Share Button
الدكروري يكتب عن أول من اقتحم ميدان تاريخ الحضارات
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر الإسلامية كما جاء في كتب التاريخ الإسلامي الكثير عن أئمة الإسلام والمسلمين والذي كان من بينهم الإمام إبن خلدون، وقد قام ابن خلدون بتعليم التاريخ، وإن كان لايزيد في ظاهره عن أخبار الأيام والدول إنما هو في باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، لذلك فهو أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في علومها وخليق المقدمة، فهو بذلك قد اتبع منهجا في دراسة التاريخ يجعل كل أحداثه ملازمة للعمران البشري وتسير وفق قانون ثابت، ويقول فالقانون في تمييز الحق من الباطل في الأخبار بالإمكان والاستحالة أن ننظر في الاجتماع البشري الذي هو العمران ونميز ما يلحقه لذاته وبمقتضى طبعه وما يكون عارضا لا يعتد به.
وما لا يمكن أن يعرض له، وإذا فعلنا ذلك، كان ذلك لنا قانونا في تمييز الحق من الباطل في الأخبار، والصدق من الكذب بوجه برهان لا مدخل للشك فيه، وحينئذ فإذا سمعنا عن شيء من الأحوال الواقعة في العمران علمنا ما نحكم بقبوله مما نحكم بتزييفه، وكان ذلك لنا معيارا صحيحا يتحرى به المؤرخون طريق الصدق والصواب فيما ينقلونه، وهكذا فهو وإن لم يكتشف مادة التاريخ، فإنه جعلها علما ووضع لها فلسفة ومنهجا علميا نقديا نقلاها من عالم الوصف السطحي والسرد غير المعلل إلى عالم التحليل العقلاني والأحداث المعللة بأسباب عامة منطقية ضمن ما يطلق عليه الآن بالحتمية التاريخية، وذلك ليس ضمن مجتمعه فحسب، بل في كافة المجتمعات الإنسانية وفي كل العصور.
وهذا ما جعل منه أيضا وبحق أول من اقتحم ميدان ما يسمى بتاريخ الحضارات أو التاريخ المقارن، إني أدخل الأسباب العامة في دراسة الوقائع الجزئية، وعندئذ أفهم تاريخ الجنس البشري في إطار شامل إني أبحث عن الأسباب والأصول للحوادث السياسية كذلك قوله داخلا من باب الأسباب على العموم على الأخبار الخصوص فاستوعب أخبار الخليقة استيعابا وأعطي الحوادث علة وأسبابا، وقد درس عبد الرحمن بن خلدون على يد العديد من العلماء، من بينهم أحمد بن إدريس الإيلولي، ويعتبر ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع أو علم العمران البشري وقد ذكر ابن خلدون في كتاب مقدمة ابن خلدون فيقول وهذا هو غرض هذا الكتاب الأول من تأليفنا وهو علم مستقل بنفسه موضوعه العمران البشري والاجتماع.
ويهدف إلى بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال لذاته واحدة بعد أخرى، وهذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أم عقليا وأعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة غريب النزعة غزير الفائدة، أعثر عليه البحث وأدى إليه الغوص، وكأنه علم مستبط النشأة، ولعمري لم أقف على الكلام في منحاه لأحد من الخليقة.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *