Share Button

بقلم – رشا يحيي

رغم أن برامج المسابقات الغنائية تجارية فى الأساس، تستهدف التسلية والإثارة لمحاولة دفع الجمهور للمشاهدة والتصويت، إلا أنها تؤكد على كثرة المواهب التى نمتلكها فى كافة ربوع مصر، وشتى البقاع العربية، بجانب المتعة التى تحققها أيضا عند الإستماع لمواهب حقيقية، وخاصة فى ظل تردى الفن، والتراجع فى مستوى الغناء والكلمات والألحان..وحين تتعلق تلك البرامج بالأطفال، فبالتأكيد تكتسب مزيدا من التعاطف مع المتسابقين، فالأطفال فى حد ذاتهم يصنعون البهجة بتلقائيتهم وفطرتهم النقية، فما بال من يمتلكون موهبة أيضا..والمشكلة أن هذه النوعية من البرامج تتطلب الإختيار بين المتسابقين، وبالتالى يتعرض بعضهم للرفض وتجربة الفشل، ونرى دموعهم البريئة على ضياع حلم حياتهم الذى يختزلونه فى تلك المسابقات، ونشعر بحرجهم وإنكسارهم..ورغم التعاطف الأكيد مع أى طفل خاسر حتى وإن كان محدود الموهبة، إلا أن التعاطف يتحول إلى غضب عاصف حين يكون هذا الرفض غير مبرر، وتكون الموهبة حقيقية، ونرى أطفال أقل موهبة قد تم إختيارهم!!.. فنرى كسر قلب طفل وأسرته ظلما وجورا..ومؤخرا ظهرت إحدى المواهب المصرية فى برنامج “ذا فويس كيدز”، وهى الطفلة/هايدى محمد (12عاما)، والتى تعرفنا عليها من خلال التقرير الذى يقدم عن كل طفل قبل شروعه فى الغناء..وحكت فيه الطفلة بلكنتها القروية، عما تتكبده من مشقة هى ووالدتها، حتى تذهب إلى أوبرا دمنهور وأوبرا القاهرة إسبوعيا، حيث تسكن فى قرية أبو مسعود مركز الدلنجات بمحافظة البحيرة..وتضطران لركوب عربة نصف نقل، حتى تنقلهمها إلى محطة القطار فى دمنهور أو القاهرة، لتحضر البروفات وتشارك فى الحفلات..وهى قصة جديرة بالإحترام لأسرة مصرية بسيطة، لم تدخر وقتا أو جهدا أو مالا لدعم موهبة إبنتهم، بعد أن تأكدوا من موهبتها..وهو ما يعكس ما يتسمون به من وعى، ربما تفتقده بعض الأسر الأكثر تقدما فى السلم الإجتماعى!…ثم فاجأتنا بصوتها الرائع وهى تغنى “هذه ليلتى” التى تعد من أصعب القصائد لأم كلثوم ..ورغم تفاعل الجمهور معها وتصفيقهم لها منذ بدايات الأداء -على غير العادة- وما بدى على المحكمين (نانسى عجرم، وعاصى الحلانى، ومحمد حماقى) من إنبهار بصوتها وأدائها، إلا أنهم لم يلتفتوا لها بكراسيهم، كما هو معتاد مع من يجتاز المرحلة!..فصُدمت الفتاة وأسرتها والجمهور لإستبعادها غير المبرر!..ولأننى تابعت حلقات البرنامج، وشاهدت أطفال تم إختيارهم أقل منها موهبة وأداءا بمراحل، لذلك تعجبت من موقف المحكمين غير المنصف!.والغريب أن لجنة التحكيم لم تبد أى سبب منطقى لرفضها، فقد أشادوا بموهبتها الفريدة وروعة أدائها، وبدا عليهم الحزن والندم لعدم إختيارها، وخروجها من البرنامج رغم إستحقاقها للإستمرار!!..وبالتالى فقد شعرت الطفلة ومعها الجميع بعدم الإنصاف!..فالمفترض أن يكون التقييم وفق أسباب موضوعية، ويفهم الطفل سبب إخفاقه ورفضه من المحكمين، حتى يتمكن من تصويب أخطاءه..ولكن أن يكون الإستبعاد دون معايير أو تبرير، فهذا ما يؤدى لزعزعة منظومة القيم التي تتشكل لدى صغار لم يكتمل نموهم الجسدي والنفسي بعد، ويترسخ داخلهم أن النجاح لا يأت بالجهد والتدريب والسعى، وإنما بأشياء أخرى!!.. ولكن لم ينته الأمر بدموع الطفلة وإنكسارها! فموهبة هايدى التى لم تستطع بها تحريك كراسى لجنة التحكيم، حركت بها قلوب الملايين فى الوطن العربى!.. والذين إنتفضوا على صفحات مواقع التواصل الإجتماعى لدعمها، ولإعلان غضبهم من الظلم الذى تعرضت له، وأصبحت هايدى بين ليلة وضحاها إسما معروفا تتداوله الصحف، وتستضيفها البرامج، ويقابلها النجوم.. لينطبق عليها المثل “رُب ضارة نافعة”..ولكن الإنتقادات الواسعة للبرنامج ولجنة لتحكيم، دفعت الفنان/عاصى الحلانى للتصريح بأن:”ظهور المواهب على الشاشة خلال فترة عرض البرنامج، لا تتم وفقا لإختيارات المدربين، ويترتب على ذلك ظهور الكثير من المواهب فى نهاية الحلقات، بعد إكتمال فرق المدربين، وأن إدارة البرنامج فى هذه الحالة تخير المشتركين ما بين الظهور فى البرنامج مع إستباعدهم، أو عدم المشاركة”..ورغم أن هايدى نفت ما قاله، وأكدت أنها لم تكن لتشارك لو علمت مسبقا بإستبعادها، إلا أن ما قاله يؤكد أن الإختيار لا يتم وفق معايير موضوعية، وأنه يتم وفقا لترتيبهم في الحلقات، وهو ما تحدده بالطبع إدارة البرنامج!!..وبالتالى فإن الإختيارات -كما أكد البعض فى برامج الكبار- معدة سلفا!!..وبغض النظر عن تقييم نوايا القائمين على تلك البرامج، وخاصة نحو المواهب المصرية، وأبناء الأوبرا صغارا وكبارا!!..فعلينا بمحاسبة أنفسنا أولا، فنحن نحتاج يقظة نحو ما نمتلكه من طاقات ومواهب هائلة تستحق الدعم، ويجب أن نعيد للأوبرا مكانتها فى أذهان الجميع، ولا نترك مصائر أبنائها فى أيدى من لا نعلم نواياهم، فالأوبرا أولى بأبنائها!..والمفترض أن تكون الملاذ الأول والأخير لهم حتى تتحقق نجوميتهم، فتوفر لهم العلم والتدريب والمساندة، وتُعدَهم من كافة النواحى، وتؤهلهم شكلا وموضوعا، وتصنع منهم شخصيات واعية لها رؤية ودور وتأثير..ويجب أن تعود قبلة للمواهب ليس فى مصر فقط بل لكل أبناء الوطن العربى.. إصنعوا نجومية مواهب الأوبرا، حتى تحافظوا على هيبتها وكرامة المنتمين لها!

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *