Share Button

 

بقلم / محمـــــد الدكــــــرورى

نعبش فى الدنيا فى مجتمع كبير بين أفراد وجماعات ويحتاج كل منا الى الآخر ولا غنى للإنسان في حياته من معاملة إخوانه ومعاملتهم له، فهو بحاجتهم وهم بحاجته، ومع هذه المعاملة في الأخذ والعطاء والجلساء والخلطاء تقوم عهود ومواثيق وتنبثق اتفاقات ومواعيد، وكل هذه جوانب أخلاقية وقيم إنسانية لابد من مراعاتها والوفاء بها.

وإن الوفاء بالعهد قيمة إنسانية وأخلاقية عظمى ترسي دعائم الثقة في الأفراد، وتؤكد على التقارب في المجتمع، وإلاَّ فُقِدَتْ الثقة وحلَّت الخيانة مكان الأمانة، وانتقضت بذلك عرى الصدق والثقة، ولم يبقَ للكلام قيمة، وتتعسر حينئذٍ على الناس معيشتهم ومن هنا يقول الله عز وجل ” وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً ” …

ومن وصايا النبي الكريمة التي تحضُّ على الوفاء، وتأمر به، وتعيب مَن اتَّصف بضده: “رْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ” رواه البخاري ومسلم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اَنه لا دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ ” ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالمحل الأفضل، والمقام الأسمى، فوفاؤه، وصلته لأرحامه كانت مضرب المثل، وحُقَّ له ذلك وهو سيد الأوفياء وإن الوفاء بالعهد قيمة إنسانية وأخلاقية عظمى ترسي دعائم الثقة في الأفراد، وتؤكد على التقارب في المجتمع، وإلاَّ فُقِدَتْ الثقة وحلَّت الخيانة مكان الأمانة ..

وقد امتدح الله تعالى بالوفاء عباده المؤمنين الذين صدقوا عهودهم مع الله تعالى، ومع الناس، ورعوا الأمانات المختلفة الدينية والدنيوية، وثبتوا على هذه الحال حتى لقوا ربهم، قال سبحانه: ” قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ” إلى قوله: ” وَالَّذِينَ هُمْ لأَِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ” ..

إن الوفاء بالعهد أدب ربَّاني كبير، وخلق نبوي حميد وسلوك إسلامي نبيل وقد جعل الله صاحبها مسؤولاً عنها يوم القيامة: فقال ” وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً” ولقد جعل الإسلامُ نقيضَ هذه الصفة من صفات المنافقين؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «” وَعَدَ أَخْلَفَ ” رواه البخاري ومسلم.

والقرآن الكريم يدعو الناس إلى الوفاء بالعهود والعقود حتى مع الأعداء، وحذَّرهم من التشبه باليهود الذين قالوا: لا حرج علينا في حبس أموال العرب فقد أحلَّها الله لنا؛ لأنهم ليسوا على ديننا، وكانوا يستحِلُّون ظلم مَنْ خالفهم في دينهم، والله تعالى أمر المؤمنين بقوله: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ” …

وإن ما ينشئه الناس بينهم من عقود وعهود ووعود ليس كلامًا إنشائيًا، ولكنها قيم ومبادئ لا يجوز بحال من الأحوال نكثها وإخلافها، ولو أدى ذلك إلى الإضرار به وإيقاع الأذى، ولو كان فيه حتفه وقطع رقبته، ولذا يقال: “وعد الحر دَيْن”.

ولذلك كان في مقدمة أولئك الوافين بالعهود الأنبياء فهذا الخليل إبراهيم جاء وصفه في القرآن الكريم نديًا رطبًا بهذه الصفة الجليلة؛ قال تعالى: ” وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى” ، نعم، وفَّى حين ابتلاه الله بكلمات من الأمر الإلهي فأتمهنَّ، وفَّى حين قدَّم ولده إسماعيل قربانًا تنفيذًا لأمر الله تعالى، وفَّى حينما ألقي في النار فصبر ابتغاء مرضاة الله وثباتًا على دين الله تعالى.

والوفاء بالعهد هو قيام المسلم بما التزم به، سواء كان قولاً أم كتابًا، ولا يبرأ إلا بالوفاء به، وعندما يخلف عن قصد يخرج عن نطاق الإيمان ويقع في دائرة النفاق؛ وقد قال النبى الكريم “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له”.وقال “ثلاث من كنَّ فيه فهو منافق وإن صام وصلّى وزعم أنه مسلم، إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان”.

وإن الوفاء بالعهد صفةٌ لأولياء الله، قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء، فقال: كفى بالله شهيدًا، قال: فائتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلاً، قال: صدقت، فدفعها إليه على أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبًا يركبها يقدم للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر ..

فقال: اللهم إنك تعلم أني قد كنت تسلفت فلانًا ألف دينار فسألني كفيلاً فقلت:كفى بالله كفيلاً فرضي بك، وسألني شهيدًا فقلت: كفى بالله شهيدًا فرضي بذلك، وإني جهدتُ أن أجد مركبًا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبًا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبًا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال: والله ما زلت جاهدًا من طلب مركب لآتيك فيه، قال: هل كنت بعثت إليِّ بشيء؟! قال: أخبرك أني لم أجد مركبًا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف دينار راشدًا.

وهكذا عندما يصدق الرجل في عهده ووفائه، وهكذا عندما يهم الإنسان بدينه وعهده ليقضيه ولا يلتمس أعذارًا، وهكذا حينما تكون النفس عفيفة لا تأخذ إلا مالها، وكان بإمكان المسلف أن يأخذ ما أتاه به ولقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم المثلَ الأعلى في سائرِ مكارمِ الأخلاقِ ومن ذلك الوفاءُ بالعهد، فكان صلى الله عليه وسلم يفي بعهدِه ولم يُعرفْ عنه في حياتهِ أنه نقضَ عهداً قطعهُ على نفسه.

ودلائلُ وفاءِ النبي صلى الله عليه وسلم ما شهد له به أعداؤه بأنَّه يفي بالعهود ولا يغدرُ والحقُّ ما شهدتْ به الأعداءُ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أخبرني أبو سفيان رضي الله عنه أن هرقلاً قال له: سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت ‏” أنه يأمركم بالصلاةِ والصدقِ والعفافِ والوفاءِ بالعهدِ وأداءِ الأمانةِ، قال: وهذه صفةُ نبيٍّ‏ ” رواه البخاري .

لذا يجبُ على كلِّ واحدٍ منَّا التحليْ بهذهِ الصفةِ الكريمةِ لأنها دليلٌ ظاهرٌ على صدقِ الإيمانِ، وخصلةٌ من خصالِ المؤمنينَ الصالحينَ، وهي أدبٌ ربانيٌ جليلٌ، وخُلقٌ نبويٌ كريمٌ، وسُلوكٌ إسلاميٌ حميدٌ، وقِيمةٌ أخلاقيةٌ وإنسانيةٌ عظيمةٌ، وبها تُدْعَمُ الثقةُ بين أفرادِ الأسرةِ، والمجتمعِ، وتطمئنُّ بها القلوبُ، وتُزكَّى بها النُفوسُ، وتنمو أواصرُ التعاونِ بين أفرادِ المجتمعِ، فمن أعطى عهدًا لله أو لعبادِه فقد أصبح مسئولاً عن الوفاءِ به…..

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *