Share Button

بقلم : د. مجدي إبراهيم

الإرادة عنصرٌ فعّال في الحياة الدينية، بغيرها لا تستقيم هذه الحياة، وبغيرها لا يمكن للحياة الدينية أن تمضي على وجهتها السليمة، ولا شئ يمنع التطلع إلى ذروة الحياة الدينية غير خوار الإرادة وفتورها.

أمّا من يستطيع أن يمضي فيها بعزم وتحدي فهو من تربّت فيه الإرادة سلفاً بغير عوج أو تهاون. قيل إن السلوك الذي يحصر الحياة الدنيا كلها، مجموع في قوتين هما : مقاومة المرء لما يحبّ، وتحمله لما يكره. ومن تفاعل هاتين القوتين تتكوّن الإرادة، فالإرادة حاصل تفاعل المقاومة للمحبوب المرغوب بحيث لا يستعبده ولا يطغى عليه أو يمتلكه، وتحمل كل ما يسوؤه من جرّاء التعامل مع الناس.

ولذلك؛ كان توجّه العرفاء من المسلمين بالإرادة نحو الجناب الإلهي، ليكون وحده مدد المقاومة والتحمل.
وقد كان الأساس الشرعي – من ثمَّ – ظاهرٌ كل الظهور في مجاهدة النفس، إنْ من مورد الكتاب الكريم أو من مُوْرد الحديث الشريف، ولم يكونوا يجاهدون نفوسهم لهزال كان في باطن النفس فيهم ولا لغرض زائل من أغراض هذه الدنيا، ولكن كانت مجاهداتهم تهدف إلى الاستقامة؛ أو على حَدْ وَصْف ابن خلدون (ت 808 هـ) مشروطة بالاستقامة؛ إذ قد نجد كثيراً من المجاهدين لأنفسهم مَنْ يجاهد لا لأجل الاستقامة كالسّحرة والمرتاضين، أي تجيء مجاهدتهم في تلك الحالة ليست قائمة على أساس شرعي بل لأجل كشف حجاب الحسّ الذي يحصل لصاحب الجوع والخلوة؛ وليست الاستقامة هنا مشروطة به.

فرقُ؛ وفرقٌ كبير؛ بين من يجاهد وهو مستند على مضمون ديني يشكل مجاهداته ويقوِّم منطلقاته النظريّة والعمليّة، ومن يجاهد من أجل أغراض دنيوية كسباً للصحة البدنية أو نيلاً لمآرب ليست قائمة على بواعث شرعية من صحيح الدين وصحيح الاعتقاد.

ومن هنا فليس من المبالغة أن نقرأ في كتب الصوفية الأحاديث النبوية الصحيحة الشريفة (كأن نقرأ تلك الأحاديث النبويّة في الإحياء ويقوم بتخريجها الحافظ العراقي في كتابه “المُغني عن حمل الأسفار” في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين للغزالي؛ درءً لوصمة ضعف الحديث التي شاعت عن كتب الصوفية وبخاصة الإحياء!) يَرْوُنَها باتصال السَّند عن فضيلة الجهاد لتكون معتمدهم ومتكئهم وأساسهم الشرعي كقوله – صلوات ربي وسلامه عليه – لقوم قدموا من الجهاد:” مرحباً بكم قدمتهم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر “.

قيل: يا رسول الله: وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس. وقوله صلى الله عليه وسلم:” المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل”؛ وقوله عليه السلام: “كُفَّ هَوَاكَ عن نَفْسك، ولا تتابع هواها في معصية الله تعالى “.

وفي الحديث الشريف أنّه صلوات ربي وسلامه عليه كان يُوَاصل الصوم فأراد أصحابه رضوان الله عليهم أن يواصلوا كما كان يواصل، فشق عليهم ذلك، فنهاهم عليه السلام أن يواصلوا وقال عبارته الشريفة ” إني أبيتُ عنْدَ رَبْي يُطْعمَني وَيَسْقيني “، وفي معناه أيضاً ” إنَّ لي هَيْئةٌ لَيْسَتْ كَهَيْئَتكُم “.

ومن المؤكد أن هذه الهيئة النبوية المباركة، هيئةٌ علويّة خاصة بخصوصيته عليه السلام، لا تنهي عن الصوم الدائم إلّا من باب الرحمة والشفقة على الهيئات التي لا ترقى مطلقاً إلى هيئته هو؛ صلى الله عليه وسلم، ولكن مع ذلك ليس هناك ما يمنع من قهر النفس على المكاره والمشقات مادام في النفس طاقةٌ تتوجه بالعمل الخيّر وتستطيعه، ومادام هنالك استعدادٌ علوي لتلقي أطيب الفيوضات الإلهية.
فالحديث مانعٌ لمن لا يستطيع، مبيحُ للقادر، والأمر كله مرهون بالنية القلبية.

والمفروض هو تلك “الإباحة” لا ذلك “المنع”.

ومن المجاهدة تتكون الإرادة، ولا إرادة وفيها ما فيها من ضعف لا يقوى صاحبه على الجهاد.

بقلم: د. مجدي إبراهيم

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *