Share Button

 

قابلنى صديقى الكفيف الثمانينى وما ان سألته عن حاله حتى تهللت أساريره وانطلق لسانه يلهج بالحمد والثناء على الله الذى منحه قلبا راضيا ولسانا ذاكرا وبدنا على البلاء صابرا وقسمات وجهه تنطق بالرضا والطمأنينة والحبور فلما سألته عن سر هذه الحالة التى تسكنه من السعادة رد بأنه الرضا فهو شمس لا تغيب تملأ الدنيا نورا ودفئا وأنسا وتفاؤلا فالله تعالى ذكر الرضا بقوله (رضى الله عنهم ورضوا عنه) فى أربعة مواضع فى سورة المائدة آية 119 والتوبة آية 100 والمجادلة آية 122 والبينة آية 8 وأنبأنى انه حالما يكون المرء متلبسا بلباس الرضا فانه يكون مُسلما بكل ماقدره الله فى هذه الدنيا حلوه ومره خير وشره فاذا ضربته عواصف البلاء قابلها بمراكب الرضا فهى سفن النجاة فالله انما اراد بهذا البلاء ان يرفع درجاته وان يحط عنه من الخطايا وان يطهر نفسه وقلبه من خبث الدنيا وقذرها فان حدثوك عن شر مخيف بعد ان ترضى حدثهم عن رب لطيف وان كلموك عن غلس الليل البهيم فحدثهم عن نور الفجر الذى تنبلج أضواؤه فتملأ الدنيا ضياء فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا وان طافت بذهنك لحظات قنوط اخبرهم عن الأمل والتفاؤل وحسن الظن بالله وان حدثوك عن مستقبل ملبد بغيوم الخيبات حدثهم عن رب كريم له فى كل نفس مائة الف فرج قريب واخبرهم عن سحائب لطفه وشآبيب رحمته وجزيل نعمائه وواسع فضله ثم أردف ان الرضا مرتبة تعلو الصبر فالرضا ان تشكر الله على الاوجاع والالآم والبلايا وحين يصيبك طرف منها فاحمد ربك على عظيم العطايا وجميل المنح فهى جسرك للعبور للجنة وهى منزلة عالية لا يبلغها الا المحبون المتقون واستطرد ان المرء لو تجرد من الرضا فحتى لو ملك الارض وما عليها فلن تهدأ نفسه ولن يعرف للسعادة طريقا وسيلبس ساعتها أردية الردى وسيحيا منغصا كسير النفس حسير البال فى شقاء أبدى وتعاسة سرمدية وقلق دائم واضطراب مستمر فالكثير فى يديه سيغدو قليلا فهو جائع وان اكل افخر الأصناف من الأطعمة وهو ظامىء لن يرتوى البتة مهما احتسى من صنوف الشراب وهو عار مهما اكتسى وسيضحى تائها حيرانا زائغ البصر مبهور الانفاس مثقلا بهموم الدهر فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول من رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط فسألته فكيف السبيل ياشيخى؟؟ قال القرب من الله فكن حيث يريدك ربك كالغيث للناس اينما وقع نفع لا تدعن يوما يفلت الا اضفت فيه لبنة فى بناء نفع وطنك وامتك تتحدى الزمان كن عظيم المساعفة قليل المخالفة حسن الأخلاق كريم الطباع كن فى حاجة الضعفاء وآس الثكالى أغث الملهوفين أعن المساكين كن فى زيارة مريض او صلة رحم أعن على نوائب الدهر لن ينسى لك الله سرورا ادخلته على نفس بائس او محروم او يتيم اوصدقة جدت بها على محتاج او بسمة رسمتها على شفاه التعساء كن معطاء فما استحق ان يولد من عاش لنفسه اسع فى حاجة المعوزين ارفع راية الحب والتسامح وتغافل عن اخطاء الاخرين وغض الطرف عن نقائصهم كن داعية الحب وسامح واغفر لا تضمر للناس حتى الذين اساؤوا اليك الا الخير واياك ان تتواجد حيث اراد الجليل ان يفتقدك ولا تطرق بخواطرك غير بابه فمن أمل فى غير جنابه كساه ثوب المذلة كن راضيا لا تشكون ربك لعباده وعليك بصنائع المعروف فانها تقى مصارع السوء وارض ببلائك فهو تذكرة عبورك إلى الجنة وهاهو الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول اذا احب الله عبدا صب عليه البلاء صبا وثجه عليه وثجا فاذا دعا العبد قال جبريل يارب اقض حاجته فيقول الله تعالى دعه فانى احب أن اسمع صوته فاذا دعا قال الله عز وجل لبيك عبدى وعزتى لا تسألنى شيئا إلا أعطيتك ولا تدعونى باسمى الا استجبت فاما ان أعجل لك واما أن ادخر لك افضل منه قلت له فات البعض منا ياسيدى قطار العمر واضحى وحده فريدا يمضع العجز ويشتكى الشدة لدى اضعف شدة فقال الله اردا بهم ان لا يجمعوا بين دفتى قلوبهم حبا مع حبه فى الدنيا قلت قد عصت قلوبهم فأحبوا وفارقوا واكتووا بنيران فراق مستعرة بعد أن آل أمر الحبيب إلى غيرهم ولم يبق لهم الا الحسرات قال ومن ادراك أنهم اذ ذهبوا إلى الغير انهم فى حال سعادة ربما اتعسهم القرب وزادهم شقاء واراد الله لاصحابك الافلات من هذا المصير فوحده الله علام الغيوب وما معنى الرضا اذ لم يصبروا؟؟ فلما سألته عن الوحدة والصرخات والالام واللليالى الطوال قال كلها ان صحت العزمات تصنع المعجزات مع الرضا فأنات المكروبين احب إلى الله من ترانيم الشاكرين فالرضا يحيل بلاءهم إلى مزامير يناجون بها الخالق الأعظم فتسعد النفوس وتطمئن الأرواح المعذبة فليرضوا ياولدى وليجتهدوا فى طرق باب المنان فى ظلمات الليل البهيم ومن أدمن قرع الباب ولج والله المستعان قلت سبحانه هو قديم الاحسان دائم الخير كثير المعروف وهو بقلوب المحبين رؤوف قال بلى فلما سألته عن لوعتى بعد فراق أحبتى وأقرب المقربين من قرابتى الذين كانوا نسمة الهواء العليل فى هذا الهجير وتركونا فى بيداء الحسرات وقد ضاق الصدر وتاه الفكر وتحيرنا فى الأمر قال انهم فى البرزخ منعمون فى ضيافة الحنان المنان بطيب أعمالهم وحسن خواتيمهم وكريم منبتهم وبقدر ما قاسوا من ويلات حتى تلقاهم فى فجر القيامة فى فراديس الجنان واعلم بأنه باخلاصك لهم نجوت من جحود النفس ولعل أرواحهم التى تعلقت بك متصلة بروحك. تحيى فيك وفاءك وهم فى الألحاد مطمئنين فتعلق بمن هو حسبك وحسبهم فهو الباقى الديان وكفى فملكه مقيم وهو فى جلاله عظيم وبعباده رحيم ثم دعا لهم جميعا وودعنى وملء شدقيه ابتسامة عريضة وانصرف راشدا فاللهم ارزقنا رضا تملأ به أنفسنا وقلوبنا وتفتح لنا به خزائن عطاياك فانك صاحب الجود والكرم وصل على خير خلقك الذى علمنا كيف نرضى بقضائك ونسعد بقدرك صلاة تملأ اقطار السموات والأرض نورا حتى نلقاك راضين فرحين وأرحمنا بها رحمة تطمأن بها النفوس وتقر بها العيون وتحشرنا بها مع المتقين وفدا.
عادل رفاعى

Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *