Share Button

بقلم ا.د/إبراهيم محمد مرجونة
أستاذ التاريخ والحضارة -رئيس قسم التاريخ
كلية الآداب بدمنهور

أرأيت من يجمع أشلاءه ذات مساء؟أرأيت من ظل يروى زهرته رغم موته سنين أرأيت من عاش وسط القبور لأجل الحنين؟أو رأيت من أفنى زهرة عمره تضحية وقربانا للآخرين .
بقايا إنسان عاش ليضحى ويعطى بداية من الأم تلك الشجرة المثمرة التى تفنى زهرة شبابها لأجل حديقة أطفالها ترويهم الحب وهى من تستحق أن تروى، كذلك الأب الذي يدور بعقله ليلا ونهارا باحثا عن الترفيه والراحة لمن حوله من أبناء وأهل وأصدقاء وأقارب. وتري هذه الصورة أيضا في الصديق الوفي الذي يضحى بحاله لأجل صداقته أن تعيش، علي الرغم أنه يحمل من المتاعب أكبرها ومن الهموم أثقلها.
فنحن بشر باختلاف ألواننا قد تختلف طباعنا؛فمنا من يكن جاحدا حاقدا، ولا يفكر سوى بنفسه ولنفسه، ولا يعيش إلا لمتعته.
وهناك من يكن كالسيل الذي يتدفق علي غيره قبل نفسه.
وهنا يأتى التساؤل ؛أكان هذا الإنسان يتمتع فأراد أن يسعد غيره كما يسعد؟ وهذا النوع من التضحية قد تتخلله صدقة أو شفقة. وله جزاء مثلها. أم كان محروما من متع الدنيا؟ فاقدا ملذاتها، فأصبح جاحدا بغيره حاقدا ما رأت عينه من السعادة؟ أم أنه عاش عمره يقسم سعادته لإسعاد غيره يروى من روحه روحا سكنت روحه. وهذه هى أعظم حالات التضحية.
فتراه يعيش ميتا ليحيا الآخرين، يبذل ويتحول لزهرة هشة أفقدتها الدنيا جمالها ونضارتها فقط ليستمتع بسحرها العابر. ويتخبطها الجاحد والحاقد والأنانى ويأتيها القاصي والداني لينهل من عطاياها غير مكترث أحد لحالها.
بقايا حياة..كثير من البشر يعيش ببقايا حياة بعدما وهب حياته لأجل أناس عاش بظلهم يوما، أو فرضتهم الحياة عليه يوما ،أو تحمل عبء حياتهم فوق رأسه باحثا لهم عن بر أمان ليوصلهم،ليبدأ في التحول إلي بقايا إنسان ببقايا حياة.
والعجب كل العجب فيمن كان علي يقين بزوال حياة من أفنى حياته لأجلهم ويظل يعطى من حياته لهم. ولكن المأساة فيمن عاش مغصوبا أن يضحى ويفقد ويتخلي ولا بد بالصبر يتحلي. عاش مجبرا كالمزهرية التي ذبلت ورودها وماتت زهراتها لكنه مضطرا للاحتفاظ بها حتى لا يتهم بقتلها. وكأنه الجانى لكنه المجنى عليه الذي أرغمته الحياة بحفظ الممات والعدم، حتى أصبح نفسه العدم لكنه متخذ من بيت الشاعر بيته حين قال:
أحسن وإن لم تجز حتي بالثنا أى الجزاء الغيث يبغي إن همى
من ذا يكافئ زهرة فواحة أو من يثيب البلبل المترنم.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *