Share Button

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

إن الشهداء على ثلاثة أقسام فمنهم شهيد في الدنيا، وهو الذي قاتل رياءً، ويعامل معاملة الشهيد في الدنيا ولا حظ له من أجر الشهداء من شيء في الآخرة ، وهناك شهيد في الآخرة، وهم من ذكروا من الشهداء الذين ذكرهم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهم صاحب السل، ومن لدغته هامة أو افترسه سبع والشريق والخار عن دابته .

أي الذي يقع عنها فيموت والمتردّي من رأس جبل ، ومن مات بذات الجنب، والحريق، وصاحب الهدم، والغريق ،والمرأة تموت جمعاء، ابنها في بطنها، والنفساء، ومن قتل دون ماله أو دينه أو عرضه أو دمه.، ويعاملون في الدنيا معاملة سائر الأموات .

وهم في الآخرة مع زمرة الشهداء ، وهناك شهداء الدارين، وهم من قُتل في سبيل الله ، وإن الشهادة فى سبيل الله من المنازل العالية التي خص الله تعالى هذه الأمة ببركة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ، فجعل لها من الأبواب ما يستعصى على الحصر ، وما هذا إلا بحبه صلى الله عليه وسلم لأمته وفتحه لأبواب نيل المنازل العالية على مصراعها ، وليس الموت في الحرب أو الشهادة بالقتل في ميدان الحرب إلا واحدة منها ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد سمي الشهيد شهيدا لأن ملائكة الرحمة تشهده، أو لأن الله تعالى وملائكته شُهود له بالجنة، أو لأنه ممن يستشهد يوم القيامة على الأمم الخالية، أو لسقوطه على الشاهدة ، أي: الأرض، أو لأنه حي عند ربه حاضر، أو لأنه يشهد ما أعد الله له تعالى من النعيم، وقيل غير ذلك، والشهيد الذي يستحق الفضائل كلها هو شهيد المعركة مع العدو.

والمفهوم الإسلامي للشهادة ذو دائرة واسعة وأعظم الشهادة هي ما كانت في ميدان القتال في سبيل الله لما لها من فضائل كثيرة لا تعد ولا تحد فضلا من الله الواحد الأحد ومن فضل الله على الشهداء أنهم أولاً هم ليسوا أمواتاً بل هم أحياء عند ربهم يرزقون .

ويقول الله عز وجل فى كتابه الكريم : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) سورة آل عمران .

عن أَبِي هريره رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما تعدون الشهيد فيكم ؟ ، قالوا: يا رسول الله : من قتل فى سبيل الله ، فهو شهيد. قَال: “إِن شهداء أمتى إذا لقليل”. قالوا: فمن هم يا رسول الله ؟ قال: “من قتل فى سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات فى سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات فى الطاعون فهو شهيد، ومن مات فى البطن فهو شهيد “، وزاد في رواية: ” والغرق شهيد “.

والشهيد أول من يمسح التراب عن وجهه زوجته من الحور العين، أي علامات الاستشهاد كالدم أو تراب المعركة تزينه عند البعث وتعرف به وتبعث منه الرائحة الزكية فيكون شامة بين أهل الموقف بتلك النياشين حتى يخلص إلى قصره وزوجه .

ولو كان المراد تراب مدفنه فهو كناية عن سرعة دخوله بيته ولحوقه بأهله في الجنة فلا يكاد ينشق القبر عنه وأثر ترابه عليه إلا ويجد نفسه بين يدي أهله يمسحون ذلك التراب عن وجهه.

إن لذة الشهادة في سبيل الله لا يحصرها قلم، ولا يصفها لسان، ولا يحيط بها بيان، ولكن أن نتعرف إلى الشيء بملامحه وسماته، ففي هذا خير عظيم من عند الله عز وجل ، حيث يقول الله تعالى ( إِن اللَّهَ اشترى من المؤمنين أنفسهم ) وهذه الآية العظيمة التي فيها شراء، وفيها صفقة عظيمة، وهنا نجد المشتري هو الله عز وجل .

والمتفضل هو الله، والمنعم هو الله ، فخلق هذه النفس من العدم وأطعمها وسقاها وكفاها وآواها، ودفع عنها النقم، وأسبل عليها وابل النعم، ثم هو جل وعلا يشتريها من صاحبها ويبذل له عوضاً وثمناً ألا وهو الجنة ، فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

وهذا فضل من الله، والله دعانا أن نستبشر بقوله ( فأستبشروا ببيعكم ) أي ، اضمنوا أنها صفقةٌ رابحة لا تَندم بعدها، لو أن أحداً اشترى بضاعة أو عقارا أو دارا، ثم عاد وخلا بنفسه وأخذ يقلب الحال، هل غُبن في هذه الصفقة؟ وهل اشتراها بأكثر من قيمتها؟ أما هذه فهي صفقةٌ مربحةٌ رابحة .

وعن أبى هريره رضى الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ “” رواه البخاري .

ومما لا شك فيه ان بلوغ الأهداف الكبرى في الحياة يستلزم تضحيات كبرى مكافئة لها ، و سمو الأهداف وشرف المقاصد ونبل الغايات تقتضي سمو التضحيات وشرفها ورقي منازلها
وإذا كان أشرف التضحيات وأسماها هو ما كان ابتغاء رضوان الله تعالى ورجاء الحظوة بالنعيم المقيم في جنات النعيم .

فإن الذود عن حياض هذا الدين والذب عن حوذته والدفاع عن الأرض والعرض والدم يتبوأ أرفع درجات هذا الرضوان ، ثم إن للتضحيات ألوانًا كثيرة ودروبًا متعددة ، لكن تأتي في الذروة منها التضحية بالنفس ، وبذل الروح رخيصة دفاعا عن الوطن، فان الوطن والعرض ليس بمكانة اقل من المال والدم، ،بل فى مكانة اعلي وارفع .

إذ أن حرية الوطن هي السبب المباشر والأول فى حفظ الدم والمال ولقد قال صلى الله عليه وسلم “ مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ” .ويقال أن رجلاً قال : يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ” رواه النسائي.

ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتمنون الشهادة في سبيله لما لها من هذه المكانة العظيمة ، فلا يعلمون عنها سوى الطريق الموصل لما أعد الله لهم من الجنات، فهذا حنظلة تزوج حديثاً وقد جامع امرأته في الوقت الذي دعا فيه الداعي للجهاد فيخرج وهو مجنب ليسقط شهيدا في سبيل الله، ليراه النبي بيد الملائكة تغسله ليسمى بغسيل الملائكة.

وهذا مثال آخر لطلب الشهادة، ففي غزوة بدر ، قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه ” قوموا إلى جنَّةٍ عرضُها السَّمَواتُ والأرضُ، فقالَ عميرُ بنُ الحمامِ الأنصاريُّ: يا رسولَ اللهِ، جنَّةٌ عرضُها السَّمواتُ والأرضُ؟ قال: نعَم ، قال: بخٍ بخٍ ، فقالَ رسولُ اللهِ وما يحملُكَ علَى قولِ بخٍ بخٍ؟ قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، إلَّا رجاءَ أن أَكونَ من أَهلِها ؟

قال: فإنَّكَ من أَهلِها ، فأخرجَ تمراتٍ من قرنِهِ، فجعلَ يأْكلُ منْهنَّ. ثمَّ قال: لئِن أنا حييتُ حتَّى آكلَ تمراتي هذِهِ إنَّها حياةٌ طويلةٌ ، فرمى ما كانَ معَهُ منَ التَّمرِ ثم قاتَلَهم حتَّى قُتلَ َ ” رواه مسلم .

وإذا كان الله أنعم عليك بالصحة فهذا مثال لصحابي أعرج رخص له في عدم الخروج ومع ذلك خرج لطلب الشهادة، ألا وهو عمرو بن الجموح رضي الله عنه كان شيخاً من الأنصار أعرج، فلما خرج النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، إلى غزوة بدر قال لبنيه : أخرجوني ( أي للقتال ) فذُكر للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عرجه .

فأذن له في البقاء وعدم الخروج للقتال ، قلما كان يوم أحد خرج الناس للجهاد ، فقال لبنيه أخرجوني ، فقالوا له : قد رخص لك رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، في عدم الخروج للقتال ، فقال لهم هيهات هيهات ، منعتموني الجنة يوم بدر والآن تمنعونيها يوم أحد ، فأبى إلا الخروج للقتال ، فأخرجه أبناؤه معهم .

فجاء عمرو بن الجموح إِلَى رَسُولِ اللهِ الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال : يا رسول الله من قتل اليوم دخل الجنه ؟ قَالَ:(نَعَمْ) قَالَ: فوالذى نفسى بيده لا أرجعُ إِلَى أَهْلِي حتى ادخل الجنه، فقال له عمر بن الخطاب: يَا عمرةو لا تأل على الله ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” مهلا يا عمر ، فإن منهم من أقسم على الله لأَبَّره، منهم عمرو بْنُ الْجَمُوحِ يَخُوضُ فِي الجنة بعرجته” رواه ابن حبان .

وإن فضل الله واسع، فينبغي أن تسأل الله الشهادة وتضحي بنفسك وأهلك من أجل الله ، فعن سهل بن حنيف ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” مَن سأَل الشَّهادَةَ بصِدقٍ ، بلَّغه اللهُ مَنازِلَ الشُّهَداءِ ، وإنْ مات على فِراشِه ” رواه مسلم .

وعن أنس بن مالك رضى الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا ، وَلَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا ، فَيُقْتَلَ : عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ ” .رواه البخارى

ومن الشهداء أيضا من عشق فكتم فعف، رواه الخطيب الديلمي ، والميت وهو طالب للعلم، رواه البزار ، والمائد في البحر الذي يصيبه القيء، رواه أبو داود ، ومن مات مرابطاً، رواه ابن حبان ، و من صبر في الطاعون وإن لم يمت به، وأمناء الله تعالى على خلقه قتلوا أو ماتوا رواه أحمد

ومن قرأ حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ الثلاث آيات آخر سورة الحشر ومات في يومه أو حين يمسي ومات في ليلته، رواه الترمذي.

ومن مات على وصية ، رواه ابن ماجه ، ومن مات على وضوء ، رواه الآجري ، ومن صلى الضحى وصام ثلاثة أيام من كل شهر ولم يترك الوتر في حضر ولا سفر، رواه أبو نعيم.

ومن قال: اللهم إني أشهدك بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك أبوء بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب غيرك حين يصبح ومات في يومه أو يمسي ومات من ليلته، رواه الأصبهاني وغيره.

ومن مات ليلة الجمعة أو يومها ، أخرجه جماعة ، وفي حديثه: أنه يوقى فتنة القبر ومن دعا في مرضه بأن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت الظالمين أربعين مرة ومات في مرضه ذلك، رواه الحاكم ، وفي حديثه: وإن برىء برىء وقد غفر له جميع ذنوبه ، ومن سأل الله سبحانه وتعالى الشهادة بصدق، أخرجه مسلم،

وورد بسند حسن كل موته يموت بها المسلم فهو شهيد، ومن مات مريضاً، رواه ابن ماجه، وفي حديثه: ووقى فتنة القبر وغدي عليه وريح برزقه من الجنة ، وهذه الخصال الزائدة على الأربعين ورد في كل منها أن صاحبها شهيد أي يعطى أجر الشهداء .

ومراتبها في ذلك متفاوتة كما دلت عليه الأحاديث، وللشهداء خصوصيات: منها: أن أرواحهم في جوف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش . رواه مسلم

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *