Share Button

بقلم / محمد سعيد أبوالنصر
1-تعريف الاجتماع :
أ-الاجتماع لغة:
جمع الشّيء: ألّف متفرّقه، ، يقال: تجمّع القوم أي اجتمعوا من هنا وهنا، واجتمع القوم: أي انضمّوا، وهو ضدّ تفرّقوا.
ب- واصطلاحا:
لا يختلف معنى الاجتماع في الشّرع عن المعنى الّذي يفيده في أصل اللّغة. وهو أن يلتقي المسلمون وينضمّ بعضهم إلى بعض ولا يتفرّقوا، أمّا الأمر الّذي يجتمعون حوله فهو كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلم .
2-حث الإسلام على الاجتماع.
إن الفرد بمفرده ضعيف، والإسلام يؤكد دائما أن يد الله مع الجماعة، وأن الخير في الاجتماع والاتحاد، وأنّ الشر في الفرقة والشذوذ،”وإنّما يأكل الذّئب من الغنم القاصية» ” وأن ” لا صلاة لمنفرد خلف الصّفّ ” وصدق الله العظيم { إنّ اللّه يحبّ الّذين يقاتلون في سبيله صفّا كأنّهم بنيان مرصوص 4} [الصف: 4] “والاجتماع يعمل على تحقيق وعي الأمّة بفهم ذاتها فهما صحيحا،ويساعد المجتمع الإسلاميّ على مواجهة التّحدّيات.
1- يد اللّه مع الجماعة.
في الاجتماع تقوية لجانب المسلمين ،ورفع روحهم المعنويّة انطلاقا من الاعتقاد بأنّ يد الله مع الجماعة، ومن كانت يد الله معه كان واثقا من نصر الله- عزّ وجلّ-.
فالاجتماع يقضي على العصبية الجاهلية القبليّة .
عن ابن عبّاس قال قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- « يد اللّه مع الجماعة »..
2-من أراد بحبوحة الجنّة فليلزم الجماعة.
يؤدّي الاجتماع إلى تحقيق الألفة بين المسلمين وانتشار التّعارف فيما بينهم، وبذلك تتحقّق المودّة ، ويسود الإخاء ،ويعمّ التّعاون،ومن أراد بحبوحة الجنّة فليلزم الجماعة.
عن ابن عمر قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: يا أيّها النّاس، إنّي قمت فيكم كمقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فينا فقال: «أوصيكم بأصحابي، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يفشو الكذب حتّى يحلف الرّجل ولا يستحلف،ويشهد الشّاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان، عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة فإنّ الشّيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنّة فليلزم الجماعة، من سرّته حسنته وساءته سيّئته فذلك المؤمن»
3- واعتصموا بحبل اللّه جميعا.
الاجتماع يخيف الأعداء ويلقي الرّعب في قلوبهم ويجعلهم يخشون شوكة الإسلام والمسلمين، ومن ثمّ يكون في الاجتماع عزّة للمسلمين في كلّ مكان.
قال تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون (102) واعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمت اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النّار فأنقذكم منها كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تهتدون (103) ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (104)}[سورة آل عمران: 102- 104] “إنّ الاجتماع يذكي في الأفراد روح التّفوّق والرّغبة في إظهار ما لديهم من قدرات، وهذا الدّافع لا يتحرّك إلّا من خلال الجماعة.
وقوله{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا} قال العلماء :الاعتصام : بالإخلاص لله وحده والمعنى : تمسكوا بدين الله وكتابه جميعا ولا تتفرقوا عنه ولا تختلفوا في الدين كما اختلف من قبلكم اليهود والنصارى.
أخرج ابن ماجة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلهم في النّار إلّا واحدة ، قالوا: يا رسول ومن هذه الواحدة قال: الجماعة ثمّ قال {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}
وخطب ابن مسعود وقال: أيها النّاس عليكم بالطّاعة والجماعة فإنّهما حبل الله الّذي أمر به.
وقوله{واعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرّقوا} (آل عمران/ 103) :
يأمر الله بالجماعة وبالألفة وينهى عن الفرقة لأنّ الفرقة هلكة والجماعة نجاة، روي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في الآية الكريمة أنّ حبل الله هو الجماعة » . قال القرطبيّ: ويجوز أن يكون المعنى: ولا تفرّقوا متابعين الهوى والأغراض المختلفة بدليل قوله تعالى بعد ذلك: {واذكروا نعمت اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}.
“وقد وردت الأحاديث المتعدّدة بالنّهي عن التّفرّق، والأمر بالاجتماع والائتلاف
” فعن أبى هريرة قال قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- « إنّ اللّه يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرّقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السّؤال وإضاعة المال »..
وقوله ” وأن تعتصموا بحبل اللّه جميعا “. « الاعتصام بحبل الله: التمسك بعهده واتباع كتابه والتأدب بآدابه.»
وقوله « ويكره لكم قيل وقال”: هو الخوض في أخبار الناس
وقوله ” وكثرة السّؤال”: المراد به التنطع في المسائل، والإكثار من السؤال، الذي لا تدعو إليه الحاجة.
وقول الله عز وجل {واعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرّقوا} (آل عمران/ 103) : يأمر الله بالاجتماع والابتعاد عن الأهواء وليس في الآية “دليل على تحريم الاختلاف في الفروع، فإنّ ذلك ليس اختلافا إذ الاختلاف ما يتعذّر معه الائتلاف والجمع، وأمّا حكم مسائل الاجتهاد فإنّ الاختلاف فيها بسبب استخراج الفرائض ودقائق معاني الشّرع، وما زالت الصّحابة يختلفون في أحكام الحوادث، وهم مع ذلك متآلفون …
وقوله تعالى{واذكروا نعمت الله عليكم} أي اذكروا إنعامه عليكم يا معشر العرب {إذ كنتم أعدآء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} أي حين كنتم قبل الإسلام أعداء فألف بين قلوبكم بالإسلام وجمعكم على الإيمان.
وقوله تعالى {وكنتم على شفا حفرة مّن النار فأنقذكم مّنها} أي وكنتم مشرفين على الوقوع في نارجهنم فأنقذكم الله منها بالإسلام {كذلك يبيّن الله لكم آياته} أي مثل ذلك البيان الواضح يبين الله لكم سائر الآيات {لعلّكم تهتدون} أي لكي تهتدوا بها إلى سعادة الدارين.
3-صور من الاجتماع.
1- الاجتماع على الكتاب والسنة .
1- عن مالك بن أنس- رحمه الله تعالى- أنّه بلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما كتاب اللّه عزّ وجلّ وسنّة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم»
2- الاجتماع لصلاة الجماعة .
بالاجتماع وخاصّة مع الصّالحين والمصلين ما يجعل المرء يشعر بأخلاق الجماعة ويحاول تقليدها واكتساب أخلاقها، ثمّ يتحمّس للدّفاع عنها.
-عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- « صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين من صلاة الفذّ ».والفذ : أي الفرد .
-عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- « صلاة الرّجل فى جماعة تزيد على صلاته فى بيته وصلاته فى سوقه بضعا وعشرين درجة وذلك أنّ أحدهم إذا توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ أتى المسجد لا ينهزه إلاّ الصّلاة(لا ينهزه: أي لا ينهضه ويقيمه ويحفزه ويدفعه. ) لا يريد إلاّ الصّلاة فلم يخط خطوة إلاّ رفع له بها درجة وحطّ عنه بها خطيئة حتّى يدخل المسجد فإذا دخل المسجد كان فى الصّلاة ما كانت الصّلاة هى تحبسه والملائكة يصلّون على أحدكم ما دام فى مجلسه الّذى صلّى فيه يقولون اللّهمّ ارحمه اللّهمّ اغفر له اللّهمّ تب عليه ما لم يؤذ فيه ، ما لم يحدث فيه ».
-عن أبى موسى الأشعرىّ قال قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- « إنّ أعظم النّاس أجرا فى الصّلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم والّذى ينتظر الصّلاة حتّى يصلّيها مع الإمام أعظم أجرا من الّذى يصلّيها ثمّ ينام ». وفى رواية أبى كريب « حتّى يصلّيها مع الإمام فى جماعة ».
– عن عبد الرّحمن بن أبى عمرة قال دخل عثمان بن عفّان المسجد بعد صلاة المغرب فقعد وحده فقعدت إليه فقال يا ابن أخى سمعت رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- يقول « من صلّى العشاء فى جماعة فكأنّما قام نصف اللّيل ومن صلّى الصّبح فى جماعة فكأنّما صلّى اللّيل كلّه ».
إنّ مجالسة أهل الذّكر والاجتماع بهم وهم القوم لا يشقى جليسهم- غالبا ما يكون سببا لمغفرة الله- عزّ وجلّ- ورضوانه.
الفائدة من صلاة الجماعة .
نقل الطّيّبيّ عن بعضهم: «لعلّ الفائدة (من صلاة الجماعة) هي اجتماع المسلمين مصطفّين كصفوف الملائكة»
حال أمتنا مع الجماعة .
-عن سالم، قال: سمعت أمّ الدّرداء، تقول: دخل عليّ أبو الدّرداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: «واللّه ما أعرف من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم شيئا إلّا أنّهم يصلّون جميعا»
قوله (ما أعرف) لا أعرف شيئا من الشريعة لم يتغير عما كان عليه.
وقوله (يصلّون جميعا )أي مجتمعين وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصّفة المذكورة عند أبي الدّرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطّبقات إلى هذا الزّمان
ترك الجمعات .
عن عبد اللّه بن عمر وأبي هريرة – رضي الله عنهم- أنّهما سمعا رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره « لينتهينّ أقوام عن ودعهم (أي تركهم )الجمعات أو ليختمنّ اللّه على قلوبهم ثمّ ليكوننّ من الغافلين ».
3-الاجتماع على الإمام الراتب.
قال الإمام الشّافعيّ :” وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتت رجلا أو رجالا فيه الصّلاة صلّوا فرادى ولا أحبّ أن يصلّوا فيه جماعة فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه وإنّما كرهت ذلك لهم لأنّه ليس ممّا فعل السّلف قبلنا بل قد عابه بعضهم
وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنّما كان لتفرّق الكلمة وأن يرغب رجل عن الصّلاة خلف إمام جماعة فيتخلّف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصّلاة فإذا قضيت دخلوا فجمعوا فيكون في هذا اختلاف وتفرّق كلمة ”
4-الاجتماع على الطّعام.
تتحقّق البركة في الاجتماع على الطّعام .
-عن عمر بن الخطّاب يقول: قال رسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم -: “كلوا جميعا ولا تفرّقوا، فإنّ البركة مع الجماعة”
– عن حبشيّ بن حرب ، أنّهم قالوا: يا رسول اللّه، إنّا نأكل ولا نشبع، قال: “فلعلّكم تأكلون متفرّقين؟ ” قالوا: نعم. قال: “فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم اللّه عليه، يبارك لكم فيه”
5-الاجتماع على تنفيس الكروب وتراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم.
في الاجتماع دواء ناجع لكثير من الأمراض النّفسيّة كالانطواء والقلق، إذ إنّ وجود المرء مع الآخرين يدفع عنه داء الانطواء ويذهب القلق، وخاصّة إذا علم أنّ إخوانه لن يتخلّوا عنه وقت الشّدّة فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه.
-عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- « من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس اللّه عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسّر على معسر يسّر اللّه عليه فى الدّنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره اللّه فى الدّنيا والآخرة واللّه فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل اللّه له به طريقا إلى الجنّة وما اجتمع قوم فى بيت من بيوت اللّه يتلون كتاب اللّه ويتدارسونه بينهم إلاّ نزلت عليهم السّكينة وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة وذكرهم اللّه فيمن عنده ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه ».
-عن أبى موسى قال قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا ».
-عن النّعمان بن بشير قال قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- « مثل المؤمنين فى توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى ».
6-الاجتماع على الإمام .
عن حذيفة بن اليمان يقول كان النّاس يسألون رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- عن الخير وكنت أسأله عن الشّرّ مخافة أن يدركنى فقلت يا رسول اللّه إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ فجاءنا اللّه بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شرّ قال « نعم » فقلت هل بعد ذلك الشّرّ من خير قال « نعم وفيه دخن ». قلت وما دخنه قال « قوم يستنّون بغير سنّتى ويهدون بغير هديى تعرف منهم وتنكر ». فقلت هل بعد ذلك الخير من شرّ قال « نعم دعاة على أبواب جهنّم من أجابهم إليها قذفوه فيها ». ( )فقلت يا رسول اللّه صفهم لنا. قال « نعم قوم من جلدتنا ويتكلّمون بألسنتنا ». قلت يا رسول اللّه فما ترى إن أدركنى ذلك قال « تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ». فقلت فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام قال « فاعتزل تلك الفرق كلّها ولو أن تعضّ على أصل شجرة حتّى يدركك الموت وأنت على ذلك ».

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *