Share Button

 

كتب / سليم النجار 
عاث بعض المثقفين العرب فسادًا في الوعي الجمعي العربي ، عندما مارسوا عقدهم اتجاه الأوربي الغربي ؛ الذي احتل واستعمر ونهب ارضنا وسرق تاريخنا ، ومازال يَحن للعودة لإستعمارنا بأشكال مختلفة وبأقل التكاليف ، عن طريق البعض ممن امتهن الثقافة كلقمة عيش ، عن طريق عشقه للمركزية الأوروبية يقدّسون نظرات أفلاطون صاحب الجمهورية الطوباوية الطبقية المراتبية ، يحبونها فقط لكونها أول نظام افتراضي يوصل للعبودية مفاهيمياً وممارسياً .
والبعض الآخر تناسى عن عمد ما قدمته الثقافة العربية ، معتبرًا أي حديث في هذا الشأن ، هو عودة للماضي ، أو كما يُسميها التحذلقون منهم ” الماضوية ” .
وهنا سنتوقف امام بعض الشواهد التي ترينا زيف مثل هذه الادعاءات وسنختار مثلاً واحد لنص قصير كتبه الفارابي باسم ” رسالة الألوان ” وفي هذه الرسالة مقاربة طريفة لمعنى اللون والتدرجات اللونية وعلاقة الألوان بالأثير والطيف ، وماهية اللون الأسود ، وكيف أن هذا اللون يتبلور من خلال معادلتي الضياء والظلام ، حتى أن الفارابي يذهب إلى ان اللون الأسود غير حقيقي وانه إنما يُرى عبر سطوح الضياء في منطقة الظلام !! ، بل تثمين الجرأة العقلية الذوقية إلى البحث عن ماهية الألوان في وقت لم تكن أوروبا فيه تعرف هذه الألوان إلا بوصفها ظاهرة طبيعية قابلة للنعت لا اقل ولا أكثر .
والشاهد الثاني نجده عن خليل إبن الفراهيدي الذي توصلّ إلى اكتشاف عروض الشعر العربي من خلال الموسيقى المجردة ، حيث وجد ان تراتب الحركة والسكون في تفعيلة الشعر إنما هي تعبير عن الموسيقى الكلية للوجود ، وهي ذات المذهب الذي حدا بالايطالي الكبير ” دانتي” إلى موسقة اللغة الايطالية بكتابتها عبر تراتب الحركة والسكون وهي حالة فريدة في كل اللغات الإنسانية ، فالايطالية تكاد تنفرد بهذه الخاصة الظاهرة على سطح الكتاب ، فهي لغة تكُتب كما تقُرأ واذ راجعنا ” رسائل اخوان الصفا وخلان الوفاء” المؤسسة على استدعاء المعارف العلمية اليونانية والسابقة عليها أيضاً ، سنجد اسهامات كبيرة في تأصيل المعرفة الأشمل للعلوم ، مع اعتبارها ترميزاً لجوهر واحد ، وكذا الحال بالنسبة للحروف وتلك دلالة أخرى على ان العلوم العربية نقلت التراث المعرفي الإنساني وأضافت إلى ذلك عناصر نوعية أبرزت وحدة العلوم واعتبار أن كل علم شاهد على العلم آخر ، مُعيداً له مفاهيمياً ودلالياً .
ولن نطيل الحديث عن جابر ابن حيان والرازي وابن سينا ، فهؤلاء جميمعاً أسهموا في ترسيخ المعارف الكبيرة التي انتقلت إلى أوروبا وتطورت تباعاً في مختلف أرجاء العالم .
توقف علماء العرب في النقد والجمال مديداً أمام تلك النظرات وتفاعلوا معها تفاعلاً معرفياً ، ذوقياً وأفادوا منها في ما ذهبوا إليه تنظيرأً للفن والجمال مما لا يتسع له المقال .

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *