Share Button

الدكتورة فاطمة الزهراء شبيلي أكاديمية و باحثة

الجزائر.

جزء كبير من الهيمنة الأمريكية على العالم يعود إلى هيمنة الدولار الأمريكي و إستمرار صدارته على الاقتصاد و التجارة العالميين !

ولكن كيف بدأت هذه الهيمنة و ما سببها ؟ وكيف تمكّنت الولايات المتّحدة من الحفاظ على عملتها كأقوى عملة على المستوى العالمي بنسبة 83.6% من التعاملات الاقتصادية التي تتم بالدولار الأمريكي في وقت لا يملك فيه الدولار أية تغطية من الذهب ؟

تمّ اعتماد الدولار كعملة رسمية للولايات المتّحدة سنة 1792 ،

استمر العمل بهذا النظام المالي إلى عام 1861 حيث اندلعت الحرب الأمريكية الأهلية بين الشمال والجنوب، آنذاك احتاجت حكومة الشمال المركزية المزيد من الأموال من أجل خوض الحرب ولم تكن ترغب بخسارة

كلّ ما لديها من الذهب والفضّة، مما دفعها إلى إنشاء العملة الورقية (الدولار الأمريكي بشكله الأخضر الحالي) عام 1862

وبدأت بطباعتها، بنهاية الحرب الأمريكية كان هناك 461 مليون دولار أمريكي مطبوع ،آنذاك لم تكن العملة مغطاة بالذهب (المقصود بالتغطية بالذهب هو أن يكون بمقدورك إستبدال العملة الورقية بالذهب

متى ما أردت ذلك حيث أنّ العملة الورقية تكون قيمتها ذهبًا) ،

كان الدولار حينها مجرّد ورقة نقدية كثقة بينك وبين الحكومة، ولم يكن يساوي شيئًا في الواقع حيث أنّه ليس مغطىً بالذهب.

وفي عام 1879 وبعد حصول تضخّم هائل في الولايات المتّحدة وخسارة الدولار الأمريكي لجزء كبير من قيمته،

تمّ تغطية الدولار الأمريكي بالذهب؛ حيث صار بمقدور الناس استبدال الدولارات الأمريكية الخضراء بالذهب متى ما أرادوا ذلك مما خفّض التضخّم وأنعش الاقتصاد.

في عام 1929م حصل الكساد العظيم (أزمة اقتصادية عالمية استمرت لسنوات)،

مما دفع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت إلى إلغاء تغطية الدولار بالذهب عام 1933م ولكنّه أعاد تغطية الدولار بالذهب عام 1934م مع تعديلٍ نسبي لسعر الدولار للتخلص من إرهاصات تلك الأزمة واستمر الأمر على ما هوّ عليه إلى حين حصول اتفاقية بريتن وودز .

ما هي اتفاقية Bretton Woods.؟ وما أهمّيتها؟

قبل أن تخرج الولايات المتّحدة منتصرةً من الحرب العالمية بعامٍ واحد، بدأت تعمل على إنشاء نظامٍ عالمي جديد وبالتالي إنشاء نظام عالمي اقتصادي جديد، تكون الولايات المتّحدة والدولار الأمريكي رأس الهرم فيه، وقد حصل ذلك عن طريق اتفاقية

سنة 1944م نهاية الحرب العالمية الثانية ،أوروبا قد تم تخريبها تماما وفقدت قيادتها للعالم وأصبح ا لدينا قطب عالمي واحد وجديد يحكم وهو الولايات المتحدة الأمريكية !!!

وهذا القطب يريد إستغلال ضعف أوروبا ويسلبها كل شيء !!!

حضر هذه الاتفاقية 44 دولة من حول العالم، واستمر انعقاد المؤتمر لأكثر من 22 يومًا، تمّ فيه توقيع عدد كبير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظم التجارة العالمية الدولية بالإضافة إلى تطبيق بعض الشروط والقيود عليها، أهمّ نتائج المؤتمر تم الاتفاق على تثبيت الدولار الأمريكي باعتباره “العملة العالمية”،

و اعتماده كمرجع رئيسي لتحديد سعر عملات الدول الأخرى منهية بذلك نظام التبادل النقدي السابق بالذهب وتم ربط جميع العملات به، و قد تم إقرار نظام مالي عالمي جديد و كان اعتماد الدولار الأمريكي كمرجعٍ رئيسي لتحديد سعر عملات الدول الأخرى؛

بمعنى توصلت الأطراف في النهاية للموافقة علي إعتماد الدولار بجانب الذهب ليصبح العملة النقدية الإلزامية بالعالم وبدلا من تداول الدول فيما بينها للذهب تقوم أمريكا بمنحك بما يعادله من الدولار ويظل الذهب بخزائن الولايات المتحدة الأمريكية !! فتم التطبيق إجباريا بدأً من عام 1945 العام الذي أنتهت فيه الحرب العالمية الثانية

،و بإمكانك القول أنّ هذه الاتفاقية هي الاتفاقية الرئيسية التي أدّت إلى تشكيل نظام الصرف الأجنبي وتشكيل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتطوير والتعمير، وهي الاتفاقية الرئيسية التي رسّخت هيمنة الدولار الأمريكي على تعاملات العالم الاقتصادية، حيث صارت هذه الدول الـ44 ترجع إلى الدولار الأمريكي لتحديد قيمة عملاتها دوليًا، مما جعل الدولار بمركز الملك.

كانت الولايات المتحدة الامريكية تمتلك 80% من ذهب العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وكان الدولار الأمريكي هو العملة الوحيدة على مستوى العالم المغطاة بالذهب حيث أن بقية الدول تخلت عن تغطية عملاتها بالذهب بعد حصول تضخمات في اقتصاداتها مما دفع عددا كبيرا من دول العالم إلى العمل على تكديس الدولارات الأمريكية

بهدف استبدالها بالذهب مستقبلا كاحتياطي لها وأصبح عدد كبير من هذه الدول يستخدم عملة الدولار كاحتياطي النقد الأجنبي ! وكان الدولار الأمريكي هو العملة الوحيدة على مستوى العالم المُغطاة بالذهب وكان 35 دولار يساوي أونصة من الذهب أي ما يعادل 28 جرام من الذهب !!!!

بمعنى أن من يملك 35 دولارا فإن بإمكانه تبديلها في البنك الأمريكي بأونصة ذهب ،يعني بإختصار إذا كان لديك الدولار فهذا يعني أنه لديك الذهب وتستطيع أن تطبع عملتك بمقدار ما لديك من دولار وإذا إحتجت إلى الذهب فإذهب إلى أمريكا وأحصل عليه وعلى ذلك ظل قانون البيع والشراء ثابتا !!!

فقد أصبحت العملة الأمريكية ” الدولار ” هي المرجعية لكل العملات !!! وظهر الصراع ما بين دول العالم على الدولار فسمي العملة الصعبة !!! وهكذا تحقق حلم العمّ سام بالسيطرة على الاقتصاد العالمي !

خاضت الولايات المتّحدة حرب فيتنام من العام 1956م – 1975م، أصبح الدولار منهكا نتيجة إنهاك الولايات المتحدة في منافستها مع الاتحاد السوفيتي خصوصا و قد احتاجت إلى المزيد من الدولارات لتغطية تكاليف الحرب،

ولكن الدولارات لم تكفي بسبب أن الذهب الموجود في الولايات المتحدة لم يعد كافيًا ليغطّي الدولار الأمريكي،فلم يعد بالإمكان طباعة المزيد من الدولارات لأن الذهب الموجود لم يعد كافيا لتغطيتها وبالتالي قامت الولايات المتحدة بتجاوز الحد الأعلى المسموح من الدولارات

المطبوعة وقامت بطبع دولارات غير مغطاة بالذهب دون أن تعلم دول العالم بذلك !!وحاولت الحكومة وقتها ترويج نظرية قطع الصلة بين الدولار والذهب في انكار لحقيقة ان فشل تغطية الذهب هو عمل من أعمال الإفلاس من قبل حكومة الولايات المتحدة الامريكية !! و لكن الأزمة الكبرى حصلت عندما طالب الرئيس الفرنسي تشارل ديغول عام 1971م بتحويل191 مليون دولار إلى ما يقابلها من الذهب، وكان سعر الأونصة 35$، عملًا باتفاقية Bretton Woods.

التي تسمح بذلك؛ أدّى هذا الأمر إلى عجز الولايات المتّحدة لاحقًا عن تحويل أي دولارات أمريكية إلى الذهب، مما دفع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في 15 أوت 1971م يوافق على سلسلة من التدابير الاقتصادية أهمها ” وقف قابلية تبديل الدولار إلى ذهب ” !!و بحلول عام 1973 يلغي فيه التزام الولايات المتّحدة بتحويل الدولارات الأمريكية إلى ذهب، عُرفت لاحقًا باسم Nixon Shock

أو صدمة نيكسون، أعلن خلالها عن فك الارتباط بين عملة الدولار والذهب و إلغاء تغطية الدولار بالذهب! خوفا من استنفاد جميع احتياطياتهم من الذهب، وبهذا تم تعويم الدولار، وأصبح ومنذ ما يقرب ال 50 عاماً،

بلا أي تغطية أي انه مجرد ورق يطبعه البنك الفدرالي الأمريكي ! أصبح الذهب حرًا بعدها ولم يعد أحد يتحكّم فيه سوى العرض والطلب، وأصبحت جميع العملات بما فيها الدولار الأمريكي تقف على أرضٍ واحدة وصارت كلّها عملاتٍ إلزامية ورقية لا قيمة لها في الواقع سوى التزام الحكومات بها، انخفضت قيمة الدولار 40 ضعفًا من عام 1973 إلى اليوم وارتفع سعر الذهب بشكلٍ جنوني، وأصبح سلعةً عادية .

وأمام هذا الوضع المتأزم وموقف أمريكا المخزي تم اعتماد الذهن الاقتصادي الأمريكي على خطة أخرى لدعم الدولار بذهب من لون آخر ” ذهب أسود ” !! وهنا كان على الولايات المتحدة الامريكية ان تجد طريقة تدفع بقية العالم على الإعتقاد والإيمان في ورقة الدولار وكان الحل في البترول اذ استطاعت الولايات المتحدة بنفوذها ان تقنع منظمة البلدان المصدرة للنفط ” أوبك “

لبيع النفط مقابل الدولار فقط !وانقاذ الدولار من الازمة !وكان للبلدان الاخرى الاستمرار لابقاء الدولار لشراء النفط الذي تحتاجه ولتتمكن الولايات المتحدة من شراء النفط فى جميع انحاء العالم مجانا مرة اخرى !!!

وزاد تألق الدولار وسيطرته على الاقتصاد اذ اصبح اكثر من اربعة اخماس جميع معاملات النقد الاجنبي ونصف جميع صادرات العالم مقومه بالدولار وبالاضافة الى ذلك كل قروض صندوق النقد الدولي مقومه بالدولار !!

كانت صدمة حقيقية للدول على مستوى العالم، إنّها خدعة تمّ خداع العالم بأسره بها، فبعد أن كانت تعمل على مرّ السنوات لتكديس الدولار الأمريكي كاحتياطي للنقد الأجنبي لتستبدله بالذهب عندما تريد، أصبحت الآن غير قادرة على ذلك، والأسوء من كلّ ذلك هي أنّها كانت ما تزال مجبرة على التعامل بالدولار، لأنّها لا يمكنها التخلّي عنه بعد أن قامت بتكديس كلّ هذه الدولارات في الاحتياطي النقدي الأجنبي وإلّا ضاعت أدراج الرياح.

قد يتساءل أحدهم: ولماذا لا تقوم هذه الدول بفكّ الارتباط من الدولار وإلغاء التعامل به؟ الإجابة هي أن الأسطول الأمريكي الذي يجوب العالم ليس موجودًا لحراسة فراغ !

فالقوة العسكرية هي من تحمي القوة الاقتصادية.

وهكذا، تحوّل الدولار إلى أضخم عملة نقدية احتياطية أجنبية على مستوى العالم؛ حيث صارت جميع الدول مرغمة على التعامل به بالإضافة إلى كونه العملة الرئيسية التي يتم تحديد باقي العملات بناءً عليها ، مما رسّخ الهيمنة الأمريكية على إقتصاد العالم !

هذا النظام جعل من الدولار الامريكى العملة الاحتياطية العالمية في تجارة النفط و يبقى الطلب على الدولار متزايدا وهذا ما يمكن الولايات المتحدة من الاستمرار في طباعة الدولار مقابل لا شيء لتمويل زيادة الانفاق العسكري والانفاق الاستهلاكي على الواردات ولا يوجد أي نظرية للحد من كمية الدولارات التى يمكن ان تكون مطبوعة ما دامت الولايات المتحدة لا يوجد لها منافسون جادون وما دام هناك دول الاخرى على ثقة في الدولار الامريكى !!

وفقا لجون بيركنز مؤلف كتاب ” اعترافات قاتل اقتصادي ” : قصة صادمة عن كيف استولت أمريكا حقًا على العالم ! جاءت هذه الخطة في صورة نظام البترودولار حين قام وزير الخارجية الأمريكي ” هنري كيسنجر ” بزيارة الملك فيصل ملك السعودية في عام 1974م باعتبارها أكبر دولة مصدرة للبترول وقد خرج كيسنجر باتفاق تاريخي يحتوي على مايلى :

أولا : تقوم المملكة العربية السعودية بربط البترول بالدولار الأمريكي بمعنى أن يتم إجبار كل من يريد شراء البترول بأن يدفع قيمته بالدولار الأمريكي وكذلك أن تقوم السعودية بإقناع دول منظمة الأوبك باستخدام الدولار كعملة موحدة لبيع وشراء البترول !!

ثانيا: أن تقوم السعودية باستثمار عائداتها من البترول في سندات الخزانة الأمريكية !!

يعني ذلك أن السعودية تقوم باستخراج البترول من أراضيها وتبيعه للعالم بالدولار !! وعندما تأخذ تلك الدولارات تقوم بتسليمها لخزينة الولايات المتحدة الأمريكية لإنعاش الاقتصاد الأمريكي !! كل ذلك مقابل الحماية العسكرية !!

وبحلول عام 1975م كانت جميع الدول المنتجة للنفط في منظمة الأوبك قد وافقت على تسعير نفطها بالدولار والاحتفاظ بفائضها من عائدات النفط في سندات الخزانة الأمريكية في مقابل العروض السخية المقدمة من الولايات المتحدة !!

و بهذا سقطت قاعدة البيع و الشراء !! ” شيء ذو قيمة مقابل شيء ذو قيمة “

واليوم يشتري العرب أشياء ذات قيمة بأموال ورقية لا قيمة لها !!

بدأ الدولار في فقدان كل مبررات استمراره و هيمنته في تلك المكانة وأصبحت الولايات المتحدة تثري على حساب العالم مقابل مجرد أوراق لا غطاء ذهبيا أو إنتاجيا لها، والدولار رغم تراجعه مستمر في موقعه بقوة الدفع الذاتي وبفعل القوة العسكرية والهيمنة الأمريكية على صندوق النقد والبنك الدوليين

أصبحت الولايات المتحدة توقع عقوبات لحرمان الدول المعارضة لها من تصدير منتجاتها ومواردها حتى تجفف مصادر النقد الأجنبي لديها لتُحدث أزمات في النقد الأجنبي وتحرك موجات من شراء الدولار والعملات الأجنبية مقابل العملات المحلية مما يؤدي لانهيارها وارتفاع الأسعارفي تلك الدول بشكل لا يطاق مما يؤدي لتدهور مستويات معيشة شعوبها وانفجارها في مواجهة حكوماتها !

الوضع الاقتصادي، الذي يتدهور حاليا في الولايات المتحدة لا يبشر نهائيا بنهاية تفوق الدولار! تبقى هناك إحتمالات مواجهة هذه الهيمنة المالية التاريخية غير المنطقية و التي بنيت خداعا و احتيالا ،بعد أن كشفت كورونا إختلال في موازين الثقل وظهور الصين كقطب إقتصادي لا يستهان به و الإتحاد الأوروبي كقوى بديلة إن لم نقل منافسة ، قد فضحت كذبة القوة الأحادية المطلقة ! و بدأ عالم ما بعد الدولار يتشكل ،وقد تظهر بدائل محتملة ! كظهور ملامح تشكيل نظام إقتصادي مالي تجاري عالمي جديد ! يكون أولى خطواته المطالبة بإعادة النظر في تشكيل المؤسسات الإقتصادية ، التجارية و المالية العالمية و قوانينها المجحفة التي من خلالها تم توجيه سياساتنا الداخلية و بالتالي تدخلها في سيادتنا الوطنية ! في وقت يشهد فيه العالم تحديات وأزمات إقتصادية و مالية غير مسبوقة بسبب هذا الإختلال في التوازنات العالمية ! و يسقط تباعا المشروع و المآرب و الخلفيات !

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *