Share Button

هنا سجن نبي الله يوسف بمصر منذ آلاف السنين

متابعة/محمد مختار

جاء في حديث الإسراء أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال “فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطى شطر الحسن” وتم تفسير ذلك بأن يوسف كان أجمل خلق الله بعد آدم، ولم يكن جماله يتلخص في شكله فقط بل جمال أخلاقه زاده جمالا على جماله، ورغم أن حسنه سبب له الكثير من المحن لكن قوة إيمانه وصبره جعلته يستطيع تحويل المحن إلى نعم.
وسورة يوسف من أكثر السور المحببة إلى قلوب المسلمين فهي تبدأ بحلم وتنتهي بتفسير هذا الحلم، وهي السورة الوحيدة في القرآن التي تقص قصة كاملة بكل لقطاتها، لذلك قال الله تعالى عنها: أنه سيقص على النبي صلى الله عليه و سلم “أحْسنَ القَصَص”، لكنها لم تجيء في القرآن لمجرد رواية القصص ولكن هدفها جاء في آخر سطر من القصة وهو: “إنَّهُ مَن يتَّقِ و يَصبر، فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنين”.
وأما عن بئر سيدنا يوسف فيقال إنها تقع بقلعة صلاح الدين بمصر بالناحية الجنوبية من جامع الناصر محمد بن قلاوون وقد اشتهرت باسم يوسف حيث نسبته الأساطير الشعبية إلى النبي يوسف عليه السلام كما تسمى أيضا بئر الحلزون، وقد نسبته المؤرخون إلى بهاء الدين قراقوش الذي حفره بأمر من الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب.
وقد زارت أسرة تحرير اللواء الإسلامي في 24 مارس 1983 هذه البئر التي يقال إنها البئر التي رمي فيها سيدنا يوسف منذ 3699 عاما، حيث قالوا: وقفنا نتطلع إلى الأرض فلم نجد أثرا لهذه البئر فطلبنا من الحارس أن يرشدنا إلى موقعنا فأشار إلى باب خشبي ضخم فدخلنا منه وسرنا بضع خطوات لنشاهد عن يميننا سلما حجريا حلزوني الشكل وهبطنا 27 درجة ثم انحرف بنا السلم ناحية اليسار وكانت درجات السلم تتسع كلما هبطنا إلى أسفل ثم بدت لنا أول نافذة ثم تعددت النوافذ وبلغ عدد درجات هذا السلم 444 درجة وبلغ ارتفاعها مائة متر حتى وصلنا إلى سطح البئر.
والبئر التي غصنا إلى قرارها توجد داخل أسوار القلعة لتبدأ رحلتنا مع ذكريات قصة سيدنا يوسف التي سجلها الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم.
إن إخوة سيدنا يوسف قد تآمروا على ضرورة التخلص منه حيث فكروا في قتله إلى أن اتفقوا على إلقائه في البئر، وكان لسيدنا يوسف أحد عشر أخا أنجبهم سيدنا يعقوب من 4 نساء وهم: روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وايساخر وزايلون وأمهم “ليا”، ودان ونفتالي وأمهما “بلهة” جارية “ليا”، وجاد وأشير وأمهما “زلفى” جارية “راحيل”، ثم يوسف وبنيامين وأمهما “راحيل”، ولسيدنا يوسف أخت واحدة هي “دينا” بنت ليا.
آثار الحب الذي يتمتع به سيدنا يوسف من قبل والده حقد وغيرة أخوته وفكروا في قتله ولكن أخاهم “روبيل” أشار بإلقائه في البئر واستقر رأيهم على ذلك وأقنعوا أباهم أن يسمح لهم باصطحابه معهم ليلعب ويمرح، فلما سمح لهم بعد إبداء مخاوفه أن يتعرض للأذى وهم في انشغال عنه، وبعد أن انفردوا بأخيهم يوسف قاموا بإلقائه في البئر بعد أن جردوه من ثوبه ثم ذبحوا شاة صغيرة ولطخوا ثوب يوسف بدمائها وقدموا ثوبه إلى والدهم وهم يقولون لقد أكله الذئب، ولكن الثوب الملطخ بالدماء كان سليما ولم تبد به أي علامة من علامات أنياب الذئب وسيدنا يعقوب أدرك حقيقة ما حدث فقال لهم “قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ”.
سيدنا يوسف في البئر لا يجد مخرجا ظل ينتظر أمر الله وإذا بدلو يسقط إلى قاع البئر فتعلق به يوسف فكتب الله له النجاة وفرحت به القافلة حيث باعته ضمن مبيعاتها واشتراه رجل اسمه “مالك بن زعر بن نويت” وجاء إلى قلب مصر فاشتراه عزيز مصر بعشرين دينارًا.
وعزيز مصر الذي اشترى يوسف هو الوزير “قوطفير بن روحيب” وكان ملك مصر في هذا الوقت هو “الريان بن الوليد”، أما زوجة عزيز مصر فهي “راعيل بنت رماييل” وشهرتها “زليخة” وهي في نفس الوقت بنت أخت الملك الريان.
وقد عاد عزيز مصر بيوسف إلى بيته وأوصى زوجته “زليخة” أن تحسن إليه وترعاه وعاش سيدنا يوسف في بيت الوزير المصري حتى كبر.
أعطى سيدنا يوسف شطر الحسن، وراودته زليخة عن نفسه وليس أبلغ من كتاب الله في وصف ذلك “وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ”، وقد عصمه الله وبرأه إذا قال القرآن على لسان يوسف “هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي” وقالت زليخة: ” مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا”، وقد تأكد عزيز مصر من براءة يوسف “فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ”.
شاع أمر زليخة وتناولت النساء سيرتها ولما بلغها هذا الأمر استدعتهن إلى بيتها وقدمت لهن الفواكه وأعطت لكل منهن سكينا ثم أخرجت يوسف عليهن بعد أن ألبسته أحسن الثياب فلما رأينه أخذتهن الدهشة والذهول من جماله وشبابه، وقطعن أيديهن “فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ”.
وقد اعترفت زليخة أمام النساء بأنها راودته عن نفسه فأبى، وأكدت أمام النساء أيضا أنه إن لم يستجب لرغبتها فسوف يتعرض للسجن والعذاب, وقد تولت النساء إقناع يوسف لإجابة أمر زليخة لكنه أبى بشدة وقال: “رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ”.
أمام كل هذه الشائعات استقر رأي عزيز مصر على إيداع يوسف السجن، وكان في السجن شخص أسمه “بنوا” وهو ساقي الملك وشخص آخر اسمه “مجلث” وهو خباز الملك.
ويقال إن موقع السجن الذي سجن فيه سيدنا يوسف كان بمدينة “البدرشين” التي تقع في محافظة الجيزة، وقد رأى ساقي الملك السجين رؤيا في منامه “أن شجرة من العنب قد نبتت من رأسه فقام بعصر عناقيد العنب في كأس وقدمه للملك”، ورأى الخباز “على رأسه ثلاث سلال من الخبز والطير تأكل منها”، وطلبا منه تفسير هذه الأحلام.
فقال لهم سيدنا يوسف: “يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا” أي أن الساقي سيفرج عنه ويعود إلى عمله كساق للملك أما الثاني وهو الخبار فسوف يصلب حتى تأكل الطير من رأسه وقد طلب يوسف من الساقي أن يذكره عند الملك.
رأي ملك مصر في منامه “سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ” وقص الملك الرؤيا على حاشيته وطلب منهم تفسيرها له، فقال بعضهم أنها “أضغاث أحلام”، واعترف الآخرون بأنهم لا يعرفون وهنا تذكر الساقي الذي كان في السجن أن سيدنا يوسف يستطيع تفسير هذه الرؤيا فأخبر الملك بأمره وطلب إرساله إلى يوسف في السجن وقال له يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا” ففسر يوسف الرؤيا بحدوث سبع سنين من الخصب تعقبها سبع جدب وأرشدهم إلى ضرورة تخزين الحبوب في سنوات الخصب حتى تكون رصيدا لهم في سنوات الجب والجفاف
وأمر الملك بإحضار يوسف من السجن ولكن رفض حتى يتثبت الملك من براءته “وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ”، واستدعى الملك النساء فاعترفن ببراءة سيدنا يوسف كما اعترفت زليخة بأنها راودته عن نفسه وأنه بريء، وعندئذ قال الملك: “ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي” وجاء يوسف إلى الملك فجعله من كبار دولته فطلب يوسف أن يوليه على خزائن الأرض.
وفي سنوات الجفاف جاء أخوة يوسف إلى مصر طلبا لبعض المؤن فعرفهم سيدنا يوسف ولم يتعرفوا عليه، و سألهم يوسف عن أحوالهم وعددهم حيث لاحظ أن شقيقه بنيامين ليس معهم وطلب منهم أن يحضروا أخاهم المرة القادمة ورد لهم أموالهم أو بضاعتهم التي جاءوا بها لشراء الحبوب.
وفي العام التالي عادت أخوة يوسف ومعهم أخوهم بنيامين بعد أن أكدوا لوالدهم أنه موضع رعايتهم وقد أوصاهم أن يدخلوا مصر من أبواب متفرقة لكثرة عددهم، ولما دخلوا على يوسف ومعهم بنيامين شقيقه أخبره بحقيقة الأمر وأنه يوسف وأواه وقرر أن يظل معه.
فلجأ إلى وضع “الكيل” في متاع أخيه بنيامين ثم أعلن أن الكيل سرق، وسألهم عن جزاء من يوجد لديه فقالوا أن السارق يدفع إلى المسروق منه (وهذه كانت شريعة السرقة في هذا الوقت) وحين وجدوا الكيل في متاع بنيامين عرضوا أن يأخذ أحدهم بدلا منه ولكن يوسف رفض ذلك، فقرر أخوهم الأكبر “روبيل” البقاء في مصر حتى يأذن له أبوه بالعودة أو يتمكن من استرداد أخيه.
قرر سيدنا يوسف أن يعلن الحقيقة لأخوته فحين عادوا يلتمسون منه إعادة بنيامين والحصول على بعض المواد التموينية وشكوا إليه ما صاروا إليه من ضيق الحال، ” قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ” وهنا تعرفوا عليه وقالوا أنت يوسف واعترفوا بخطئهم وطلب منهم يوسف العودة إلى أبيهم وأعطاهم أحد ثيابه ليضعوه على وجه أبيهم فيعود إليه بصره الذي فقده من الحزن، ثم يعودون مرة أخرى ومعهم والدهم وجميع أهلهم.
وقد استطاع سيدنا يعقوب أن يتعرف على رائحة قميص ابنه يوسف قبل أن يصل إليه أولاده حيث نفذوا ما أوصاهم به يوسف وألقى أحدهم القميص على وجه أبيه فارتد إليه بصره.
جمع سيدنا يعقوب أفراد أسرته استعدادًا للقاء ابنه يوسف في مصر وتلبية دعوته حيث كانت سنوات الفراق قد تجاوزت 80 عاما، وحين اقتربت القافلة من أرض مصر أرسل سيدنا يعقوب ابنه “يهوذا” ليخبر أخاه بمقدمه، وخرج سيدنا يوسف للقاء والده وأهله حيث تم اللقاء في أرض جوشن (وهي بلبيس بمحافظة الشرقية حاليا)، وقد خرج معه الملك وجنوده وأقاموا خياما في بلبيس لاستقبال أهل يوسف، وكانت القافلة تضم 83 شخصا غير والده.
تم اللقاء بعد أن طال الفراق ورفع يوسف والديه تقديرًا على العرش وبعد أن اجتمع الشمل خروا له جميعا ساجدين، وهكذا تحققت الرؤيا التي رآها سيدنا يوسف وحكاها لوالده وهو صغير.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *