Share Button

الماوردي مثالاً
بقلم الكاتب والناقد /سليم النجار

هناك إعتقاد شبه جازم أن الماوردي أفضل من يمثل أوائل الذين قعَّدوا ” نظرية الدولة ” في الفقه السياسي الإسلامي . وقد خرجت كثير من الدراسات لبيان هذه المساهمة ومحاولة فهمها في سياقها التاريخي والسياسي . لكن ثمة جانب في مساهمة الماوردي لم يتعرض له الباحثون ؛ وهو محاولة إعادة قراءة إسهام الماوردي من خلال مؤلفاته الأخرى ؛ خاصةً محاولةً الربط بين مساهمته في كتاب أعلام النبوة وكتاب الأحكام السلطانية ؛ وجملة الكتب الأخرى ذات الطابع الفقهي مثل الحاوي ؛ والوزارة ؛ وتفسيره بالنظر إلى آيات الأحكام ؛ وتلك التي لها صلة بموضوع السلطة والحكم ؛ او تلك الكتب التي احتوت على أدب سياسي ؛ مثل تسهيل النظر وتعجيل الظفر . والمقولة الأساسية التي ينطلق منها ” الأسلام السياسي ” المعاصر لفهم بناء الدولة الإسلامية . ومفاد هذا الفهم أن فهم الفقه السياسي عند الماوردي يبدأ بفهم مقالاته الكلامية الأساسية التي أسس عليها مخياله الديني السياسي في كتاب أعلام النبوة ؛ حيث إن تعريف الخلافة عند الماوردي – ومن بعده – كل الفكر السياسي الديني ” الإسلام السياسي ” أنها نيابة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به . وعليه فإن هذه الإنابة النبوية تقتضي فهم معنى النبوة ؛ وكيف يمكن ان تقع هذه الإنابة على مستوى مؤسسة الخلافة وجملة المؤسسات الأخرى الملحقة بها ؟
فإن صح الزعم السابق فلا بد من استقصاء الجانب المتعلق بالمخيال السياسي الديني الذي أسس له الماوردي في كتاب أعلام النبوة ؛ والانتقال منه لإعادة فهم فقه السياسي . وهذا النوع من الحجاج ينبني على منهج فريد في ” التناص” قُصد منه الانتقال من الكلي إلى الحزئي ؛ ومحاولة فهم الجزئي على ما استقرّ من كليات في الفهم ؛ وذلك بالطبع لا يعني نسف أسس تفاصيل الصور الجزئية إذا تعارضت مع الفهم الكلي الذي يتأسس على مستوى علم الكلام ” أصول الدين ” ؛ ولكن يعني إفراد مساحة عملية أوسع للكليات ؛ وليس جعلها هحكمة بصورة كلية في فهم الجزئيات .
وغاب عن ” الإسلام السياسي ” البحث في مناقشة ما طرحه الماوردي ؛ وتم أخذ نصوصه ؛ على انها مقدسة لا تخضع للنقاش ؛ وأول الأسئلة :
أليس هناك أهمية قراءة الفقه السياسي عند الماوردي وفق ثنائية الفقيه والمتكلم ؛ وذلك يعني النظر في الأسس الكلامية التي انطلق منها في كتاب أعلام النبوة ؛ ليؤسس عليها فقهه السياسي في الأحكام السلطانية وغيرها من مؤلفاته الفقهية السياسية ؟ .
السؤال الثاني : لماذا الإصرار على عدم الفهم المخيال السياسي الديني الذي كان يؤسس له الموردي في كتاب أعلام النبوة من خلال إعادة قراءة السير النبوية على أساس الاحتجاج بالسيرة على الرسالة ؛ ومحاولة إدراج تاريخ النبوة ضمن السياق العام للتاريخ العربي العام السابق للإسلام ؛ وفهم ذلك من خلال النبوات السابقة وتراثها الديني ؟ ؛ اقول : إن فهم ذلك المخيال الديني السياسي يمثل نقطة الارتكاز التي يمكن أن نؤسس عليها قواعد لفهم الفقه السياسي للماوردي .
السؤال الثالث والأخير : لماذا الدراسات السابقة للماوردي أهملت استقصاء فقهه السياسي وكما أغفلت الصلة بين مجال أصول الدين ؛ وأهمية الربط بينهما ؛ خاصة في فهم موضوع يتعلق بفقه الخلافة التي هي الرابط الحقيقي بين المجالين ؛ إذ إن أقصى طرفها الأول يتعلق بقضايا النبوات التي هي من صميم الفقه ؟. والفصل الوهمي بين المجالين قد يعرقل فهم موضوع الخلافة ؛ ومن ثم كل الفكر السياسي ” للإسلام السياسي ” ؛ لكن الوصل العلمي بين المجالين دون الخلط بينهما بفيد كثيراً في فهم جدلية الكلي والجزئي في فكرنا العربي المعاصر .
يبقى الإشارة إلى أن التجربة السياسة المعاصرة للماوردي فهي محكومة بتلك القيم التي جردت من الفعل السياسي الذي وقع في مرحلة النبوة وامتداداتها في الخلافة الراشدة ؛ وفوق هذا وذاك فإن التحربة السياسية المعاصرة ” للإسلام السياسي ” تخلط بين الأزمان ولا تقيم وزناً فكرياً واجتماعياً للزمن .

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *