د. محمود محمد علي
في العام الماضي جاءنا الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني ليستعرض لنا آليات تطوير منظومة التعليم ، قائلا: «إن المسافة بيننا وبين العالم الخارجي في ازدياد؛ نتيجة تطور المناهج التعليمية». وأستشهد بالتقدم الحاصل في التعليم بسنغافورة، موضحا أن لديها 720 ألف طالب فقط وبها 32 ألف معلم كما أن فنلندا المتقدمة بها مليون طالب و67 ألف معلم، قائلا:« علينا المقارنة بين الأرقام وحجم التكلفة بهذه الدول”.
وأكد أن استراتيجية الدولة المصرية في تطوير التعليم الابتدائي تقوم علي فكرة مهمة، وهي جعل التعليم الابتدائي في مصر قائماً علي فكرة المهارات والأنشطة داخل كتاب الطالب ، وأن الجزء الأكبر فى المناهج يرتكز على دليل المعلم، علاوة علي منهج التطوير مبنى وفق مواصفات عالمية ودولية؛ وبالتالي فإن النظام الابتدائي الجديد يعتمد على مهارات “نعرف، نعمل ، نعيش، نكون”، وتقسيم القضايا الكبرى إلى “بيئة مواطنة، صحة، عولمة، لغات، علوم وتكنولوجيا، تربية شخصية ومجتمعية”.
ولكن كيف يتم ذلك ، علينا أن نبدأ أولا بالنظام الجديد برياض الأطفال ـ حيث يتلخص هذا النظام في فرض مناهج جديدة تماما، وطريقة تدريس مبتكرة، وتهدف هذه المناهج لأن يتعود الطفل منذ الصغر على أن يلغي من ذاكرته فلسفة الحفظ والتلقين، ويكون شخصية مبتكرة مفكرة طموحة، تستطيع حل المشكلات، والتفكير خارج الصندوق، مع أن يكون الطفل أكثر انتماء لوطنه ويحترم الآخر ولديه روح التعاون مع الجميع، ويتمحور كل ذلك حول “بناء الشخصية المصرية.
وقد تم تطبيق النظام الجديد على من سوف يلتحقوا بصفوف “كي جي 1″ و”كي جي 2” والأول الابتدائي، في سبتمبر المقبل (2018)، أي يقتصر تطبيقه على الذين لم يلتحقوا بالتعليم بعد.
وطريقة التدريس ستكون مختلفة وجديدة، بحيث يتم تدريب المعلمين خلال فصل الصيف على شقين، الأول يتعلق بالسلوكيات الجديدة المطلوبة من المعلمين لمسايرة هذا التطور الجديد في طريقة التدريس والتقرب من عقلية الطلاب، والشق الثاني يتعلق بتدريبهم على المناهج والمواد العلمية التي سوف يتم العمل من خلالها في نظام التعليم الجديد.
بالنسبة لتقييم الطلاب في نظام التعليم الجديد، فلن تكون هناك امتحانات من الصف الأول حتى الثالث الابتدائي، بل سوف يتم تقييمهم عن طريق التطبيقات البسيطة التي تقيس مستوياتهم العلمية، حتى يتم كشف نقاط القوة والضعف عند كل طالب.
أما من الصف الرابع وحتى السادس الابتدائي، سوف تكون هناك امتحانات بشكل مختلف، تتماشى مع التطور العلمي والتربوي لعقلية الطالب، لكنها لن تتحكم في نجاحه أو رسوبه بالمعنى الحرفي، لأنها سوف تكون توصيفية أكثر، بمعنى أنها سوف توصف التحصيل الدراسي لكل طالب، ولن يكون ذلك في صورة درجات، بل في شكل يدفع الطالب إلى المزيد من التفوق، وليس تحفيزه على أن يكون الأول والأكثر حصولها على درجات.. فلا وجود للدرجات من الأساس، حيث سيتم اعتماد نظام التقديرات الملونة “ممتاز، جيد جدا، جيد، مقبول، ضعيف” وكل تقدير من هؤلاء بلون معين، لتحديد البرامج اللازمة لرفع مستوى الطالب خاصة برامج الهجائية والقرائية والحسابية.
بالنسبة لطبيعة المواد التي يدرسها الطلاب في المرحلة الابتدائية وفق النظام الجديد، فهي تنقسم إلى شقين، الأول مواد متصلة ببعضها، فمثلا سوف تكون هناك مادة تجمع اللغة العربية بالمفاهيم العلمية والمفاهيم الرياضية والمفاهيم الحياتية والفنية والمهارية، وهذه تكون دروسها وفق القدرات العقلية لطلاب كل مرحلة، أما الشق الثاني، فهي مواد منفصلة، مثل اللغة الإنجليزية والتربية الدينية والأنشطة بشتى أنواعها.
ولن تكون هناك مادة خاصة بالعلوم، ولا أخرى خاصة بالرياضيات طوال صفوف المرحلة الابتدائية، بل ستكون هناك مادة تشمل المفاهيم العلمية والرياضية والجغرافية البسيطة، وهذه المفاهيم سيتم تدريسها باللغة العربية، أما عندما يصل الطالب إلى المرحلة الإعدادية، سوف تكون هناك مادة خاصة بالرياضيات وأخرى للعلوم، يتم تدريسها بالإنجليزية.
والدراسة سوف تكون باللغة العربية في النظام الجديد منذ مرحلة رياض الأطفال وحتى انتهاء المرحلة الابتدائية كلها، وسوف يطبق ذلك في المدارس التالية: الحكومية العادية، والتجريبية (لغات وعربي) والقومية. والنظام الجديد لا يعني غلق المدارس التجريبية لغات، بل يعني أنها سوف تدرس جميعها باللغة العربية خلال المرحلة الابتدائية.. بمعنى أن أي مدرسة حكومية سواء عادية أو تجريبية سوف تطبق نظاما واحدا بمناهج واحدة بلغة تدريس واحدة، وهي اللغة الأم للدولة.. اللغة العربية، مع تدريس اللغة الإنجليزية كمادة أساسية، أي أنهم سوف يدرسون لغة أجنبية.
ولا شك في هذه الطريقة جميلة وسوف توفر أموالاً كثيراً كانت مهدرة ، بيد أنه لا يمكن اصلاح التعليم الابتدائي في مصر دون أن تبدأ الدولة بإصلاح المعلم من عدة جوانب؛ فإصلاح اجتماعي بتحسين حقيقي في دخله يجعله يسمو بمهنته ويكتفي بها ويبدع فيها، وإصلاح أخلاقي بالتدقيق الشديد عند اختيار من يقومون بمهنة التدريس، وإصلاح مهني بالإعداد الجيد للمعلم؛ بحيث يكون قادراً على القيام بأعباء مهنته التربوية والاكاديمية، وإصلاح سياسي بحيث يضمن الدستور حقوق المعلمين واتاحة صلاحيات قانونية تحمي المعلم حماية حقيقية أثناء مزاولته لمهنته. بغير هذا يكون الحديث عن اصلاح منظومة التعليم الابتدائي في مصر درب من الوهم والخيال.
د. محمود محمد علي
مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط