Share Button

الغربة
بقلم ا.د/إبراهيم محمد مرجونة
أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية-رئيس قسم التاريخ
كلية الآداب بدمنهور

عندما غنى إسماعيل البلبيسي (أنا م البداية يا غربة بتحمل – و خلاص كفاية صعب ان انا اكمل –طريق يقرب لقلبي مناه -خد عمري بين لياليه و تاه.. و اااه و اااه -يا ما كان منانا نتلاقى و نقرب ……) فقد جسد معاني كثيرة عن مذاق الغربة.
الغربة كلمة طعمها مر، مرارة االصبار أو أشدّ، كلمة قاسية وتجربة صعبة قد عاشها الكثير منا لكن باشكال مختلفة ولأسباب متعددة، فمنا من ولد ووجد نفسه في بلد قد هاجر إليه الأهل بحثا عن فرصة عمل أفضل ومنا من يجد نفسه مجبرا لترك البيت الدافئ الذي نشأ وترعرع به طلبا للعلم عله يضيف عند عودته بالشهادة والنجاح.
وبعضنا يبحث عن فرصة أفضل لتحسين مستواه في بلد غير موطنه الأصلي، ومنا من يكون في بلده ومع أهله ولكنه يشعر بغربة قاتلة فقد حاصرته من كل جوانب الحياة عدد غير قليل من هموم ومشاكل وأعباء وعدم القدرة على تحقيق الأحلام .
الغربة قد تكون ممتعة لعدة شهور حين تحقق املك في السفر و بدء حياة جديدة طالاما حلمت بها, حتي تشعر بالوحدة دون الاهل والاصدقاء والاحبة , تسير حياتك بشكل طبيعي حتى تتذوق الغربة وهنا المنعطف الذي تتغير فيه حياتك تغترب مشاعرك وأحساسيك حتى طبائعك القديمة تصبح غريبة شعور مضطرب لا يحسه الا مغترب ، وأحياناً إذا عدت لبلدك اشتقت لتلك الغربة لأن غيرت الكثير بداخلك.
الغربة مدرسة من الطراز الاول ولكن ليس لديها الا أسلوب تعليمي واحد وهو القسوة , قسوة اشتياقك كل يوم لحضن امك الدافى لجرعة الحنان التي تعوت عليها في كل صباح , لقسوة ابتعادك عن اخيك عمودك الفقري الثاني عن تجمع اصدقائك التي لم يفرق بينكم سوا الغربة عن شوارع قد تركت بها الكثير من الذكريات.
وحين تغترب لا تحاول أن تفضفض لصاحبك كل مشاعر الشوق والحنين التي تشعر بها فهو يعاني مثل ما تعاني رفقاً بقلب صاحبك , ويتبقي لك نفسك تشكي و تفضفض لها ما تريد وتعترف لها ان اقسي ما في الغربة ليس البعد عن ارض الوطن وان تعيش الاعياد في بلاد بعيدة ووحيدا اصعب ما في الغربة هو الشعور بفراق الاحبة احساسك علي انك قد اصبحت اقوي علي الصبر والتحمل ولكنك تخاف علي قلبك أن يتعود فراق الاحبة .
“بك يا زمان أشكو غربتي إن كانت الشكوى تداوي مهجتي
قلبي تساوره الهموم توجعاً ويزيد همي إن خلوت بظلمتي”
ومن أصعب أنواع الغربه غربة النفس كونك تعيش حياتك كلها مفتقد التواصل مع نفسك تبحث عنها ولكن دون جدوى -مش لاقيها او مش عارف تتلم عليها او حتى تصاحبها – لما تعيش حياتك كلها تتهرب منها او مش فاضى تتكلم معاها كل لما تضيق الدنيا بيك وهمومك تكتر عليك دى تبقى فعلا وحده بجد وغربه بجد.
ربما بعد الغياب الطويل في الغربة بكل أشكالها لا يعود للإنسان كما كان .

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *