Share Button

النياتُ والمقاصدُ وأعمال القلوب لا يعلمها إلا الله
بقلم / محمـــــــد الدكــــــرورى
الرِّياء وصف ممقوتٌ عند الله، وممقوت عندَ أصحاب الفِطر السليمة، والقلوب النظيفة الطاهرة، وذوي الألْباب من الخلْق، فقد سأل رجلٌ سعيدَ بن المسيّب رحمه الله تعالى فقال: إنَّ أحدَنا يصطنع المعروفَ يُحِب أن يُحمَد ويؤجَر، فقال له: أتحبُّ أن تُمقت؟ قال: لا، قال: فإذا عملتَ لله عملاً فأخْلِصْه.

وكيف لا يكون الرياء خُلقا ذميماً ممقوتاً وصاحبُه قد ابتغى بعمله غير الله تعالى؟ وسعى لإرضاء الخلق بعمل لا ينبغي أن يكون إلا للخالق سبحانه والرياء كبيرة من الكبائر العظام، وذنب من الذنوب الجسام؛ توعّد الله عليه بالوعيد الشديد..

فالمراءون ينتظرون من الناس أن يشكروهم، وينتظرون من الناس أن يمدحوهم، أما أهل الإخلاص فلا ينتظرون من أحد شكرا ولا مدحا، بذلك وصفهم الله تعالى فقال سبحانه: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ ومدْحُ اللهِ عزَّ وجلَّ للمخلِصين في أعمالهم يقتضي ذمَّه للمرائين، الذين لا يعملون العملَ إلا وهم يُريدون الثناءَ والشُّكر من الناس.

وفي الصحيحين عن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (من سمّع سمّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به ) ومعناه مَن عمل عملا على غير إخلاص، وإنّما يريد أن يراه النّاس ويَسْمَعُوه، جُوزيَ على ذلك بأن يُشهّرَه الله ويَفضَحَه ويُظهِرَ ما كان يُبْطِنه.

وقال ابن حجررحمه الله: وقيل من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند النّاس، ولم يرد به وجه الله، فإنّ الله يجعله حديثا عند النّاس الّذين أراد نَيْلَ المنزلة عندهم، ولا ثواب له في الآخرة. ومعنى (يرائي الله به): أي يُطلِعُهم على أنّه فعل ذلك لهم، لا لِوجهه.

والرياء شرك خفي وشرك أصغر؛ وَإنما سُمِّيَ الرياء شركا خفيا؛ لأن صاحبه يُظهرُ عمله لله، وقد قصدَ به غيرَه أو جعل له شَريكا فيه، وزيَّن صلاته لأجله، والنياتُ والمقاصدُ وأعمال القلوب لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.

والعبدُ مطالب ببذل الجهد في التخلص من الرياء والبعد عن أسبابه، وإخلاص القصد لله رب العالمين والنَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ؛ إيَّاكُم وَشِركَ السَّرَائِرِ”، فقالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَمَا شِرْكُ السَّرَائِرِ؟ قَالَ: “يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلاتهُ جَاهِدًا، لِمَا يَرَى مِنْ نَظرِ النَّاسِ إِليهِ، فذلِكَ شِرْكُ السَّرَائِرِ ).

الرياء محبط للأعمال الصالحة؛ ولو لم يكنْ في الرِّياء إلا إحباط عِبادة واحدة، لكفَى في شؤمه وضررِه وقبحه وعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركتُه وشِركه). رواه مسلم.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (إنّ أوّل النّاس يقضى يوم القيامة عليه رجلّ استشهد، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتّى استشهدت، قال: كذبت، ولكنّك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار

ورجل تعلّم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلّمت العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنّك تعلّمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قاريء، فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار

ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلّه، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحبّ أن ينفق فيها إلّا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنّك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه، ثمّ ألقي في النّار ). أخرجه مسلم.

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *