Share Button

بقلم / محمــــــــد الدكـــــــــــرورى
لا يوجد على وجه الارض من لا يخطأ وهذا شئ معترف به فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وهذه حقيقة قررها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح الذي رواه الحاكم في مستدركه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وليس بدعا أو عيبا في الإسلام أن يخطئ الإنسان أو يذنب، فهو مجبول بطبعه على ذلك، ولا يمكن أن يسلم إنسان من ارتكاب الخطأ أو الوقوع فيه – إلا الأنبياء والمرسلون الذين عصمهم الله تعالى عن ذلك …

فقد جاء في الحديث الصحيح عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم –: (وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ) رواه مسلم.

ولكن المشكلة والمعضلة تكمن في الإصرار على الذنب والخطأ، وعدم الاعتراف به أو التراجع عنه، فما هلك من هلك ممن كان قبلنا إلا بإصرارهم على الذنب والخطأ، واستكبارهم عن التراجع عنه أو التوبة منه، وما فاز من فاز من الأفراد والمجتمعات والأمم إلا باعترافهم بالخطأ إذا وقع منهم، والتراجع عنه إذا صدر عنهم.

ونتوجه إلى الرافضين للاعتراف بالخطأ، نتوجه لهم بهذه الباقة من الكبار العظماء، إنهم أشرف وأطهر من مشوا على الأرض، إنهم أنبياء الله ورسله الذين اختارهم الله واصطفاهم، وأدبهم فأحسن تأديبهم، ومع ذلك فهم يُقدِّمون لنا الأسوة والقدوة في المبادرة للاعتذار والاعتراف للتأكيد على أنه خلق لا يشين ولا يقلل من قيمة صاحبه.

فهذا أبونا آدم وأمنا حواء اعترفا بما اقترفا لما انجرا وراء إبليس اللعين وأكلا من الشجرة، قال الله عنهما:
﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ …

موسى عليه السلام عندما وكز الرجل بعصاه فقتله، فماذا حدث؟ إنه لم يبرر فعلته، ولم يراوغ لإيجاد المخارج من هذا المأزق ولكنه اعترف ابتداءً أن ما فعله من عمل الشيطان”” ثم قام ليقدم الاعتذار ويطلب العفو والصفح والمغفرة”.

موسى عليه السلام لم يبرر فعلته، ولم يراوغ لإيجاد مخرج مما فعله، لكنه اعترف ابتداء أن ما فعله من عمل الشيطان ﴿ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ ﴾

ثم قام ليقدم الاعتذار ويطلب العفو والصفح والمغفرة من الغفار ﴿ قال رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾..

وعلى هذا فإن موسى – عليه السلام- حين أتى فرعون يدعوه إلى عبادة الله وحده استنكر فرعون أن يكون القاتل نبياً، وذكَّره بقتله القبطي ﴿ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ فما كان من موسى عليه السلام أن اعترف بذلك ﴿ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾

ونسي فرعون، أو تناسى أن موسى – عليه السلام – قتل القبطي خطأ أمّا هو فطاغية مجرم قتل عشرات الآلاف من المصريين، واستعبد بني إسرائيل، وكان يقتل المواليد من الذكور لِحُلم رآه.

والله سبحانه وتعالى وعد المخطئين الذين فعلوا ما فعلوه عن جهل، وسوء تقدير، ثم استدركوا، فتابوا، بالمغفرة والرحمة ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ..

واعتذر نبي الله نوح – عليه السلام – لربه، وطلب المغفرة منه تعالى فقال: ﴿ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾

وكما اعتذر نبي الله موسى – عليه السلام – لربه وطلب المغفرة منه تعالى قائلاً: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ ..

ويونس عليه السلام اعترف بما اقترف، فنادى ربه في ظلمات ثلاث، ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، فيا ترى ماذا كانت النتيجة؟ نتيجة الاعتراف، واللجوء إلى الله، فرج الله كربته، ونجاه من الغم، وليس هذا الفرج وكشف الكربات للأنبياء فقط، بل كذلك للمؤمنين المعترفين بتقصيرهم وفقرهم، قال تعالى:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ..

ابراهيم الخليل – عليه الصلاة والسلام – عابد الرحمن، مكرم الضيفان، مطفئ النيران، مكسر الأوثان رُغم هذه الصفات العظيمة لإبراهيم الخليل- عليه السلام – إلا أنه اعترف بخطئه وتقصيره فقال في آخر عمره كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ ..

وعلمنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقه الاعتراف بالخطأ ودلنا عل سيد الاستغفار حتى لا يطغى الإنسان ويعلم علم اليقين أنه مقصر في حق الله مهما كان تقياً ورعاً..

وقال – عليه الصلاة والسلام -: (سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت قال: من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة) رواه البخاري.

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *