Share Button

بقلم ا.د/إبراهيم محمد مرجونة
أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية-رئيس قسم التاريخ
كلية الآداب بدمنهور
إقلع غماك يا تور وارفض تلف ……. إكسر تروس الساقية و اشتم وتف.
قال : بس خطوة كمان .. وخطوة كمان…..يا اوصل نهاية السكة يا البير تجف.
عجبي! ! صلاح جاهين
الخُوارُ بالضَمّ : مِنْ صَوْتِ البَقر والغَنَمِ والظِّبَاءِ والسِّهَام وقال اللَّيْثُ : الخُوَارُ : صَوْتُ الثَّوْرِ وما اشْتَدَّ من صَوْتِ البَقَرَةِ والعِجْل . وفي الكِتَاب العَزيز ” فأَخْرَجَ لَهُم عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ ” .
كان لعلو الصوت ، قديما وحديثا ، رهبة ومهابة في القلوب ،وهو عدة الخطيب المفوه ، صوته يدوي كدوي المدافع أو كهزيم الرعد ، لكن وبالمقابل فأن الجذر الثلاثي “خ .و . ر” يُمكن أن يؤدي الى نقيض المعنى الاول ، فخارت القُوى أي تم استنفاذها ، ولربما يعود هذا الاستنفاذ للقوة الى الجهد الكبير في عملية الخُوار مما أدى الى أن تخور القُوى ، ولربما كان هذا ، مما حدا بأهلنا الى أطلاق المثل القائل ” الصياح على قد الوجع ” ، أي أنه وكلما كان الصراخ عاليا ، كان الألم شديدا.
وما “خوار ” عجل قوم موسى الا دلالة على ما نقول ، فقد كانت له رهبة ومهابة في نفوس سامعيه من بني اسرائيل ، وسارع بل وساهم خواره في غرس الايمان به ( بالعجل ذي الخوار ) ونزع الايمان برب موسى ، ( القادر الجبار ). هكذا تروي سير الاديان والاخبار!!
ويقول مثلنا العامي “خذوهم بالصوت قبل ما يغلبوكم ” ، للتدليل على ما للصوت من تأثير بالغ في النفوس .
والمراد هنا من جسد له خوار أن صاحب الجسد الذي يخور بأعلى صوته لتحقيق مآربه سواء كان على الحق أو على الباطل ، فكل أدواته وأدلته وشواهده تعتمد على الخوار دون غيره فسطوة الصوت عنده لا يعلى عليها وأذا أخذ الميكرفون لايتركه فهو قلبه النابض بالحياة.
والخوار هنا ، تصوير الواقع بشكل مجازي ، وليس الاهانة قطعا ، فكلما كان صوتك عاليا ، فأن فرصة حصولك على الانتباه هي أكبر بكثير ممن يتحدث همسا ، أو بصوت منخفض ، ويُحاول ادارة نقاش متحضر ومتمدن فعلا .
وللخوار صفة تُميزه ، فهو يقول شيئا ولا يقول شيئا في نفس الوقت ، النبرة والصوت عاليان لكن لا يستطيع المُتلقي أو المُستمع تمييز الفحوى والمضمون من هذا الصراخ .
ويقول مثل عامي فلسطيني وأظُنه منتشر ايضا في بلاد الشام ، يقول هذا المثل “المعزَر سياج داره ” ، والمعزر هو الشخص الذي لا يرتدع عن استعمال الصراخ وافظع الالفاظ في مهاجمة من تُسول له نفسه ولو بإبداء ملاحظة خفيفة لهذا الشخص ( المعزر) !!
“وتنفيذا ” للوصية أو الحكمة التي يُقررها هذا المثل ، فإننا شهود على تزايد “المُريدين ” والعاملين بهذه الوصية “الرائعة ” من وجهة نظرهم .
فهكذا نقرأ ونطالع ونعايش كل يوم هذا الخوار في شتى مناحي الحياة وعلى صدر الصفحة الأولى وفي الاعلام والمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي أصوات وشتائم ، صارخة ، وتعليقات لا تقل عنها صراخا وفظاعة . وكلما كانت الفاظك تمتاز “بالخوار ” العالي ، كلما اقترب انضمامك الى “النخبة ” وابناء “الشعب المُختار ” . وفي الحقيقة هم جسد له خوار.
وأصحاب هذا النهج الصُراخ ، العويل والخُوار …! قد عزموا على “تطوير ” احبالهم الصوتية لتكون قادرة على الخوار المقدس !
قال سبحانه وتعالى {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17] فعلينا توخي الحذر وتدريب أنفسنا على أن يكون الحوار عبارة عن نشاط عقلي ولفظي يؤدي إلى توضيح رأي، أو قضية ما، أو حل مشكلة معينة من خلال استخدام الأدلة، والبراهين، والحجج بين المتحاورين.
– توماس بين ذكر أن :الجدال مع شخص تخلى عن استخدام العقل وفلسفته تحقير للإنسانية، مثله مثل إعطاء الدواء لجثة ميت.
واياكم والتصنع لأن التصنع لا يزيد الشخص إلا قبحاً، وهبك الله عقلاً للجسد فعليك اعماله في اعمار الكون وازدهاره واجعل شعارك نلتقي لنترتقي.

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *