Share Button

بقلم / محمــــــــد الدكــــــــرورى
إنَّ الله تعالى انتدب عباده إلى البذل في سبيله فتسابَقَ المؤمنون في هذا المضمار المبارك فهذا يبذل الأموال وآخر يتصدق بنصف ماله أو ثلثه وذاك يعد بالكثير من الإعانات والهبات، وآخَر قد أوقف نفسه وفرَّغها في أعمال البر والخير، يبذل وقته في نفع المسلمين إغاثة ودعوة وتعليمًا، وكلهم على خيرٍ إن شاء الله .

لكن هناك صنف من الناس هانت عليهم دُنياهم ولم تغرَّهم مُتَعُ الحياة وزخرفها، ولم يقعدْ بهم الخوف على الذريَّة والعيال، سلكوا طريقًا جبن عنه الكثيرُ، اختاروا طريقًا قلَّ سالكوه، وركبوا بحرًا تقاصَرتِ الهمم عن رُكوبِه، علموا أنَّ العمر محدودٌ والطريق طويل؛ فاختاروا أرفعَ المقامات وتسنَّموا ذُرَى الإسلام، علموا أنَّ أغلى ما يملكه الإنسان روحه التي بين جنبَيْه، فقدَّموها قُربانًا إلى ربهم، يهون المال والمتاع دُون الدم، ولكنَّهم أراقوا دِماءهم في سبيل الله ..

سمعوا قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

فعقدوا البيعَ مع الله، والسِّلعة أرواحهم ودماؤهم، والثمن الموعود عند الله هو الجنة، ومَن أوفى بعهده من الله؟! فيا لله ما أعظمَه من بيعٍ، وما أعظمه من ربح! لله درهم، ما أشجعهم! غادَرُوا أوطانهم، وهجَرُوا نساءهم، وفارَقُوا أولادهم وخلانهم يطلُبون ما عند الله، تركوا لذيذَ الفِراش ورغد العيش وخاطَرُوا بأنفُسِهم في سبيل الله يطلُبون الموت مظانه، لله درُّهم ما أقوى قلوبهم، لله درُّهم ما أقوى إيمانهم حين يعرضون رقابهم للحُتوف ويريقون دماءَهم تقرُّبًا إلى الله ربِّهم؛ طمعًا فيما عند الله!

فعن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجُه إلا إيمانٌ بي وتصديقٌ برسلي أنْ أرجِعَه بما نالَ من أجرٍ أو غنيمةٍ أو أدخله الجنة، ولولا أنْ أشقَّ على أمَّتي ما قعدتُ خلفَ سريَّة، ولوددت أنِّي أُقتَل في سبيل الله ثم أُحيَا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل) البخاري.

ولقب الشهيد في الإسلام على من يقتل أثناء حرب مع العدو، سواء أكانت المعركة جهاد طلب أي لفتح البلاد ونشر الإسلام فيها، أم جهاد دفع أي لدفع العدو الذي هاجم بلاد المسلمين وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون نفسه في سبيل الله) وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليرى مكانه، من في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل، لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله» صحيح البخاري.

وأنَّ الشهادة سببٌ في نيل الفردوس الأعلى، جاء الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ أم الرُّبيِّع بن البراء -وهي أم حارثة بن سراقة- أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة -وكان قُتِل يوم بدر أصابه سهم غَرْب، حارثة -رضي الله عنه- شاب فتى صغير خرج مع الجيش يوم بدر وكان نظَّارًا -يعني يشاهد المعركة من بعيد، ما دخل في القتال وإنما شهدها من بعيد-، ثم نزل للشرب من البئر فأصابه سهم غرب -يعني سهم طائش لا يُدرى مَنْ راميه؛ قد يكون من المسلمين أو من الكفار والله أعلم-، القصد: أصابه سهم غربٍ فقُتِل، هذا كلام أم حارثة تخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة -وكان قُتِل يوم بدر أصابه سهم غرب-؛ فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، فقال: “يا أم حارثة إنها جنانٌ في الجنة، وإنَّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى” هذا الحديث أخرجه البخاري.

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *