والإقتصادية والأخلاقية والتربوية وذلك في الفلسفة الغربية.

أمّا الثقافة الشرقية فقد ربطت بين الإلحاد والعلمانية عقب تسلل المصطلح الأخير في الكتابات الصحفية المسيحية، واستخدمت الكلمة بمعنى اللا أكليروسي (أي النظام المُخالف للمراسيم الكنسية المتفق عليها منذ القرن الثالث الميلادي).

وفي الثقافة الإسلامية قد ذاع المصطلح في أخريات القرن التاسع عشر والعقدين الأول والثالث من القرن العشرين، مُصاحباً لمفهوم المدنية والتحديث الغربي ولا سيما بعد ظهور الدستور العثماني عام 1908م، والمساجلات التي دارت بين المفكرين العرب حول القديم والجديد، وكثرة البدع العقديّة مثل (الإزيدية، النصيرية، الدروز، البابية البهائية، القاديانية، المهديّة، والخُمِينية)، وذلك في الثقافة الإسلامية. والديانات (المارونية، الجازويت، شهود يهوا، الأوبوس داي “حبرية الصليب المقدس”، والمونية، السبتيون “الأدفنتست”)، وذلك في الثقافة المسيحية الحديثة. والديانات (يهود الدونمة “السبتائيين”، الصهيونية، أبناء العهد “بناي برت”، الروتاري، الليونز) وغيرها من البدع الصهيونية المعاصرة. وإذا كانت الدراسات الحديثة عن يهود الدونمة كانت وراء كشف العلاقة التي تربط بين تركيا والمغرب وإسرائيل.

فالحديث عن الديانة المورمونية سوف يفضح سر العلاقة بين المنظمات الصهيونية والجمعيات الأنجلو أمريكية والحركات الإنجيلية في مصر التي أنتشرت في نهاية القرن العشرين وبدايات الحادي والعشرين تحت مظلة الماسونية. وسوف نحاول في السطور التالية توضيح ذلك.

 ــ نشأة المورمونية وأصل التسمية:

تُرد التسمية بحسب ما جاء في مقدمة مؤسس المورمونية “جوزيف سميث” (1805-1844م) “إلى ملك ولد في أمريكا يُدعى “موروني” وقد كتب تعاليمه المُوحى بها على ألواح ذهبية (أو النحاس الأصفر) بحروف أقرب للكتابة الديموطيقية المصريّة، وقام بدفنها في تل قريب من منزله في مدينة مانشستر بولاية نيويورك، ويرجع تاريخ الكتاب بحسب الروايات الأمريكيّة (إلى 2000 ق. م حتى 400م).

أمّا متن الكتاب؛ فينقسم إلى خمس عشرة سفراً، معظمه من نصوص الكتاب المقدّس، وبلغ عدد الإقتباسات300 إقتباس، وأخبار اليهود الأوائل – الذين لم تذكر سيرتهم في كتب المؤرخين – الذين هاجروا إلى أمريكا قبل إكتشافها بعشرات القرون وذلك نحو عام 590 ق. م، وكان معظمهم من الهنود الحمر، وسكان مصر القديمة، وعلى رأسهم “مورمون” الذي أرّخ للرحلة من أورشليم إلى نيويورك نحو عام 451م، (وهو آخر سلالة النافيين)، وشذرات من صحف إبراهيم المنقولة من برديات مصريّة؛ بالإضافة إلى كتاب المبادئ والعهود، وهو نص وحي المسيح إلى الغربيين، ورؤى النبيّ “سميث” وأحاديثه ونصائحه، وسجل بأسماء المهاجرين الأوائل وواقعات زيارة المسيح للقارة الأمريكيّة. وبات كتاب المورمون بمثابة الكتاب المقدّس لهذه الطائفة.

وقد تُرجم إلى عدّة لغات على رأسها الإنجليزية القديمة، وهو من أقدم الوثائق التي تحدثت عن آدم وحواء، والخطيئة الأولى، والخَلاص، واليوم الآخر (أي قيام الساعة ونهاية العالم) بسياق يختلف بعض الشيء عما أورده العهد القديم، وعما تناولته نصوص العهد الجديد.

وفي رواية أخرى تنسب أيضاً لـ “سميث” أنّ الكتاب قد تلقاه من ملاك من ملائكة الرب يدعى “موروني”، قد تجلى له وهو في سن السابعة عشر (أي في عام 1822م) وأخبره بوجود تعاليم مقدّسة نقلها بعد الأنبياء القدامى الذين ظهروا قبل مجيئ المسيح بـ ستمائة عام، وقد أُرسلوا جميعاً لهداية الغرب، ودونوها على ألواح ذهبية أو النحاس الأصفر وحفظوها تحت تل في مقاطعة وين بولاية نيويورك.

وأضاف “سميث” أن الملاك “موروني” قد ظهر له وحدد موعداً للقائهما وهو يوم22 سبتمبر من كل عام؛ ليكمل رسائل الرب ويبصره بها بوصفه نبي آخر الزمان، وقد أوصاه بعد أربع لقاءات بينهم بأن يقوم بترجمة التعاليم المكتوبة في الألواح الذهبية إلى اللغة الإنجليزيّة. وقد أطلع “سميث” أحد عشر رجلاً على الألواح الذهبية قبل ترجمتها، وكتبوا شهادات تؤكد إطلاعهم عليها وحرّروا تلك الواقعة بإقرارات مُوقعة بإمضائهم وجعلوها بمثابة وثيقة في صدر النص الأصلي المُترجم.

وقام صديقه “مارتن هاريس” بمعاونته في ترجمة الألواح غير أن “سميث” أراد الاستئثار بترجمة الجزء الذي أنتهيا من ترجمته، واحتفظ به لنفسه، وادعى أن الوحي قد توقف عن النزول من قبل الرب، وذلك بعد أن قامت زوجة صديقه “لويس هاريس” بسرقة ما أخفاه “سميث”، ولمّا استردها، أعلن لأتباعه أن الوحي استئنف حديثه معه؛ ليكمل ما بدء وذلك عقب إستعانته بصديق آخر يُدعى “أوليفر كاودري”؛ لإعانته بفك تشفير الكتاب، وإكمال الترجمة وذلك عام 1829م. ثم أعاد “سميث” الألواح الذهبية التي تحوي النص الأصلي إلى “موروني” بعد نشر الكتاب المترجم عام 1830م.

وقد أعلن “سميث” نبوته وأسس كنيسة خاصّة بهذه الديانة الجديدة في مدينة سولت ليك سيتي، التي أصبحت مكاناً مُقدّساً يحج المؤمنون المورمونيون إليها في كل عام. وادعى “سميث” أنه النبي الذي يحقق لأتباعه السعادة في الدنيا والآخرة، وسوف يخّلص العالم من الشرور وينتصر على الشيطان قبيل نهاية الزمان، وأعلى من شأن أتباعه وأعتبرهم شعب الرّب المختارين الحقيقيين، وأن كنسيتهم تعلو كل المعابد والكنائس التي عُبد فيها الإله، تلك التي قام بترتيبها على شكل هرمي وجعل كنيسة مورمون على قمتها. ولها رئيس يخضع إلى سلطانه كل الكنائس التابعة لهذه الديانة في إنجلترا ونيوزيلندا وألمانيا والنمسا والسويسرا واستراليا واسكندينافيا.

وذلك كله بتوجيه من يسوع المسيح الذي تجلى إلى اليهود والمسيحيين الأوائل المهاجرين إلى أمريكا من أورشليم ببشارة جديدة تخلصهم من الإضطهاد والظلم الذي يعانون منه بتأثير من السلطات القائمة أو الملل والمذاهب الأخرى التي جنحت عن الناموس الحقيقي؛ ليجدد لهم دينهم.

ويصطفي “جوزيف سميث” ورفقائه من الحواريين باعتبارهم عُمّد الكنيسة المورمونية الحديثة التي تعلّم (تخبر) بأن المسيح هو إنسان وإله في آنٍ واحد، وأنه صُلب ودُفن ثم قام من بين الأموات من أجل خلاص البشر، وذلك في إقامته الأولى، ولمّا فسدت الكنيسة اليسوعية الأولى، وأُدخلت على تعاليمها بعض العقائد الوثنية هبط المسيح من السماء مرة ثانية، وأختار “جوزيف سميث”؛ ليكون نبي الأمة الغربية لإصلاح ما فسد وتبشير المخلّصين ويُنبأهم باقتراب الأيام الأخيرة، ودورهم في عملية التطهير التي ستعيد الناموس إلى سابق عهده بكلمات الرب الجامعة بين المخلّصين من بني صهيون والمبشرين من اليسوعيين المقيمين في إسرائيل (أورشليم) وأمريكا (نيويورك ولاية يوتاه). وقد بلغ عدد المؤمنين بهذه الطائفة أكثر من خمسة مليون حتى عام 2000م.

(وللحديث بقيّة)

بقلم : د. عصمت نصّار

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *