Share Button

 

بقلم:

رافع آدم الهاشميّ

………

بسمِ الله الرّحمن الرّحيم، وَ به نستعين في جميعِ أُمورِ الدُّنيا و الدِّين، وَ صلّى اللهُ على سيِّد الخلقِ أجمعين، قائدنا وَ مُعلِّمِنا وَ حبيبنا النبيّ الهاشميّ الصادق الأَمين، وَ على آلهِ الطيّبين الطاهرين، وَ صحبه الأخيار الْمُنتَجبين، وَ سلَّمَ تسليماً كثيراً.

أَمَّا بعدُ:

فلا أَحد فينا ينكرُ أَنَّ مُجتمعاتنا تُعاني مِن انهيارٍ أَخلاقيٍّ فظيعٍ في نسبةٍ غيرِ قليلةٍ مِن أَفرادِها، حتَّى باتَ البعضُ يتصوَّرُ أَنَّ الانحلالَ الأَخلاقيَّ قَد أَمسى عُرفاً يتِّخذهُ الْمُنحلّونَ مَنهجاً لَهُم حتَّى وَ إِن رفضتهُ الشرائعُ السَّماويَّةُ أَو جرَّمتهُ القوانينُ الأَرضيَّةُ أَيَّاً كانت وَ أَينما كانت!

و لا أَحدَ فينا ينكرُ أَنَّ هذا الانهيارَ الأَخلاقيَّ الّذي سبَّبَهُ الانحلالُ الأَخلاقيُّ، قَد أَفرزَ أَبشعَ نوعٍ مِن أَنواعِ الانحلالِ وَ الانحرافِ على حدِّ سواءٍ، هذا الانحلالُ وَ الانحرافُ البَشعَينِ معاً قَد تمثــَّلا في سلوكٍ قميءٍ عُرِفَ باسمِ الـ (دَعارة)!

– وَ مَن مِنَّا لا يعرِفُ ما معنى الدَّعارَة؟!

هيَ الفجورُ وَ الفِسقُ وَ التهتُّكُ، وَ ركوبُ المعاصي، وَ هيَ العِهرُ وَ الخبثُ وَ الفسادُ.

هُوَ ذا معنى الدَّعارَةِ لُغويَّاً، وَ هُوَ ذا شواخصُها وَ شخصيِّاتُها عمليَّاً، فهيَ بذلكَ مِن أَشَدِّ الانحلالاتِ الأَخلاقيَّةِ وَ الانحرافاتِ خطورةً على الْمُجتمعاتِ برُمَّتها؛ لأَنَّها تتداخَلُ تداخُلاً وشيجاً معَ جميعِ مفاصلِ الحياةِ، بالدرجةِ ذاتها الّتي تتداخلُ فيها أَشكالُها بعضُها معَ البعضِ الآخَرِ أَيضاً، دُونَ أَن تُفصِحَ عَن هذهِ التداخُلاتِ باتِّخاذها شكلاً عامَّاً مُحدَّداً لها في الموضوعِ الّذي تختارُهُ هيَ مِن مواضيعِها ذات العَلاقة!

وَ السؤالُ الّذي يطرحُ نفسَهُ على طاولةِ البحثِ، هُوَ:

– لماذا يلجأ الدَّاعرونَ وَ تلجأ الدَّاعراتُ إِلى الدَّعارَة؟!!

لعلَّ عقلك يُخبرك (واهِماً) بأَنَّ أَطماعَهُم هيَ الّتي تدفَعُهم إِلى هذا السلوكِ القميءِ!

أَقولُ:

مِن تجاربي العمليَّةِ الشخصيَّةِ الّتي لمستُها لمسَ اليدِ، أَثناءَ ممُارستي التطبيقيَّةِ لمنهجِ الطبّ البشريِّ العامّ، الّذي تخصصتُ في دراستهِ أَكاديميَّاً، تبيَّنَ لي أَنَّ أَحدَ الأَمراضِ الخطيرةِ الّتي تُصيبُ أَصحابَها، تجعلُهُم في حالةٍ مِن ازدواج الشخصيَّةِ؛ حيثُ أَنَّهُم في الظاهِر يُظهِرونَ تعاطُفَهُم معَ الآخرينَ، وَ يُبيِّنونَ لَهُم أَنَّهُم (هؤلاءِ المرضى) يستحقُّونَ الرَّحمةَ وَ الإِحسانَ، وَ في الباطنِ كانوا يسعون بشتَّى الوسائلِ وَ الإِمكانيَّاتِ أَن يُصيبوا الجميعَ بما أَصابهُم مِن مرضٍ خطيرٍ يؤدِّي بالكثيرينَ منهُم إِلى الموتِ الأَكيدِ!

هؤلاءِ المرضى، ذوي المرضِ الخطيرِ هذا، كانوا يعلمونَ مُسبقاً أَنَّهُم ناقِلون لهذا المرضِ، وَ يعلمونَ مُسبقاً أَيضاً أَنَّهُ يتوجّبُ عليهِم (أَخلاقيَّاً في أَدنى الحدودِ) أَن لا يسمحوا بانتقالِ العدوى مِنهُم إِلى الآخرينَ الأَصحّاء، لكنَّهُم كانوا يعملونَ العكسَ تماماً؛ إِلى درجةِ أَنَّهُم كانوا يُبصقونَ في خزّاناتِ مياهِ الشُربِ الخاصَّةِ وَ العامَّةِ معاً، وَ في أَواني الطبخ الْمُتعلِّقةِ بالآخرين، وَ حتَّى كانوا أَيضاً يُبصقونَ في زُجاجاتِ أَدويةِ المرضى وَ على الأَسرَّةِ وَ الأَفرشَةِ وَ الجُدرانِ وَ الأَرضيِّاتِ وَ على وَ في كُلِّ شيءٍ دُونَ استثناءٍ، حتَّى باتَ المرَضُ مُنتشراً اِنتشاراً فظيعاً للغايةِ جدَّاً، دُونَ أَن يعلَمَ المسؤولونَ آنذاك جوابَ السؤال التالي:

– كيفَ انتقلَ المرضُ الخطيرُ هذا إِلى أَشخاصٍ سليمينَ دُونَ وجودِ اتِّصالٍ أَو تقارُبٍ جسديٍّ بينهم وَ بين حاملي هذا المرضِ أَو المصابينَ بهِ؟!!

وَ لأَنَّني كُنتُ أَحَدُ المشرفينَ طبيَّاً على علاجِ وَ مُتابعةِ حالةِ هؤلاءِ الْمُصابينَ بهذا المرضِ الخطيرِ، فَقد اتِّخذتُ وسيلةَ التحقيق السريِّ منهجاً لي في كشفِ خفايا هذا الانتشارِ الفظيعِ لهذا المرضِ الخطيرِ، وَ لَم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتَّى اكتشفتُ الحقيقةَ الْمُرَّةَ، الّتي هي جوابَ سؤالهم المذكورُ سلفاً؛ لأَكونَ بذلكَ سبباً رئيسيَّاً في الحَدِّ من انتشارِ هذا المرضِ الخطيرِ في تلكَ البقاعِ آنذاكَ، وَ سبباً رئيسيَّاً في حمايةِ الآخَرينَ مِن الوقوعِ ضحايا لسلوكيِّاتِ مَن أُصيبوا بهِ، وَ كانَ الجوابُ هُوَ:

– أَنَّ المصابينَ بهذا المرضِ هُم الّذين ينقلونَ العدوى بأَنفُسِهم إِلى الأَصحّاءِ، عبرَ البصقِ في كُلِّ شيءٍ يخصُّ الآخرينَ أَيَّاً كانوا.

ممّا لا شكَّ فيهِ، كانَ المرضى هؤلاءِ ينقلونَ العدوى سرَّاً بعيداً عن الأَنظارِ، وَ لَمَّا وقعوا في الكمائنِ الّتي أَعددتُها لَهُم خصيصاً؛ بمعيَّةِ رفاقي وَ زُملائيَ في العملِ الطبيِّ البشريِّ، أَقرّوا جميعهُم بما ارتكبوهُ مِن جُرمٍ شنيعٍ، وَ لَمَّا سأَلتُهُم السؤالَ الْمُحدَّدَ التالي:

– لماذا نقلت أَنت مرضك إِلى الآخرين الأَصحّاء؟

كانَ جوابُهُم جميعاً هُوَ:

– لكي يموتوا مثلما سأَموت.

إِذاً: هُوَ سلوكُ انتقامٍ مِن خِلالِ تدميرِ الآخرينَ الأَبرياء!

حدثت هذهِ الوقائعُ حينَ كُنتُ أُمارِسُ الطبَّ البشريَّ في المشافي الحكوميَّةِ التابعةِ لوزارةِ الصحّةِ في العراق، قبلَ أَكثر مِن عشرينَ عاماً عَن يومنا هذا في سنتِنا الميلاديَّةِ (2020)، أَيّ: أَنَّ الوقائعَ هذهِ قَد حدثت قبل سنة (2000) ميلاديَّاً، وَ بالطبعِ لن أَكشِفَ لك اِسمَ هذا المرضِ الخطيرِ، الّذي مِنَ المؤكّدِ أَنَّ البعضَ مُصابٌ بهِ في شتَّى الْمُجتمعاتِ حتَّى يومِنا هذا؛ حِفاظاً منِّي على سريَّةِ الأَشخاص، وَ لِفسحِ المجالِ أَمامَهُم لأَن يتّقوا الله حقَّ تقاتهِ فيتوقّفوا فوراً عن نقلِ عدواهُم إِلى الآخَرين، وَ أَمَّا الّذينَ قَد درسوا الطبَّ البشريَّ وَ توغّلوا فيهِ، فيعرفونهُ بكُلِّ يُسرٍ وَ سهولةٍ، كما يعرفونَ المصابينَ بهِ باليُسرِ وَ السهولةِ ذاتِهما.

النتيجةُ النهائيَّةُ كانت واحدةً، المرضُ ذاتُهُ، وَ العدوى ذاتُها، وَ الوسائلُ ذاتهُا أَيضاً، وَ المصيرُ الحتميُّ ذاتهُ كذلك، فقَط أَشكالُ الْمُصابينَ تختلِفُ فيما بينها، وَ لا شيءَ غيرَ ذلك!

– وَ الضحايا هُمُ الضحايا دُونَ أَن يعلمون!

– وَ كُلُّ المرضى هؤلاءِ مُشتركونَ معاً في البصقِ لإِيذاءِ الضحيَّةِ ذاتها؛ ابتغاءَ تدميرِها حَدَّ الموت!

الدَّاعرونَ وَ الدَّاعراتُ كهؤلاءِ المرضى الازدواجيِّينَ تماماً، يُمارِسونَ الدَّعارَةَ بهدفِ تدميرِ الآخرينَ؛ بعدَ أَن أَيقنوا أَنَّهُم لا يستحقّونَ التوبةَ أَبداً، فأَصرُّوا على سحبِ غيرِهم معهم إِلى نارِ جهنَّمَ يومَ الحساب!

وَ حيثُ أَنَّ الدَّعارَةَ تتعلَّقُ بمفاصلِ الحياةِ وَ حيثيّاتها جميعاً، لذا: فقَد تعدَّدَ الدَّاعرونَ وَ الدَّعارةُ واحدةٌ وَ إِن اتَّخذت أَشكالاً عِدَّة؛ إِذ لِكُلِّ شيءٍ في الدُّنيا حَظٌّ مِنَ الدَّعارَة؛ فـ:

– المومَساتُ يُمارِسنَ دَعارةَ الأَجساد!

– وَ اللصوصُ يُمارِسونَ دَعارَةَ الجيوب!

– وَ ذوي الأَقلامِ المأَجورَةِ يُمارِسونَ دَعارَةَ العُقول!

– وَ التُّجّارُ الْمُخادِعونَ يُمارِسونَ دَعارَةَ القلوب!

– وَ المشعوذونَ الدجَّالونَ يُمارِسونَ دَعارَةَ الأَرواح!

– وَ السياسيِّونَ الدَّاعرونَ يُمارِسونَ دعارَةَ الأَلسُن!

– وَ الحُكوماتُ الدَّاعرَةُ تُمارِسُ دَعارَةَ الشعوب!

وَ أَبشَعُ أَنواعِ الدَّعارَةِ هيَ:

– دَعارَةُ كهنةِ المعابدِ سُفهاءِ الدِّينِ المتأَسلمينَ لا المسلمينَ؛ الّذينَ يُمارِسونَ دَعارَةَ الأَجسادِ وَ الجيوبِ وَ العقولِ وَ القلوب وَ الأَرواح وَ الأَلسُنِ وَ الشعوب جميعها دُونَ استثناءٍ!

هيَ ذي الدَّعارَةُ إِذاً:

– تعدَّدت أَشكالُها وَ هيَ واحِدة!

وَ على عاتقِ الحَرائرِ وَ الأَحرار، وَ الأَتقياءِ ذوي الأَفكار، وَ الفُقهاءِ الأَبرارِ، وَ السياسيينَ الأَخيار، وَ الحُكوماتِ الشّريفةِ الّتي لَن تخلو مِنَ الأَنصار، بالدرجةِ ذاتها لهؤلاءِ جميعُهم معاً، تقعُ مسؤوليَّةُ اجتثاث كُلِّ أَنواعِ الدَّعارَةِ بشتَّى أَشكالها أَينما تكون؛ لنكونَ بذلكَ قادرينَ على تحقيقِ النَّجاح وَ إِحرازِ الفلاح.

– {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ}.

[القرآن الكريم: سورة آل عمران/ الآيات (104 – 108)]

إِذاً: دُونَ أَن تأَخذنا في اللهِ لَومَةُ لائمٍ أَيَّاً كانَ، علينا جميعاً أَن نتحمَّلَ مسؤوليِّتنا تجاهَها، تجاهَ هذهِ الدَّعارَةِ، الّتي:

– تعدَّدت أَشكالُها وَ هيَ واحِدة!

أَخيراً وَ ليسَ آخِراً إِن شاءَ اللهُ تعالى، أَقولُ: اللهُمَّ احفظ وَ بارِك جميعَ المؤمنين وَ المؤمنات، وَ اهدِ الغافلينَ عنك وَ الغافلاتِ إِلى سبيلِ الرشاد، وَ انتقِم مِنَ المنافقينَ وَ المنافقات، وَ عَجِّل لوليك الفرج، يا قُدُّوس يا ذا الجَلالِ وَ الإِكرام.

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *